اللجنة السورية لحقوق الإنسان

  • الرئيسية
  • أخبار
  • ملتيميديا
    • الصور
    • الفيديو
  • المكتبة
    • كتب
    • وثائق
    • مقالات ودراسات
  • إصدار اللجنة
    • تقارير يومية
    • التقرير السنوي
    • تقارير خاصة
    • أخبار وبيانات
  • عن اللجنة
    • من نحن
    • اتصل بنا
  • بيانات أخرى
    • بيانات سورية
    • تقارير وبيانات دولية
  • ملفات خاصة
    • الاعتقال السياسي
    • مجزرة حماه 1982
    • مجزرة سجن تدمر 1980
    • معتقلو الرأي
    • محكمة أمن الدولة
    • القانون 49 لعام 1980
  • قوائم المفقودين
  • English
You are here: Home / مقالات ودراسات / تدمر في الذاكرة (7): محاكم استثنائية

تدمر في الذاكرة (7): محاكم استثنائية

3-تموز-2005

بقلم: حسن الهويدي *

 

ليس إحساسي كمن يذوب في ثلج، إنما جمر النار يحرقني شوقا إلى الحرية، كل الأيام في تدمر ظلم وظلام، الليل والنهار متساويان، الساعات والثواني، بينك وبين الموت شعرة تبحث بين ثنايا جسدك عن لحظة أمان كي تستطيع أن تحلم بماض كنت فيه، حتى العصافير التي كنت تراها بالأمس تطير وتحط، هربت من هذا المكان لكثرة الصراخ وأصوات الجلادين المرعبة كرائحةِ الدم، فكل شيء في عقيدة الجلاد مباح ..

 

في عام 1989 شهد سجن تدمر عملية تسريع المحاكمات وإعادة محاكمة من حوكموا قبل سنوات، ترافقت تلك المحاكمات أيضا بالإسراع في عميلة تنفيذ الأحكام القاسية كالإعدام ومضاعفة بعض الأحكام الأخرى ورفع سوية التعذيب إلى درجة لا يمكن ان يتصورها عقل انسان.

 

في العاشر من حزيران عام 1989 كنا نستعد لسخرة الطعام عددنا ثمانية مهمتنا إدخاله مخاطرين بحياتنا، كنت استرق النظر في الجزء المهترئ من الباب المعدني الذي تلفة قضبان معدنية قطر كل واحدة منهما 20 ملم متقاطعة بشكل عشوائي، لأحصي عدد الأواني البلاستكية التي سنضع فيها الأطعمة من (البلاو العسكري) والتي غالباً ما تكون ممزوجة بمادة المازوت والذباب والفئران الميتة، إناءان فيهما مادة “الشاي” وآخر شبه فارغ وآخر فيه “حلاوة” تلك المادة التي ان وجدت من بين مخصصات الطعام يصاب السجناء بحالة من التشاؤم، فهي بالنسبة لهم طعام النقمة وليس النعمة، حيث دفع الكثير منا فاتورة باهضة الثمن لملعقة حلاوة صغيرة، فقد تعرض جسد أكثر من سجين للعطب.

 

ما زال “البلدية” يجلب بقية الطعام ويضعه في الباحة، انحرف ناظري قليلاً رغم صعوبة التحرك في المكان للنظر في الاتجاه الآخر شاهدت احد عناصر البلدية يرتدي بنطالاً عسكرياً مموهاً حليق الرأس وهو يحاول فك رباط بنطاله المتسخ وأخرج “قضيبه” وتقدم إلى إناء الشاي وتبول فيه ومن ثم إلى الأواني الأخرى باستثاء الإناء شبه الفارغ، وكان الشرطي المكلف بحراسة الباحة يبادله الحديث والضحك، لم أفاجأ بما شاهدت من ذلك العمل، وكنت حريصاً على أن لا أخبر أحدا من داخل المهجع لتخوفي من أن البعض قد يمتنع عن تناول الطعام الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه، ذهب وهو يسبنا ويشتم بأعلى صوته.

