اسودت صفحة جديدة في مجلد انتهاكات النظام السوري لحرية الصحافة من خلال اعتقال السيد إبراهيم حميدي مراسل جريدة الحياة في دمشق يوم الاثنين 23/12/2002 على خلفية نشره معلومات في الجريدة المذكورة.
ومأساة حميدي عامة – خاصة، حيث أنها عامة لجهة اعتقال صحافي سوري والتضييق عليه، ومن ثم عرضه على محكمة أمن الدولة العليا لتبتّ في أمره، بعد أن تم اعتقاله من قبل جهاز المخابرات العسكرية، وهو جهة ليست ذات اختصاص، أو لا يجب أن تكون، ولا يجوز الاعتقال قبل صدور أمر من المحكمة.
وأما البعد الخاص في مأساة حميدي، فلأن اعتقاله تعبير واضح عن ارتباك النظام السوري وضعف موقفه من قضايا الحريات الصحافية والإعلامية، وتنكّره حتى للصحافيين المقرّبين منه. فقد كان السيد حميدي قريباً من المصادر المطلعة، تزوده بالأخبار التي تنتقيها. ولا يوجد سبب لاعتقاله إلا الصراع الخفي بين هذه المصادر المطلعة! التي سربت الخبر ثم انسحبت إلى الظل، وتركت الضحية – إبراهيم حميدي – لأقداره، يتقاذفه الاعتقال والمحاكمة والإدانة والسجن.
مأساة الصحافي السوري عظيمة، وخصوصاً في عهد قانون المطبوعات الجديد، الذي صدر قبل عام كامل، ولم تتمتع الصحافة السورية بأية حرية، بل وازدادت تعقيداً الدروب والمسالك التي يسير عليها الصحافيون، الذين يتعاملون مع وسائل إعلامية مستقلة تعمل في الخارج غالباً، أما الذين يتعاملون مع وسائل الإعلام الحكومية فهم في وضع لا يُحسدون عليه.
شبح قانون المطبوعات يأبى أن يفارقنا. فهو قانون أُقر في القرن الحادي والعشرين، ولكنه يعود إلى القرون الوسطى، ما عدا – ربما – الإشارة إلى الآلات الحديثة التي لم تكن قد اختُرعت آنذاك. فالقانون يتحكم بكل ما يمكن أن يؤدي إلى صدور الكلمة مطبوعة، حتى لو كان آلة ناسخة (بالتصوير الضوئي). والتطبيق العملي الأحدث كان اعتقال إبراهيم حميدي المتهم بنشر معلومات كاذبة تضر أمن الدولة، ولكن سبقه إلى السجن عدد من الصحفيين في العام الماضي، بينهم الصحفيتان الشقيقتان عزيزة وشيرين سبيني اللتان لا يُعرف عن مصيرهما الكثير، وظل وضعهما غامضاً لفترة من الوقت.
ناهيك عن سحب تراخيص مزاولة مهنة الصحافة، وابتزاز الصحافيين لإعادة تصاريحهم، التي تعني لقمة عيشهم، وحدّث عن هذا ولا حرج. وبذلك تصرّ السلطات السورية على الاستمرار في انتهاك التزاماتها الدولية أولاً، والتزامها بالدستور الذي وضعته ثانياً.
التحرير