السادة القرّاء و أخوتنا في العيش و المصير المشترك, سأعرض لكم
ملخصاً لما تعرّضت له في أحد مراكز التحقيقات الأمنية السورية- فرع
فلسطين لتطلعوا على جانب بسيط من المعاناة للمعتقلين السياسيين.
إني فيصل الشيخ إبراهيم مواليد 1965 و من قرية شمال-شرق سورية,
حصلت على الثانوية العامة للعام الدراسي 1983-1984. كان والدي يرغب
أن أكون طبيباً أو مهندساً, لأنه وجيه قريتنا و يحب أن يضيف مزيدا
إلى وجاهته بولده الطبيب, كنت شخصياً أفضل دراسة التاريخ, و جاءت
نتيجة الإمتحان مخيبة لآمال والدي, فلم أحصل على العلامات المؤهلة
لتحقيق رغبته, شعرت أن الفرصة أصبحت مهيأة لدراستي التاريخ, و لكن
الوضع السياسي الذي شرحه لي والدي في تلك الفترة خطيرة و إن صراعاً
قوياً على السلطة لخلافة الرئيس حافظ الأسد أثناء مرضه, و انتشار
سرايا الدفاع و القوات الخاصة و المدرعات و توقع الصدام المسلح في
دمشق.
أقنعني والدي بالدراسة في تركيا, لأن أوضاع بلدنا حسن رأيه تسير
نحو المجهول. حصلت على جواز سفر و سافرت إلى تركيا و أتممت معاملة
الالتحاق بالجامعة فرع الهندسة. تخرجت مهندساً و أغرتني الحياة في
إسطنبول, فعملت مع شركة لها فروع عديدة في الداخل و الخارج.
بداية عام 2007 زارني والدي, و طلب مني العودة ليحقق أمنيته
بالتباهي بي أمام سكان القرية و العشيرة, و بنفس الوقت يلبي طلب
المخابرات العسكرية في المنطقة بضرورة حضوري لتسوية وضعي و دفع
البدل النقدي الذي أصبح إدعائهم رمزيا (500دولار). شعرت برغبة
جامحة من والدي لقناعته بأن تلبية طلب المخابرات تعطيه ميزة و تحسن
علاقاته بها كونها الحاكم الفعلي للبلاد, و هذا يساعده على قضاء
حاجات أبناء المنطقة و تزيد نفوذه العشائري, و قد وعدوه بالمساعدة
بحل موضوع البدل و تسوية وضعي خلال أقل من شهر.
نزولاً عند إلحاح والدي و حنيني إلى والدتي و أقاربي وافقته على
العودة, رغم ما انتابني من شعور بالخوف و القلق و الإنقباض.
اتفقت مع والدي لقائه في شهر أيار 2007 بدمشق, و كان هدفي هو
مشاهدة دمشق التي أحلم بها و بتاريخها و لم يتسنى لي رؤيتها, و
لإنهاء موضوع التحقيقات ثمّ السفر إلى القرية. وصلت دمشق في
التاريخ المتفق عليه نتيجة إتصالات والدي المسبقة أعطوني 3 أيام
أراجع بعدها فرع فلسطين و فرع المخابرات العسكرية و الشعبة
السياسية.
فرع فلسطين: قادني والدي إلى فرع فلسطين بعد إجراء اتصالاته مع
وسطاء يعرفهم و دفع لهم مسبقاً مبلغاً من المال لإنهاء معاملتي
بسرعة. عند وصولنا الفرع رحبوا بالوالد و قال له الضابط الذي
استقبلنا (أين الهدية بوصول المحروس بالسلامة), أخرج والدي من جيبه
عدد من فئة الخمس مائة ليرة سورية و قدمها له, وأردف أين هدية
المعلم؟ فأخرج رزمة أخرى و أعطاها له. همست في أذني والدي هل نحن
بفرع للمخابرات أم بمدرسة؟, ضحك الوالد و أجابني هنا يطلق على رئيس
الفرع أو المسئول لقب المعلم.
