سجن تدمر: متى تتحقق العدالة؟ الداخل مفقود .. والخارج مولود
مجزرة سجن تدمر
الوصف القانوني للمجزرة
موقف اللجنة السورية لحقوق الإنسان من المجزرة
أسماء بعض المشاركين في المجزرة من المخططين والمنفذين
اعترافات اثنين من المشاركين في المجزرة
شهادات في سبيل العدالة؟
سجن تدمر: متى تتحقق العدالة؟
الداخل مفقود .. والخارج مولود
“الحياة في تدمر أشبه بالسير في حقل ألغام، فقد يفاجئك الموت في أي لحظة، إما بسبب التعذيب أو وحشية السجانين أو المرض أو الإعدام” (1)
“لقد آن لهذه الجناية التاريخية أن تنكشف فصولها ويُعرف الجناة وما اقترفت أيديهم الملطخة بدم الأبرياء،كما آن الأوان ليعرف الشعب السوري أسماء الضحايا وجريرتهم التي أُخذوا بها على هذا النحو الهمجي الذي لم يُعهد له مثيل في التاريخ الحديث” (2)
في عام 1980 توجه الشاب محمد سليم حمّاد من بلده في الأردن إلى سورية للدراسة في جامعة دمشق، وكأي شاب طموح كان يأمل أن يحوز شهادة علمية تسعد أسرته، وتعود عليه بالفائدة في حياته العملية ..
لم يكن محمد قد أتم العقد الثاني من عمره عندما وجد نفسه محاطاً بأجواء سياسية مشحونة في بلد يشهد موجة احتجاجات مدنية في سبيل الحريات الإنسانية الأساسية. لم للشاب أن خاض تجربة العمل السياسي، كما لم يمارس أي نوع من الأنشطة المناوئة للحكومة السورية كونه غير سوري، غير أن السلطات وجدت علاقة محمد بمحيطه الجامعي، ومعظم أفراده من الطلاب السوريين المناوئين للحكم الشمولي المغلق؛ كافية لاعتقاله وإلقائه في غياهب سجن تدمر الصحراوي 11 عاماً .. دون محاكمة.
ربما كان هذا المعتقل العربي واحداً من القلائل المحظوظين الذين غادروا سجناً يعتبره كل ذي ضمير حي “وصمة عار” في تاريخ سورية الحديث. فقد أُتيحت له الفرصة حين خرج من سورية “إلى غير رجعة” أن يصدر كتاباً عام 1998 عنوانه “تدمر .. شاهد مشهود” يروي فيه محمد سليم حماد تجربته القاسية في السجون السورية، وهي معاناة تلخص ما يواجهه آلاف المعتقلين السوريين والعرب (من لبنان وفلسطين والأردن والعراق وغيرها)، الذين رفضت السلطات السورية الإقرار بوجودهم في معتقلاتها، كما لم تستجب لأي مناشدات للإفراج عنهم، من أجل التخفيف عن أسرهم المنكوبة بفقدانهم منذ سنوات طويلة.
يقول محمد في كتابه الذي يقع في 245 صفحة من القطع المتوسط إن تعرضه للتعذيب العنيف بدأ مع اعتقاله في فرع قيادة المخابرات في منطقة العدوي بدمشق، حيث حل رقم 13 محل اسمه، ونزعت عنه ملابسه، وأمره المحققون أن يجثو على ركبتيه مطأطئ الرأس ليجيب على أسئلتهم وسط ضرب مبرح، وتهديدات بالقضاء عليه.
ويضيف الشاب الذي لم يكن بوسعه الإقرار بما يُطلب وهو منه براء أنه نقل بعد ذلك إلى غرفة مخصصة للتعذيب أسفل قبو مظلم، حيث عُلق بالحبال في سقف الغرفة مجرداً من الثياب، ثم انهال عليه الجلادون بالضرب بأسياخ النار وأسلاك الكهرباء والعصي، واندفعوا إلى استخدام اللسعات الكهربائية في مناطق حساسة من جسمه مهددين إياه بالموت ما لم يعترف بما يطلب منه.
