قال الرئيس بشار الأسد في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة بتاريخ 13/7/2008 أن حقوق الإنسان في سورية بخير وأنه لا يوجد في السجون والمعتقلات إلا من يخالف القانون وليس من يعارض الحكومة، وزعم أنه منفتح على الجميع داخل سورية، وأن القانون يطبق بصرامة ضد من يدعو إلى الطائفية ويهدد الوحدة الوطنية، ونفى أن يكون في سورية سجناء رأي لأن انتقاد الحكومة متاح بحرية وأمان.
واللجنة السورية لحقوق الإنسان إذ تأسف لتصريحات الرئيس بشار الأسد المناقضة للدستور السوري وللواقع فرائحة انتهاكات حقوق الإنسان اليومية في سورية تزكم الأنوف.. حتى أن الرئيس بشار الأسد اضطر – حسب تصريحاته في المقابلة- أن يطلب من زعماء العالم ألا يسألوه إطلاق سراح المعتقلين وهذا يعني أن هناك معتقلين كثر في سورية هز بقاؤهم في سجون النظام السوري الضمير العالمي.
وما دام لا يوجد معتقلي رأي وضمير في سورية فلماذا تستمر حالة الطوارئ في سورية منذ 45 سنة التي تتدخل في أخص خصوصيات المواطنين، ولماذا تفعل محكمة أمن الدولة الاستثنائية وغير الدستورية أكثر من أي وقت مضى! ولماذا تصدر المحاكم العسكرية في المحافظات المختلفة أحكاماً مغلظة بحق النشطاء الحقوقيين والسياسيين والمواطنين العاديين! ولماذا يبقى القانون 49/1980 سيفاً مسلطاً على مجرد الانتماء الفكري لأحدى المجموعات السورية! ولماذا يحرم الأكراد من حقوقهم في لغتهم وفي تراثهم ويعيش ربع مليون منهم في بلدهم مجردين من جنسيتهم السورية!
هل انتقاد أداء وزارة التربية مخالفة للقانون أم انتقاد للحكومة؟ وهل كتابة مقال في مدونة ينتقد واقع حقوق الإنسان في سورية مخالفة للقانون أم انتقاد لواقع حقوق الإنسان في البلد؟ وهل إبداء وجهة نظر في الشأن العام مخالفة للقانون أم تعبير عن الرأي؟ معظم المعتقلين يندرجون تحت واحدة أو أخرى من هذه التصنيفات، وكلها حسب تصريحات الرئيس بشار الأسد نقد للحكومة وليست مخالفة القانون؟ إلا إذا كان يعتبر مجرد مباعدة الشفاه بغير موافقة نظامه مخالفة للقانون.
لماذا اهتز الضمير العالمي مؤخراً للمجزرة التي ارتكبتها عناصر الأمن والمخابرات وقوات الشرطة العسكرية في سجن صيدنايا وقتلت العشرات. لقد زعم البيان الرسمي أنهم متطرفون وإرهابيون وبالتالي استباح نظام الرئيس بشار الأسد أرواحهم الآدمية، وهم بالتأكيد ليسوا كما ذكر، إنهم معتقلون من أطياف شتى قاموا بردة فعل آنية لسوء المعاملة والتعذيب الشديد وامتهان مقدساتهم.
لقد قال الرئيس بشار الأسد في المقابلة أنه أفرج عن الآلاف من معتقلي الثمانينيات، وهذا اعتراف منه بوجود آلاف المعتقلين من الثمانينيات، لكن الإحصائيات الدقيقة تشير إلى أن الذين أطلق سراحهم لم يتعد بضع مئات، أفرج عنهم بعد 27 سنة من الاعتقال والتعذيب المهين وخرجوا وهم في حالة مزرية من المرض والفقر والحرمان من حقوقهم المدنية وحوصروا أشد الحصار في حياتهم وأرزاقهم وتنقلهم. أما الآلاف والذين يجاوز عددهم 17 ألف معتقلاً سياسياً فقد اختفوا في السجون وترفض دوائر نظام بشار الأسد الكشف عن مصائرهم وتسوية قضاياهم المدنية العالقة بينما لا تزال أسرهم تنتظر حلاً.
