ويشمل الفترة من حزيران (يونيو) 2004 وحتى أيار (مايو) 2005
مقدمة:
شهدت حالة حقوق الإنسان في سورية في المدة ما بين حزيران (تموز) 2004 وأيار (مايو) 2005 والتي يغطيها هذا التقرير انتكاسات أساسية، وتلاشت الآمال بحدوث قفزات نوعية في تحسين الواقع الإنساني السوري وأخضعت البلاد لحالة من العصبية والانتهاكات الشديدة، حيث بلغت أسوأ حالاتها منذ خمس سنوات، عندما استلم بشار الأسد رئاسة السلطة في سورية.
ولم تتقدم السلطة في إلغاء أو تجميد أو تحييد أي من القوانين القمعية وأدواتها التي تسيطر على المناخ السوري، فبالرغم من تسريبات السلطات السورية المستمرة عن مشاريع الإصلاح والتحديث ما يزال مشهد الحياة السورية محكوما بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية لعام 1963، وقانون الإعدام السياسي رقم 49 لعام 1980، وسياسة التعريب القسري للأكراد، بينما شهدت محكمة أمن الدولة والمحاكم العسكرية في هذه المدة تفعيلاً شديداً وقُدم أمامها أفراد ومجموعات من المعتقلين أوقعت بحقهم عقوبات صارمة بدون مبررات قانونية كافية، وبدون السماح لهم للدفاع عن أنفسهم.
ولعل من أبرز مشاهد القمع خلال تلك المدة الحملة العنيفة التي تعرض لها الناشطون في الدفاع عن حقوق الإنسان وحركة المجتمع المدني، والتي بلغت ذروتها باعتقال المحامي محمد رعدون وعلي العبد الله وإدارة منتدى جمال الأتاسي في شهر أيار (مايو) الحالي.
وشهدت الحالة الكردية إبان أحداث الثاني عشر من آذار (مارس) 2004 تصعيداً في عمليات الاعتقال وتقديم المعتقلين للمحاكم الاستثنائية، ومحكمة أمن الدولة، ولقي العديد من الأكراد السوريين حتفهم في القطعات العسكرية وتحت التعذيب وفي أحداث غامضة، ثم جاء العفو الذي لم يكتمل عن 312 منهم، لكن سرعان ما قامت السلطات باستدراك هذا العفو بتقديم دفعة منهم للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة.
وعلى الرغم من إطلاق سراح دفعتين من معتقلي الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن حملات مسعورة من الاعتقال غير المبرر طالت عشرات العائدين إلى الوطن الذين حصلوا في الغالب على تسويات لأوضاعهم من السفارات السورية.
ولم يسلم من الاعتقال المرحلون إلى سورية لسبب أو آخر، وتم التعامل معهم في منتهى القسوة. وشنت السلطات السورية حملة شديدة على التيار السلفي واعتقلت عشرات المواطنين في مختلف المحافظات دون مبرر قانوني.
ووثقت “اللجنة السورية لحقوق الإنسان” المعلومات التي تحدثت عن ارتكاب عمليات تعذيب في السجون ومراكز التحقيق، أفضت في العديد من الحالات إلى الموت أو حدوث عاهات مستديمة، وأحصت أنواعا جديدة اتبعتها الأجهزة الأمنية في التعذيب والمعاملة الحاطة بكرامة المعتقلين والموقوفين.
وفعّلت السلطات آليات الاختطاف والتشبيح والمعاقبة عبر فريق ثالث (مجموعات تعمل لحسابها) في مساعيها لإرهاب المعارضين أو إخماد أصواتهم.
وفُصلَ معارضون وأبناؤهم من أعمالهم الوظيفية في القطاع العام بسبب عدم حصولهم على موافقات أمنية تعتبر شرطاً مسبقاً للعمل.
ولا تزال السلطات السورية تمنع الحريات الأساسية، فحرية الصحافة والإعلام مقيدة في حدودها الدنيا، وحرية التجمع والاعتصام تقمع بقسوة، ولا يزال العمل السياسي حكراً على حزب البعث، وفي نطاق محدود أحزاب الجبهة المتحالفة معه، وما سوى ذلك فممنوع، فإما أحزاب غير مرخصة مضيق عليها، وإما أحزاب وقوى تستمر السلطات في إبادتها واجتثاثها.
ولم تتوفر خلال هذا العام عملية ديمقراطية في الانتخابات والترشيحات، فكل شيء خاضع للوائح تقونن هيمنة حزب البعث على السلطة والإدارة في المؤسسات والمنظمات النقابية والرسمية السورية.