وبعد تلك الجولة من العذاب التي تُعرف بلغة الجلادين “الشبْح”، نُقل محمد إلى تعذيب من نوع آخر يدعى “بساط الريح”، وهو لوح من الخشب يشد المعتقل إليه بواسطة قطع حديدية، ثم يرفع نصفه، فيبدأ الضرب على قدميه بأسلاك معدنية، ووجه أسلوباً آخر يُعرف بـ “الكرسي الألماني”، وهو كرسي ذو أجزاء متحركة يوثق المعتقل إليه من ذراعيه وساقيه ثم يُسحب مسنده الخلفي إلى الوراء، ساحباً بذلك الجذع الأعلى معه، بينما تظل قدماه مثبتتين من الجهة الأخرى، فيتركز الضغط على الصدر والعمود الفقري، ما يؤدي إلى تهتك العمود الفقري، والإصابة بالشلل لاحقاً.
ويروي الشاب الأردني محمد سليم حماد في كتابه أن جولة التعذيب التي تعرض لها أثناء اعتقاله لم تكن سوى مرحلة أولى ضمن طريق مُضنٍ يسلكه المعتقلون السياسيون في سورية. فقد نُقل بعد ذلك إلى فرع التحقيق العسـكري بدمشـق، حيث خـضع لجولات جديدة من التعذيب القاسي الذي يشمل الصعق بالكهرباء، والكي بالنار، والجلد والشبح.
ورغم فظاعة ما يروي محمد في الصفحات الأولى من قصته الشخصية، التي يكاد القارئ يظن أنه لن يقرأ مثلها إلا في عالم الرواية القصصية؛ فإن ما يرويه عن سجن تدمر العسكري يبقى الجزء الأكثر إثارة للقشعريرة. فأدوات التعذيب وأشكاله تتنوع، وطرق الموت عديدة وسهلة السلوك بينما طريق النجاة لا تلوح في أفق الداخلين إلى سجن تدمر الذي يُعد الداخل إليه بمثابة المفقود، كما تصف منظمة العفو الدولية.
أُقيم سجن تدمر العسكري في زمن الاستعمار الفرنسي، لتعذيب المجاهدين ضد الاحتلال الأجنبي. ولكنه ما زال الأسوأ صيتاً بين السجون والمعتقلات السورية، حتى في عهد الاستقلال. ويبدأ التعذيب في سجن تدمر منذ اللحظات الأولى لوصول المعتقل معصوب العينين ، ولا ينتهي في معظم الأحيان إلا بوفاته ، وأحياناً يُفرج عن السجين، لكن الوقائع تشير إلى ندرة هذا الاحتمال.
في كتابه، يعدد المعتقل الأردني محمد سليم حماد أساليب التعذيب في سجن تدمر، مما قاساه بنفسه أو رأى غيره يقاسيه، وأهم أساليب التعذيب هي:
التعليم: لا تمت هذه الكلمة بصلة إلى العلم كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هي تعبير يصف عملية انتقاء أحد من المعتقلين عشوائياً لتناول وجبات قاسية من العذاب حتى يقضي نحبه، فيكون عبرة لغيره من المعتقلين!.
الدولاب: يوضع المعتقل داخل دولاب مطاطي، وترفع قدماه في الهواء، بحيث ينهال عليه الجلادون بالسياط، وبعد ذلك تُربط القدمان بسلسلة من الحديد تمنعهما من التحرك، ويلي ذلك انقضاض على المعتقل بالضرب والركل، إلى أن تسيل الدماء منه.
المراقبة المستمرة: تكتظ المهاجع بالمعتقلين، ويكون المهجع غرفة مستطيلة في زاويتها دورة مياه وحمامان، وفي السقف فتحتان مغطاتان بقضبان حديدية، يراقب من خلالهما عناصر المخابرات والشرطة العسكرية المعتقلين طوال الوقت، ويتعرضون لهم كافة أو ينتقون بعضهم كلما بدأت جولة جديدة من التعذيب.
التفقد: عملية الإحصاء اليومي للمعتقلين، وتصاحبها دوماً عمليات ضرب وسب وجلد، ولا يُسمح للمعتقلين بالنوم إلا على بطانيات بالية، لا تقيهم برد صحراء تدمر القارس.
التنفس: يعمد الجلادون إلى استغلال اللحظات التي يخرج فيها المعتقلون إلى باحة السجن، للانقضاض عليهم ضرباً بالعصي والأسلاك، ويمنعونهم من التحدث إلى بعضهم.