 

حلاوة .. يا أولاد الشرموطة .. حلاوة .. وخياله يرتسم على جدران المهجع ذهاباً وإياباً، وعاد بعد قليل يحمل على كتفه بطانية عسكرية يوجد فيها خبز عسكري (صمون) ونثره في الباحة حيث توزعت قطع الصمون في كامل الباحة وهذا ليس في صالحنا كسخرة اذ يعرضنا للتعذيب والضرب المضاعف ويحتاج منا وقتاً إضافياً للبقاء في الباحة والتماس المباشر مع عناصر الشرطة والبلدية ..

 

تزامن مجيء الرقيب مع تواجد البلدية في الباحة وصاح بصوته المرعب رئيس المهجع يا ابن القحبة .. يا ابن القوادة .. الكل يسمع، تتوقف دورة الحياة وينعكس مسارها عندما نسمع ذلك الصوت، اسمعوا يا زنات كل كلب نقرأ اسمه يقول حاضر، وبدأ يتلوا الأسماء وكان نصف المهجع قُرئت أسماؤهم وطلب من رئيس المهجع أن يخبر كل من ورد اسمه أن يستعد للخروج ويغادر، حصلت فوضى عارمة في المهجع حيث بدأ البعض يوضب حاجاته ويجمعها في أكياس من النايلون والبعض الآخر في حالة إرباك والذين قرئت أسماؤهم يودعون الذين لم تُقرأ أسماؤهم بالبكاء والدعاء لهم بأن يحميهم الله ويفرّج عنهم ويلهمهم الصبر وكان البعض يوصي بزيارة أهله والآخر يبلغ سلامه لزوجته وابنه وذاك لوالده ووالدته كي يطمئنوا عليه وكان ذلك بأقل من دقائق من عودة الرقيب مرة ثانية لإخراجنا ..

 