طلب النقيب لنا الضيافة و غادرنا لمدة 20 دقيقة, ثمّ عاد موجهاً
كلامه للوالد أتركه لنا قد تحتاج الاستفسارات عدة ساعات كونه قضى
خارج البلاد 23 عاماً, و أخذ عنوانه قائلاً نحن نوصله لعندك.
لا أخفي على القرّاء انتابني مزيد من الخوف و القلق, فور خروج
والدي أخذت إلى إحدى الغرف للتحقيق معصوب العينين و طلبوا مني
التحدث منذ خروجي إلى تركيا و حتى عودتي منها, تحدثت بصدق كل ما
أتذكره إذ لا يوجد عندي ما أخفيه أو أخافه. وجهت لي عدة أسئلة أجبت
عنها, و أخيرا قال لي المحقق ما علاقتك بفلان…؟ أجبته لا أعرفه,
ألم يزورك؟ إذا كنت لا أعرفه فكيف يزورني!! قال ألم تلتقي معه؟ كلا
صرخ في وجهي قائلاً كذّاب ألم تلتقي معه على العشاء عام 1989 في
بيت فلان؟ أجبته المذكور زميلي و تبادلنا للدعوات و الزيارات شبه
دائم, و نتيجة عدم تذكري و إصراري أخذت إلى غرفة للتعذيب, و هنا
واجهت ما لم أتصوره في حياتي. و كنت أظن ما يشاع عن التعذيب أو ما
يعرض في الأفلام و المسلسلات تمثيل مبالغ فيه, صدقوني إن ما تعرضت
له أكبر بكثير مما شاهدته أو سمعت عنه, بعدما أنهكت نقلت إلى
زنزانة, و أستمر تعذيبي على نفس المنوال مدة أسبوع.
كنت خلال فترة توقف التعذيب و الإستراحة استرجع بذهني كل من التقيت
به و أذكر لهم أسمائهم, و من خلال وصفهم للشخص المطلوب تذكرت أسمه
الذي قدم به, فقلت أسمه فلان, أجاب هذا أسمه المستعار؟ أجبت أنا لم
أعمل بالسياسة و لا أعرف إذا كانت هناك أسماء حقيقية أو مستعارة.
توقف التعذيب و بدأ الإستفسار عن الأحاديث التي جرت معه. أودعت
زنزانة منفردة لمد أربعة أشهر ثمّ نقلت إلى غرفة تتسع لعشرة أشخاص
وضع فيها 37 سجينا سوريين و فلسطينيين و عرب آخرين, و عرفت بأن
الجميع من نشطاء الحرية و دعاة الديموقراطية و من المعارضين
للسلطات الحاكمة, كان النوم يتم على وجبات البعض يستلقي و الآخر
جالساً على مقعده ينتظر دوره, كنت قد أصبت خلال التعذيب بضربات
قوية بصدري ألحقت بي ألاما شديدة و من الأعراض و باللمس قدرت بأن
بعض من أضلاعي قد تكسرت.
في إحدى الليالي أرغمني الألم على طلب طبيب, حضر في اليوم التالي
السجّان (ع) و سألني عن مكان الوجع فحددته له, قال هذا من كثرة
التدخين, أجبته أنا لم أدخن طيلة حياتي, إذا سأرسل لك حبة مسكن,
تفاقم الألم و ازدادت حالتي الصحية سوءاً و من شدته أصابني إغماء,
سببت ضجة و بلبلة على ما يبدو داخل الغرفة أضطر الحارس لإبلاغ
إدارة السجن, عاد وعي قليلاً و فتحت عيني و وجدت فوق رأسي الرقيب
(د) و معه عناصر مسلحة و أصدقاء السجن النبلاء منهم من يقرأ لي
القرآن و آخر بيده محرمة مبللة بالماء يمسح جبيني و من هو متوجها
إلى الله يدعو بالشفاء, إنهم حقاً يمثلون الإنسانية السورية و
العربية المسجونة في فرع فلسطين.