الطعام: الطعام في تدمر جزء من التعذيب!، وهو جزء أساسي في عملية الإساءة للمعتقلين التي تتميز بها المعتقلات السورية، ولا سيما سجن تدمر الصحراوي. وتكون الأطعمة في غالب الأحيان فاسدة، وتسبب الأمراض المعوية للسجناء، وفي بعض الأحيان يؤمر المعتقلون بأكل الذباب والصراصير، وحتى الفئران الميتة تحت التهديد والوعيد.
الحلاقة: يؤمر المعتقل بالجثو أمام الحلاق، الذي هو أحد جلادي السجن، ويستخدم هذا “الحلاق” شفرة جارحة مع الضرب والشتم، وغالباً يصيب الحلاق المعتقل بجروح غائرة في الرأس والوجه والرقبة.
الحمّام: حتى الحمام في تدمر يأتي في سياق التعذيب. إذ يُخرج المعتقلون إلى باحة السجن، وينهال عليهم الجلادون بالضرب والجلد، وهم يسوقونهم في صفوف إلى مقصورات، ويفرقونهم في مجموعات تضم كل واحدة نحو ستة معتقلين، يُوضعون تحت رشاش يطلق ماءً بارداً، وهم ينزعون عنهم ملابسهم.
ويصف “محمد” في كتابه الأجواء الرعيبة التي تخيم على معتقل تدمر ، وعملية الإعدام المتواصلة للسجناء السياسيين ، إلى جانب وفاة عدد منهم نتيجة إصابتهم بأمراض خطيرة ، لم تتح السلطات لهم فرصة الحصول على العلاج في المشفى ، والمحاكمات الصورية التي يقوم بها ضباط الأمن والمخابرات ، حيث تصدر أحكام عشوائية تتصف بالقسوة استناداً إلى اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب ، ورغم هذه الصورة المقيتة ، فقد أرغم الجلاوزة السجناء وغالبيتهم من طلبة الجامعات على التصويت بـ “نعم” خلال حملة إعادة انتخاب الرئيس حافظ الأسد لولاية جديدة في الحكم عام 1991 ، ويقول “محمد” إن الجلادين أجبروا المعتقلين على كتابة كلمة “نعم” بدمهم إمعاناً في القسوة.
الترهيب: يسوق محمد سليم حماد في كتابه “الوثيقة” مشاهدات عدد من المعتقلين أثناء مجزرة سجن تدمر الشهيرة في 27 حزيران 1980، عندما ارتكبت سرايا الدفاع بقيادة شقيق الرئيس “العقيد رفعت الأسد” جريمة قتل نحو 1000 معتقل ودفنهم في مقابر جماعية شرق بلدة تدمر.
وفي مناسبات تنفيذ ما يُسمى “أحكام” الإعدام الصادرة عن محكمة أمنية لا تتوفر فيها أدنى المعايير القانونية، يُنفذ الإعدام جماعياً. إذ تُنصب أعواد المشانق في ساحة السجن الداخلية، ويُنادى على المحكوم عليهم بالإعدام في مشهد يُتاح لكثير من المعتقلين رؤيته إمعاناً في الترهيب. وتندر نجاة محكوم بالإعدام من هذا المصير، وإن كان محمد سليم حماد واحداً من أولئك القلائل في تاريخ “تدمر”.
مجزرة سجن تدمر
مقدمة
تبقى النقطة الأكثر سواداً في تاريخ سجن تدمر العسكري مجزرة وقعت في عهد الاستقلال، وتحديداً قبل واحد وعشرين عاماً.
لقد ذهب ضحية المجزرة التي حملت اسم السجن ثلة مختارة من أبناء الشعب السوري، من ساسة وأدباء وعلماء وشعراء ومفكرين وأطباء ومهندسين وعمال وفلاحين وأطفال وشيوخ، اعتُقلوا لأسباب سياسية.
ومنذ واحد وعشرين عاماً لم يرشح عن تفاصيل هذه المجزرة الرهيبة إلا خطوطها العريضة وأسماء الآمرين وبعض المنفذين، أما أسماء الضحايا فما زالت مطوية في سجلات القتلة – إن كان ثمة سجلات لديهم – رغم تباعد الزمان.