فتح الباب وهو يحمل بيده قضيباً معدنياً وعند خروج أول السجناء إلى الباحة ضربه بين كتفيه وهو يسبنا قائلاً (من قال لكم يا أولاد الشرموطة طالعوا وسخكم معكم) وأمر الجميع أن يضعوا الأشياء والأغراض التي حملناها معنا في الباحة وأمرنا ان نصطف برتل أحادي وبدأ يعدنا، كنا 87 سجينا، وكان تواجد الشرطة والبلدية في المكان كثيفاً، وتم سوقنا إلى حيث لا ندري، ندخل في أبواب ونخرج من أخرى إلى أن وصلوا بنا وأمرونا بالجلوس أرضاً باتجاه الجدران دونما أية حركة ثم انحناء رؤوسنا باتجاه الأرض والامتناع عن التكلم مع الآخرين الذين بجانبنا، وهم ما زالوا يأتون بمزيد من السجناء من الباحات الأخرى ثم يصطفون من ورائنا على نفس النسق وهذا يشكل لنا بعض الحماية من الرفس والضرب، سمعت البعض من السجناء يتبادلون أطراف الحديث بهمس شديد يتعارفون على بعض وهم حريصون على ألا يسمعهم أحد من عناصر الشرطة أو البلدية، وهمس الذي بجانبي مع الذي من خلفه لماذا نحن هنا فقال له الآخر هذه محكمة، الآن سوف تمثل أمام القاضي والبعض من ضباط المخابرات وسوف تراهم بعينك ولكن كل هذا شكلي فأنت محكوم منذ لحظة اعتقالك، وهذه المحكمة لتنفيذ الأحكام القاسية، فرد عليه كيف يعني ذلك فرد عليه ما هي تهمتك (يمين عراقي) لا تخف أقسى عقوبة لك هي الحكم المؤبد .. فرد عليه أنا لست منظماً لا أنتمي إلى أي تنظيم سياسي، رد قائلاً .. سواء كنت أو لم تكن اقل حكم سيصدر بحقك ليس أقل من خمسة سنوات ولن تخرج من تدمر إلى أن يأذن الله لك بذالك والأفضل لك أن تنام في السجن على جنب واحد وإذا تعبت نم على الجنب الآخر، ولا تفكر بالخروج، ومع انتهاء الحديث بدأ أحد العناصر يتلو البعض من الأسماء وطلب منهم الوقوف ووضع “الطميشة” (1) على أعينهم وقادهم لا ندري إلى أين وبعد أقل من نصف ساعة من الوقت تلا قائمة أخرى من الأسماء وكان اسمي من بينهم وطلب منا كما طلب من الذين من قبلنا ووضعنا الطميشة على أعيننا وجاء احدهم وأمسك بيدي وقادني حيث لا أرى شيئاً وبعدها أوقفني أمام جدران إحدى الغرف وجاء أحدهم ولكمني من الخلف بضربة قوية على ظهري ما اضطرني للركوع على الأرض من شدة الألم وانهال عليّ بالرفس واللكم وتوعدني بدولاب ونهضت من شدة الخوف وقد نسيت ألمي لحظات، استعدت فيها جزءاً من توازني وبدأت أميز بعض الأشياء، واستطعت ان اسمع ما يجري من أحاديث في تلك الغرفة .. نعم قوس المحكمة حيث سمعت أحدهم يكذّب احد السجناء ويشتمه وتوعده أن يعدمه ومن ثم طرده، وأمر بعد ذلك من الشرطة أن يتولوا أمره. أدركت ماذا يعني بكلامه من إنزال أقصى العقوبة بالسجين وطلبوا منه رفع رأسه بحيث حفظوا ملامح وجهه وسألوه من أي مهجع وطلبوا من البلدية أن يقوده إلى مكان بعيد عن السجناء ويراقبوه بينما كان احد عناصر الشرطة يسبه ويشتمه وهو يقول حتى تعرف يا ابن الشرموطة .. وتتعلم كيف يجب أن تقف أمام أسيادك باستعداد.

 

أمسك أحدهم بيدي فجأة تفوح منه رائحة التبغ ممزوجة بعطر فاخر وصوته متزن وتلك الأشياء تخص مساعد انضباط السجن وهمس في أذني ما اسمك .. ثم جرني من يدي وأدخلني إلى غرفة، تتعالى فيها أصوات عديدة.

 

هم يتداولون “مواد وقوانين” وطلب احدهم من آخر أن يكتب ويسجل استنادا إلى المادة .. من قانون رقم .. يحكم السجين لمدة خمسة عشر عاماً أشغال شاقة لانتمائه لتنظيم سياسي محظور ومناهضة لأهداف الثورة، ورد آخر وقال يا سيادة اللواء هذا قليل يجب تكون عقوبة أكثر من ذلك، فرد عليه أعتقد أن هذا الحكم مناسب حسب رأيي ..

 

ما اسمك؟ قال ها أنت .. ما اسمك؟ فلم يرد احد، وطلب من المساعد قائلاً يا “مساعد” ارفع الطميشة، أحسست بيد تنزع عن عيني الطميشة أدركت بأنني المقصود، ما زالت عيناي مغمضتان قال أحدهم:

 

افتح عينك يا ابني ..

 

أنا سيدي ..

 

قال نعم أنت ..

 

في حدا غيرك، ضحك البعض منهم وأنا لا زلت مغمضا عينيّ

 

فرد آخر نعم أنت ..