يقول الرئيس بشار الأسد أنه لا يوجد في سجون نظامه من يخالف القانون ، فماذا يقول عن معتقلي ربيع دمشق؟ هل الدكتور عارف دليلة خالف القانون عندما أشار إلى الفساد المنتشر في مفاصل الاقتصاد السوري؟ وهل معتقلو إعلان دمشق – بيروت من أمثال ميشيل كيلو وأنور البني خالفوا القانون عندما طالبوا بتسوية العلاقة مع لبنان؟ وهذا ما اضطر الرئيس بشار الأسد لفعله الآن! وهل معتقلو إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي خالفوا القانون عندما عبروا عن آرائهم؟ هل فداء الحوراني ورياض سيف وعلي العبد الله وأحمد طعمة وفايز سارة وزملاؤهم هددوا الوحدة الوطنية ودعوا إلى الطائفية؟ أليس التعبير عن رأيهم في الشأن العام لبلدهم السبب الوحيد الذي قادت أجهزة أمن الرئيس بشار الأسد لزجهم في المعتقلات؟ فإذا قال الرئيس بشار أن حرية التعبير مصانة فلماذا يعتقل كل هؤلاء ؟ أم أنه يكرر عبارت لا يدري أبعادها؟
إن أجهزتك الأمنية يا سيادة الرئيس تزج المتدينين كل يوم في السجون وهم لا يدرون لماذا، وتوجه لهم تهم الإرهاب، وجلهم لا يعلم معنى هذا المصطلح الذي برعتم في استغلاله أكثر من الجهات الخارجية التي اخترعته واستخدمته لحرب معتقدات أمتكم التي تحكمونها بواسطة أجهزة القمع والتعذيب والقتل ورمي المصحف الشريف والدوس عليه، ثم بعد ذلك تزعم أن حرية الرأي مصانة، بل وتطالب جماعات حقوق الإنسان والمعارضين أن يعارضوا من الداخل؟ لماذا يا سيادة الرئيس؟ هل تريد أن تستدرجهم وتنال منهم وتغيبهم في المعتقلات كما غيبت مواطنيهم في الداخل؟
إن تقارير المخبرين الفاسدين تزج بالعشرات يومياً في مراكز التحقيق حيث يلقون المعاملة السيئة والتعذيب على أيدي جلادين غلاظ قساة القلوب، وكثير من هذه التقارير كتبت لأسباب كيدية شخصية أو لأسباب نفعية أو لأسباب انتقامية أو لأسباب مجتمعية وطائفية.. فلماذا تستمر هذه الحالة من الظلم المجتمعي والتفرقة الطائفية والاعتقال التعسفي والعشوائي المرفوض المخالف للدستور… أليس الأجدر عوضاً عن إطلاق التصريحات غير الدقيقة والتي تعوزها الشفافية أن يبادر رئيس الجمهورية إلى تلمس زوايا الخلل ويبادر إلى إصلاحها.
لماذا لا تعترف يا سيادة الرئيس بوجود مئات الآلاف من السوريين المهجرين والمنفيين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، لماذا لا تقول أن مئات الذين حاولوا تسوية أوضاعهم وجدوا أنفسهم ضحية الاعتقال التعسفي والقمعي لنظامك وهم مغيبون الآن في السجون يتعرضون لأسوأ معاملة وتمتهن كرامتهم البشرية. ولا يربطهم بالخارج رابط ! أنت الذي تسافر إلى الخارج وتجلس مع زعماء العالم، أما هم فكثير منهم مشرد ممنوع من حقه في الوثيقة التي تثبت شخصيته، وممنوع من تعليم أولاده وممنوع من العيش الكريم، أليس ما تدعيه تعوزه المصداقية عند التدقيق.
المواطنون الكرد الذين وعدتهم بحل قضيتهم في خطاباتك لم يروا شيئاً من وعود تكررت ولم يتحقق منها شيئاً… لماذا تقول غير الحقيقة في مقابلاتك الإعلامية ؟ هل تخشى الحقيقة؟ ألم تقل أن كثيراً من قيادات الإخوان عادوا إلى البلد ويعيشون حياة طبيعية في سورية؟ أذكر لنا اسم واحد من هؤلاء القيادات حتى يطلع الشعب على كلام رئيسه ويحكم عليه بالأرقام؟ أليس من العار أن يظل مئات الألوف من الشعب السوري مشردين في أنحاء العالم إرضاء لنزوات وليس نزوعاً إلى الصلح وهو سيد الأحكام؟ في كل مناسبة جديدة نتعرف على مئات بل وآلاف السوريين من كافة ألوان الطيف السياسي والديني والاجتماعي والعرقي والمعرفي الذين لا يستطيعون العودة إلى بلدهم لأنكم تطبقون أحكاماً قمعية بحقهم بعيدة عن منطق العصر والعدل والمساواة إذا عادوا هم أو أفراد أسرهم إلى سورية.
أليست قائمة الممنوعين من السفر بحق المحامين والنشطاء والسياسيين وأقارب المعتقلين والمعارضين تتوسع يوماً بعد يوم حتى طالت الآلاف وأصبحت سورية سجناً كبيراً فأين حرية الحركة وضمان حقوق الإنسان التي تتحدثون عنها يا سيادة الرئيس!
وأخيراً تتحدثون أن الحديث في الطائفية محظور في سورية، نود ذلك لكن ما هي عقوبة من يمارس الطائفية على الأرض ويفرق بين أبناء الوطن الواحد! هل يمكنك بكل شفافية أن تذكر للعالم وللشعب السوري النسبة الطائفية لأجهزة المخابرات والأمن والعاملين في الجيش السوري! وكيف تم ذلك ولماذا من قبل نظام حكمكم؟ إذا كان الحديث في الطائفية محرم ونشدد على ذلك فما جزاء من يمارسها على أوسع نطاق على أرض الواقع! أم أن ما تحلونه لأنفسكم تحرمون على الشعب السوري إنكاره وتعتبرونه طائفية؟!
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى الشفافية في تصريحاته حول حالة حقوق الإنسان في سورية، كما تدعوه إلى إجراء إصلاحات شاملة فورية تطلق كافة المعتقلين من السجون وتكشف عن مصير المفقودين في السجون وتسمح لكافة المهجرين والمنفيين بالعودة الطبيعية إلى بلادهم بدون اعتقال أو مساءلة أمنية، وتحل قضية المواطنين الكرد في حقوقهم في بلدهم ولغتهم وتراثهم وتطلق الحريات العامة وتوقف كل أشكال الاعتقال التعسفي وتضع حداً لصلاحيات الأجهزة الأمنية المتسلطة على أقدار المواطنين وتلغي كل القوانين القمعية وفي مقدمتها حالة الطوارئ والقانون 49/1980.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
16/7/2008