وبعدما حاولت السلطات السورية أن تسدل ستاراً من الكتمان الكثيف على مجزرة سجن تدمر المروعة، رغم تسرب أخبار قليلة عنها، فسرعان ما انكشف الستار عندما اعتقل جهاز الأمن الأردني مجموعة من العناصر المسلحة الذين أرسلتهم السلطات السورية لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران، وتبين أثناء التحقيق معهم أن عنصرين منهم شاركا في مجزرة سجن تدمر، وأدليا بتفاصيل المذبحة في اعترافين تابعهما الشعب السوري والعالم عبر التلفزيون الأردني، ونشرتهما صحف الأردن وضُمت إلى الوثائق الأردنية الرسمية.
وكان الرئيس السوري السابق حافظ الأسد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة يوم السادس والعشرين من شهر تموز 1980 على يد أحد عناصر حرسه الجمهوري الخاص، فحملت السلطات المسئولية مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة. وبأمر صريح من رفعت الأسد شقيق حافظ وقائد سرايا الدفاع جرى رد فعل انتقامي استهدف نزلاء سجن تدمر، الذين اعتقلتهم السلطات الأمنية في سورية من كل المدن والمناطق السورية، وأحالتهم إلى سجن تدمر الصحراوي في بادية الشام شرق البلاد.
كان معظم السجناء من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومن أنصار التيار الإسلامي الذي أبدى معارضته للسياسة القمعية والدكتاتورية لنظام الحكم في سورية. وفي فجر اليوم التالي السابع والعشرين من شهر تموز 1980 انتقل حوالي 200 عنصر من اللواء 40 واللواء 138 من مرتبات سرايا الدفاع التابعة مباشرة لرفعت الأسد بالطائرات المروحية من مناطق تمركزهم قرب دمشق إلى تدمر، حيث فتحوا النار على السجناء، وهم في زنزاناتهم غير مدركين لما يُدبر لهم، ورموهم بالقنابل والمتفجرات حتى ماتوا عن آخرهم خلال نصف ساعة من الزمن. ثم نقلت شاحنات كبيرة جثثهم، ورمتها في حفر تحولت إلى مقابر جماعية في وادٍ شرق بلدة تدمر. وقد عاد العناصر المنفذون إلى قواعدهم في دمشق، واستقبلهم الرائد معين ناصيف صهر رفعت الأسد وهنأهم على إبادة الأبرياء، ووزع على كل واحد منهم مكافأة مالية!.
اطلع العالم على تفاصيل المجزرة الرهيبة، وكتبت منظمات حقوق الإنسان عنها مستنكرة أن يقترف نظام حكم مثلها بحق مواطنين مدنيين عزل اعتُقلوا لانتمائهم إلى معارضة سياسية أو بسبب آرائهم، بل كان بعضهم رهائن عن أقربائهم، ولم يُدانوا بجريمة.
واطلعت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، التي انعقدت في جنيف في دورتها السابعة والثلاثين على وقائع مجزرة تدمر، خلال مناقشتها البند 13 من جدول الأعمال الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، ووزعت على اللجنة الوثيقة رقم (E/CN/4/1469) تاريخ 4/3/1981 التي تضم إفادات اثنين من المشاركين في مجزرة تدمر، وهما عيسى إبراهيم الفياض وأكرم بيشاني. وناقشت اللجنة في جلستها رقم 1632 تاريخ 9/3/1981 مضمون المذكرة، وشارك في النقاش مندوبو الأردن والعراق وسورية.
الوصف القانوني للمجزرة3
تتعدى وقائع مجزرة سجن تدمر، كما وردت في إفادات بعض من شارك في تنفيذها، حدود جرائم القتل العمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، إذ يُعد الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائياً عن هذه المجزرة.
وتثير هذه المجزرة مسألة قانونية دولية هامة، هي التكييف القانوني الدولي لتلك المجزرة، والمسؤولية الجزائية الدولية لمرتكبيها.
و بتشخيص الوقائع كما وردت في إفادات المشاركين في المجزرة يتبين التالي:
1- أن الأمر بارتكاب المجزرة صدر عن رفعت الأسد، بناء على توجيه من حافظ الأسد، ووضعت التفاصيل التنفيذية بواسطة الرائد معين ناصيف، بينما أشرف على التنفيذ المقدم سليمان مصطفى، وشارك في تنفيذ الجريمة 80 عنصراً من سرايا الدفاع.