 

فتحت عيني أحسست بظلام الغرفة لفترة وجيزة بدأت الصورة تتضح أمام ناظري والأشخاص المتواجدون اتضحت لي ملامح وجوههم، نظرت نحو اليمين يجلس شخص يرتدي بزة عسكرية عمره يتجاوز الأربعين عاما يجلس خلف طاولة ممتلئة بالأوراق والمصنفات قال لي اسمك قلت “حسن” وبدأ يفتش من بين المصنفات وأخذ مصناً لونه أخضر وسلمه للذي يجلس بجواره ونظرت إلى الشخص الذي استلم المصنف، يجلس إلى يساره يرتدي سترة بيضاء وقميصاً ملوناً رغم سن عمره المتقدم وإلى اليسار منه شخص آخر يرتدي بذلة مدنية وآخر يرتدي بزة عسكرية وهيئته هيئة ضابط والذي بجانبه يرتدي أيضاً بزة عسكرية وآخر يرتدي زياً مدنياً والجميع أعمارهم بين متوسطة ومتقدمة في السن، واحد فقط منهم بين على كتفيه رتبة عكسرية برتبة عقيد ركن ..

 

كلمني الذي يرتدي السترة البيضاء قائلاً أنت امام محكمة يا بني، كذب لا تكذب .. وقل الحقيقة والكذب ليس في صالحك ونحن نعرف عنك كل شيء مفهوم ..

 

مفهوم سيدي ..

 

هذه محكمة، أنا رئيس المحكمة وأشار بيده إلى الآخرين مساعد رئيس المحكمة سيادة العميد. وأعضاء المحكمة (كلهم ضباط في الجيش والمخابرات على ما بدا لي كون احدهم يضع على كتفيه رتبة عسكرية وهذا يؤكد كلام السجين الذي كان يتبادل أطراف الحديث مع الذي من خلفه)، الصورة واضحة ..

 

واضحة سيدي ..؟؟؟

 

كما قلت لك لا اريد منك أن تكذب ..

 

حاضر سيدي ..

 

وقف الذي يرتدي بذلة مدنية ثم قال ..

 

اسمع يا ابني كما ذكر لك نحن نعرف عنك وعن كل مواطن في هذا البلد كل شيء وبشكل خاص لدينا معلومات عنك منذ أن ولدتك أمك حتى هذه اللحظة.

 

شعرت أنني أمام مجموعة من المحققين ولست امام محكمة، جلس وتناول فنجان القهوة التي تفوح منه رائحة الهيل، التي لم أشمها منذ سنوات والتي تذكرني بطفولتي عندما كنت اذهب إلى ديوان القرية لأسمع صوت المهباش الذي يطربني وأرتشف القهوة العربية أتدفأ على جمر الموقد المتوهج وأسمع حكايات من العجوز حج قادر رحمه الله بصوته المتحشرج دائما عن الاحتلال الفرنسي لسورية، وعن سفربرلك و(العصملية) (المجيدة) وأحصنة الدرك ورحلته إلى الحج مشياً على الأقدام التي استغرقت شهور مروراً بالقدس الشريف ومنتهياً ببيت الله الحرام وحروب القبائل العربية فيما بينها وغزو البدو والشوايا والغنائم التي كان يحصل عليها كي يطعم أبنائه.

 

حسن .. نعم والدتك خود .. نعم تولد 1964 ..

 

متى وأي عام التحقت بالتنظيم ومن الذي نظمك ..

 

انا سيدي .. لا انتمي لأي تنظيم سياسي ولم يعرض لي أحد التنظيم ..

 

تكذب أنا بين يدي ضبط منظم مدونٌ فيه اعترافك أثناء التحقيق ..

 

سيدي .. احلف لك بالله أنني لست منظما .. وأنا لم يكن اعترفي اثناء التحقيق انني انتمي لأي تنظيم سياسي ..

 

هل تعني بكلامك هذا أنهم اتهموك والقوا القبض عليك افتراء، هكذا لله ..

 

نعم سيدي ..

 

وقف من على الطاولة منزعجاً يسبني ويشتم ويتهمني بالكذب بالرغم أنني تكلمت الحقيقية

 

من أين لك السلاح ..