و فجاءة يصرخ الرقيب (د) موجهاً كلامه إلى زملائي مجرمين قتلة
إرهابيون…. حاولتم قتله يا خونة, هذا الإتهام أعطاني قوة تغلبت
بها على ألآمي و تكلمت بصعوبة لا علاقة لهم بمرضي إنهم ناس طيبون.
ساد الرعب و الصمت قليلاً قطعه أحد السجناء بصوت عال لسنا قتلة و
مجرمين المجرم من ضربه و أهمل حياته حتى كاد يشرف على الموت,
فاستشاط الرقيب غضباً و أعطى المسلحين المرافقين له إشارة انهالوا
عليه بعدها بالضرب و سحبوه خارج الغرفة, كنا نسمع صوته و هو يصرخ و
يشتم إلى أن اختفى, و لا زلت أجهل مصيره أدعو له بالجنة إذا نال
الشهادة و بالخلاص سريعاً من محنته إذا كان لا يزال على قيد
الحياة.
في هذا الجو الرهيب أستعاد السجناء شجاعتهم و أرادوا البطش بالرقيب
الذي خرج مسرعاً, ثمّ عاد بحماية أكبر ليفرقوا السجناء على
المنفردات و التحقيق معهم بتهمة التمرد و خلق الفوضى بإيعاز من
عناصر خارج السجن.
إزدادة حالتي سوءا فأستدعي طبيب عسكري لمعاينتي, و بعد إجراء
الفحوصات اللازمة أشار عليه لنقلي سريعا إلى المتشفى و وضعي تحت
العناية الطبية.
نقلت إلى المتشفى و الحزن يعتصر نفسي و قلبي مما تعرّض له زملائي
من استخدام القسوة و الإهانة و ربما سيتعرضون للموت تحت التعذيب
كما جرى لغيرهم. و أردد في داخلي هل هؤلاء ينتمون إلى البشر..؟ لا
و الله إن قلوبهم أقسى من الفولاذ و الحجر.
أتصلت بوالدي من المتشفى العسكري و شرحت له حالتي الصحية, حضر
سريعاً إلى دمشق و بعد وساطات و دفع للرشاوى تمكن من إستحصال
الموافقة للإفراج عني, بعد أن أجبروه على الكتابة بخط يده بأني كنت
مصاباً من السابق من خلال عملي بالشركة و يرجو إخلاء سبيلي
لمعالجتي على نفقته و مسؤوليته. خلال يومين تمت إجراءات إخلاء
السبيل و كان والدي قد أتفق مع مشفى أهلي لإجراء العملية و العلاج
و تمت و الحمد لله بنجاح.
تابع والدي إنجاز معاملة دفع البدل و تبين له أن المبلغ ليس
(500دولار) بل إن المبلغ هو (60 ألف دولار) بحسابات سنة التخرج و
العمل, مما أضطره إلى بيع بعض ما يملكه و الاستدانة على موسم 2008
الذي كان سيئاً بسبب قلة الأمطار و مخيبة للآمال. أدعو الله أن
يساعده في تسديد ديونه و أن يسامح كل منا الآخر.
كنت أظن إن هذا الفرع مختصاً لخدمة القضية الفلسطينية و استرجاع
الأراضي المحتلة في الجولان,باستخدامه أسم فلسطين الكلمة السحرية
من قبل من يحكم سورية لكسب العواطف, و لا تعني له في الحقيقة إلا
وسيلة للتضليل و غطاء للإرهاب, متجاهلاً ما يثيره من شعور نفسي
منفر يثير العداء و الغرائز.
إنها خيانة لتدنيس قضية شعب و أرض بارك الله فيها و مسرى الرسول و
ثاني الحرمين الشريفين.
المهندس فيصل الشيخ إبراهيم
اسطنبول
The Syrian Democratic
Working Committee
Email: s.d.w.c@gawab.com