2- أن الغاية من المجزرة هي الإبادة الجماعية للمعتقلين السياسيين في سجن تدمر يوم 27/6/1980.
3- أن المعتقلين الذين كانوا ضحية الإبادة الجماعية، يختلفون عن الآمرين والمنفذين للمجزرة من ناحيتين:
الأولى: سياسية، باعتبارهم من الفئات المعارضة لنظام الحكم في سورية.
الثانيـة: مذهبية وطائفية، كون المعتقلين لا ينتمون إلى المذهـب الطائفي الذي يدين به جميع الآمرين والمنفذين للمجزرة، وهذا ما أكد عليه المشاركون في المجزرة الذين أدلوا بشهاداتهم من التلفزيون الأردني بتاريخ 25/2/1981.
وعلى ضوء هذه الوقائع، نشير إلى النقاط القانونية والدولية التالية:
1- يعد حق الحياة جوهر حقوق الإنسان الأساسية، وليس خرق هذا الحق انتهاكاً خطيراً وفاضحاً لحقوق الإنسان فحسب، وإنما جريمة يعاقب عليها.
2- إن انتهاك حق الإنسان في الحياة، عندما يتخذ شكل سياسة منهجية من الدولة، وبأمر من المسئولين فيها، بغية إبادة أو إفناء مجموعة من المواطنين، لبواعث سياسية، أو طائفية، أو كلتيهما معاً، يعبر في هذه الحالة عن شكل من أشكال جريمة إبادة الجنس البشري الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول 1948.
3- لقد استقر الاجتهاد الدولي من خلال تقنين قواعد المسئولية الدولية على أن الخرق الخطير على نطاق واسع لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية للمحافظة على الكائن الإنساني كتلك الالتزامات التي تحظر الاستعباد أو الإبادة الجماعية أو التمييز العنصري، يشكل جريمة دولية (الفقرة جـ من المادة 18 من مشروع لجنة الصياغة المعتمدة من قبل لجنة القانون الدولي في عام 1976 في جلستيها رقم 1402 و 1403).
4- ويبدو من مناقشات لجنة القانون الدولي أن تعبير (على نطاق واسع) لا يقصد منه أن ركن الجريمة الدولية متوقف على عدد الأشخاص، وإنما على إرادة الدولة، بانتهاج سياسة مخالفة للكرامة الإنسانية. كما أن تعبير (الكائن الإنساني) لا يعني المحافظة على حياة الإنسان فقط، وإنما الحفاظ على كرامة الشخص الإنساني أيضاً.
وبناء على ما تقدم ومن وقائع مجزرة سجن تدمر، ومقارنتها بالنقاط القانونية المشار إليها، يمكن تكييف مجزرة سجن تدمر، فضلاً عن كونها تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان في العالم أجمع، وجناية قتل عمد في التشريع الداخلي السوري، فإنها على ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان، تعد جريمة دولية لا تتقادم.
وهذا التكييف الدولي يظهر سواء في الاتفاقية الدولية لمنع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري، أو قواعد المسئولية الدولية.
أولاً: جريمة مجزرة تدمر وفقاً لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري:
تنص المادة الثانية من هذه الاتفاقية – التي انضمت إليها سورية – على أنه يقصد بإبادة الجنس البشري أي فعل من الأفعال التالية التي ترتكب بقصد القضاء – جزئياً أو كلياً – على جماعة بشرية، بالنظر إلى صفتها القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية:
1- قتل أعضاء المجموعة.
2- الاعتداء الجسيم على أفراد هذه الجماعة جسمانياً أو نفسياً.
كما تقضي المادة الثالثة بالمعاقبة على أفعال إبادة الجنس البشري، والاتفاق بقصد ارتكاب هذه الجريمة، والتحريض عليها، والشروع في ارتكابها، والاشتراك فيها.
كما نصت المادة الرابعة على معاقبة كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس، أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة، سواء أكان الجاني من الحكام أو الموظفين أو الأفراد.