 

السلاح سيدي متوفر بكثرة وكل مواطن يحمله وهذا جزء من التقاليد الشائعة في المنطقة ورغبت في الحصول عليه للمشاركة في الأعراس ..

 

من أين حصلت عليه ..

 

من احد أقربائي سيدي ..

 

أقربائك كلهم موالون لهذا التنظيم ..

 

لا ادري سيدي ..

 

لا تدري .. الا تعلم أن القانون لا يحمي المغفلين ولماذا لم تخبر السلطات الأمنية عن ذلك ..

 

كما ذكرت لك سيدي كل الناس تحمل السلاح وتطلق العيارات النارية في الأعراس ..

 

هؤلاء أسلحتهم مرخصة حزبياً .. لو أبلغت السلطات لكان وضعك أفضل من ذلك وكان عندك رخصة سلاح والآن في بيت اهلك ..

 

سيدي لست لدي الرغبة بحمل السلاح مهما كانت صفتي وهذا يدل على أنني قد بعت قطعة السلاح التي كانت بين يدي لأحد أقربائي ..

 

أنت تكذب ..

 

حاضر سيدي ..

 

يلعن أبوك وأبو سيدك يا ابن العرصة والله إن لم تقل الحقيقة سوف اجعل عظامك تأكلها ضباع الصحراء ..

 

سيدي .. قسماً بالله العظيم الذي ذكرته هو الحقيقة ..

 

خونة كلاب عملاء ..

 

كم مرة ذهبت إلى العراق ..

 

ولا مرة سيدي ..

 

صمت سيادته بعض الشيء وأخذ يسند ظهره بقوة على مسند الكرسي وطقطقت فقرات ظهره مسموعة ويتفحصني بنظراته من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي وأخذ كأس الماء التي بجانبه وشرب منها. وقال لي:

 

شوف ولاك أنا طولت بالي معاك أكثر من اللازم واعترافاتك مدونة على الورق وعليها بصمة ابهامك وكل ما قلت لا ينفعك بشيء وإذ لم تقل الحقيقة سوف اعرضك للتحقيق مرة أخرى ..

 

سيدي .. هذا كل ما لدي وأنا تعرضت للتعذيب اثناء التحقيق وليس لدي ما أضيفه وأنا ادفع ثمن جرم لم اقترفه ولا استحق ان أكون بهذا المكان ولا زلت اتعرض للتعذيب في هذا المكان وبشكل يومي ..

 

ردّ من احدهم ماذا تتوقع يا ابن الزانية نأخذك لفندق مرديان ..

 

لم استطع الالتفات نحوه ..

 

صمتُ ..

 

أحدهم: سيدي اصرفوه ..

 

صمت الجميع ..

 

الخوف يقطع أوصال جسدي، وجهلي لما يحدث جعل مني قوياً وخائفاً ولكن الموت قادم على كل الأحوال إذا لم أمت بقرار منه سوف أموت في هذا المكان وتحت سوط الجلاد أو رفساً ببوطه ..

 

سيدي لماذا ألقى هذا المصير أنت قاضٍ فأنصفني ..

 

أنت مجرم كاذب وخائن ..

 

سيدي أرجوك ..

 

شدني أحدهم بقوة من ذراعي الأيسر، وصاح مساعد أول (..) خذ هذا الكلب ..

 

أمسك رقبتي بكفه من الخلف وشدني وضغط عليها بقوة وشعرت انها قد انفصلت عن باقي الجسد وخرج بي من باب الغرفة إلى ممر ضيق وبعد أمتار قليلة وقف وضرب رأسي بالحائط بقوة وعلى أثرها شاهدت كل شيء يدور من حولي وأشياء تلمع أمام ناظري ورائحة الدم تفوح من انفي، وطنين مزعج في أذني وكأنني قد هويت من قمة جبل شاهق، رغم كل هذا وذاك الهلاك الذي أنا فيه حاولت جاهداً وأنا اضغط على نفسي كي استعيد جزءاً من وعيي الذي أنا بحاجة إليه في تلك اللحظة، سمعت صوتاً وكأنه قادم من بعيد يطلب مني النهوض لم استطع كلما حاولت الوقوف يفقد جسدي توازنه وترتسم أمام عيني صورة غيمة سوداء، ألمٌ تحسست به بعض الشيء في ظهري وبدا لي بأن احدهم يرفسني من الخلف، كم من الوقت استغرق ذلك لا أعرف. حين بدأت ذاكرتي تعود إلي بعض الشيء من الوعي تحت ضغط الخوف نهضت وشاهدت عددا من عناصر الشرطة يطوقون جسدي من كل الجهات ..

