ضرب النظام ضربته الأولى في “العنف الثوري” في مدينة جسر الشغور، تلك المدينة الصغيرة التي تقع في الجبال بين حلب واللاذقية ففي يوم الأحد التاسع من آذار تظاهر سكان المدينة (ضد) الحكومة والحزب زاحفين نحو مقرات البعث حتى أشعلوا النيران في بناياتها، وقد اقتحم بعض المتظاهرين الثكنات العسكرية القريبة منها واستولوا على أسلحة وذخيرة فيها لم يستطع البوليس المحلي، مطلقاً، استعادة النظام فهرب من الساحة لتوه.
أمرت السلطات الأمنية فوراً القوات الخاصة المحمولة -بالهيلوكبتر- الموجودة في حلب، وصلت هذه القوات في آخر العصر قبل الغروب وقصفت المدينة بمدافع المورتر-الرشاشة- والصواريخ حتى استعادوا السيطرة عليها، ولكن بعد تدميرهم (20) منزلاً و(50 ) مخزناً ومتجراً وقتل أو جرح العشرات من المواطنين بضمنهم الكثير من المواطنين «المتفرّجين» الأبرياء الذين ليس لهم دور في كل ما حصل. ثم قاموا بتمشيط المدينة من منزل لمنزل يفتشونها في الليل المظلم وقد أعدم “الكوماندوس” عدداً من المواطنين قرب منازلهم وأخذوا معهم مالا يقل عن (200) مواطن رهن الحجز والاعتقال.
وفي اليوم التالي عقدت السلطة محكمة عسكرية ميدانية برئاسة توفيق صالحة عضو القيادة القطرية للبعث الذي وصل بالطائرة من دمشق وعلى الرغم من بقاء تفاصيل جلسات المحكمة طي الكتمان، فإن المرء يكاد يعلمها من النتائج التي شاهدها الناس تنفيذاً لأحكام إعدام بحقّ أكثر من مئة محتجز، حتى بلغ مجموع ما قتلتهم قوات الأمن من الناس في المدينة مائة وخمسين مواطناً لغاية مائتين حسب التقديرات الأولية(17).
قام الناس بتظاهرات احتجاج أخرى في التاسع من آذار في شوارع مدينتي المعرّة وإدلب اللتين تقعان على مسافة أميال قليلة شمال شرقي جسر الشغور في الطريق إلى حلب، فتحت قوات الأمن النار على التجمعات وقتلت ثلاثين مواطناً في المعرة و(16) في إدلب واعتقلت كثيرين غيرهم. وتكررت أحداث مماثلة في مدن أخرى(18) مع كل ذلك تجد الصحافة الرسمية لا تذكر شيئاً إلا أن الأخبار تنتشر بسرعة في كل أنحاء البلاد.