 

نادى أحدهم .. بلدية شرموط .. تعال بسرعة.

 

خذ الكلب .. أمسك البلدية بي من ظهري وجرني بقوة، ثم طلب منه الوقوف، وصاح هيه أنت .. هناك شرطي .. تعال شعرت بقدوم الشرطي وأنا منحني الرأس باتجاه الأرض شاهدت البوط العسكري ومقدمة السوط الأسود العريض الذي يحمل مؤخرته بيده ..

 

هذا (معلّم) طلب مني الشرطي أن أغمض عيني وأرفع رأسي عالياً وصفعني على وجهي وقال لقد حفظت ملامحه جيداً وقادني البلدية دون أضع الطميشة على عيني وهي ما زالت معلقة حول رقبتي إلى الباحة حيث شاهدت جمعاً كثيراً من السجناء ..

 

قف يا عرصة قال لي البلدية ..

 

من أي مهجع أنت ..

 

من المهجع 11 ..

 

ثم جرني ثانية حيث يتواجد سجناء المهجع وطلب مني أن أتوقف مرة أخرى وشعرت أنني قد تكومت على أجساد من البشر حيث تراجع إلى الخلف من ثم رفسني بقوة باتجاه الحشد البشري الذي يلتحف الأرض ينتظر كل واحد منهم الدور للمثول أمام القاضي ..

 

كلما يأتي احد من عناصر البلدية والشرطة يضربني ويهددنني، وحرارة الشمس المحرقة تلسع جسدي والدماء تنزف من أنفي وأمنيتي أن أعود إلى المهجع لأنني بحاجة للنوم تحت أي ظرف لأريح جسدي المتعب ..

 

__________

 

* كاتب سوري وسجين سياسي سابق

 

(1) الطميشة: قناع مطاطي سميك أسود اللون يعصب به السجين عينيه بشكل دائم مصنوع من إطار السيارت.

Filed Under: مقالات ودراسات Tagged With: أحداث الثمانينيات, مجزرة سجن تدمر 1980

قائمتنا البريدية

تابعونا على الفيسبوك

Facebook

صور من التعذيب ، شهادة معتقلة في سجون نظام بشار

13-شباط-2022

شاهد على مجزرة حماة الكبرى 1982

8-شباط-2022

ثمانية سنوات في سجن تدمر مع محمد برّو

13-كانون أول-2021

حقوق النشر والتوزيع © 1997 - Copyright © 2022 اللجنة السورية لحقوق الإنسان. جميع الحقوق محفوظة

القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • أخبار
  • ملتيميديا
    • الصور
    • الفيديو
  • المكتبة
    • كتب
    • وثائق
    • مقالات ودراسات
  • إصدار اللجنة
    • تقارير يومية
    • التقرير السنوي
    • تقارير خاصة
    • أخبار وبيانات
  • عن اللجنة
    • من نحن
    • اتصل بنا
  • بيانات أخرى
    • بيانات سورية
    • تقارير وبيانات دولية
  • ملفات خاصة
    • الاعتقال السياسي
    • مجزرة حماه 1982
    • مجزرة سجن تدمر 1980
    • معتقلو الرأي
    • محكمة أمن الدولة
    • القانون 49 لعام 1980
  • قوائم المفقودين
  • English