وتثير مطابقة وقائع مجزرة سجن تدمر مع الاتفاقية المذكورة ثلاث نقاط تجب مناقشتها:
أ- ما المقصود بالقضاء الجزئي على المجموعة البشرية؟ وهل هناك حد لعدد الأشخاص؟
تشير الأعمال التحضيرية للمادة الثانية من الاتفاقية إلى أن تعبير (القضاء جزئياً وكلياً) كان قد اقترح خلال صياغة الاتفاقية في اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بغية التأكيد على أن جريمة إبادة الجنس البشري تتوافر أركانها بمجرد نية القضاء على أي نفر من المجموعة البشرية مهما صغر عدده. (تراجع الفقرة 50 من الدراسة المعنونة “مسألة معاقبة جريمة إبادة الجنس البشري E/CN/4 Sub/2/416 المقدمة من المقرر الخاص “نيكودوم راونشيشو” لدى اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، بتاريخ 4/7/1978) أي أن شروط الاتفاقية لم تشترط أي حد عددي للأشخاص المنتمين إلى المجموعة البشرية ضحية الجريمة.
وإذا علمنا أن عدد المغدورين في سجن تدمر يزيد على 700 معتقل (ذكرت مصادر مطلعة أن العدد يصل إلى 1183) وهم يشكلون جميع المعتقلين في السجن ومن مختلف المذاهب السياسية والمذهبية التي تختلف عن تلك التي يدين بها الآمرون والمنفذون للمجزرة، آخذين مع العلم أن مجزرة سجن تدمر ليست سوى حلقة في سلسلة مجازر ارتكبتها السلطات السورية، لنفس الغاية، جزمنا بأن هذه الأعمال تستهدف القضاء على المجموعة التي تنتمي إليها ضحايا هذه المجازر، مهما كانت درجات هذه الإبادة.
ب- ما المقصود بالمجموعة الدينية؟ وهل تشمل المذاهب ضمن الدين الواحد؟
من المتفق عليه في جميع النصوص الدولية التي تعالج التمييز المبني على الدين، أن المقصود بالدين، ليس فقط الأديان بمفهومها الحصري، وإنما تنصرف إلى المعتقدات والمذاهب ضمن الدين الواحد أيضاً (على سبيل المثال، مشروع إعلان إزالة التعصب المبني
على التمييز الديني المعتمد من لجنة حقوق الإنسان في دورتها السابعة والثلاثين آذار 1981).
وإن شعوب أوروبا عانت من هذا التمييز كثيراً، كالتفرقة بين الكاثوليك والبروتستانت وغيرهما من المذاهب. لذلك بات مجمعاً عليه، بأنه حيثما وردت كلمة دين أو مجموعة دينية، فإنها تشمل كل طائفة ومذهب يتفق أفراده على مثل روحية معينة (راجع الفقرتين 77 و 78 من الدراسة المشار إليها آنفاً).
وإذا كانت السوابق التاريخية في جرائم إبادة الجنس البشري قد تركزت على الأقليات الدينية أو المذهبية، فإن الوضع في سورية -خلافاً للقاعدة – ليس إلا سيطرة أقلية مهيمنة على السلطة، ونخص بالذكر السلطة الفعلية التي تمسك بزمام الأمور في البلاد.
وقد مارس متنفذون من هذه الأقلية خلال عشر سنوات – قبل مجزرة سجن تدمر – تمييزاً طائفياً ضد كل من لا ينتمي إلى المذهب الذي تدين به هذه الأقلية(4)، إلى أن وصل الأمر إلى حد المباشرة بأعمال الإبادة الجماعية في كل من حلب وحماة وجسر الشغور وسرمدا وتدمر وغيرها.
لذلك فإن المادة الثانية من الاتفاقية حول المجموعة الدينية تنطبق على المذاهب والمعتقدات داخل الدين الواحد، ولا تقتصر ضحايا جريمة إبادة الجنس على الأقلية الدينية فقط، وإنما قد توجد أقلية مهيمنة على السلطة، وتمارس أعمال الإبادة الجماعية بحق الأكثرية، كما هو حال الفئة الحاكمة فعلياً في سورية.
ج- ما مظاهر النية الجرمية في جريمة إبادة الجنس البشري؟
إن نص المادة الثانية من الاتفاقية (يقصد بإبادة الجنس البشري أي فعل من الأفعال التي يقصد جزئياً أو كلياً على جماعة ..) يربط بين النية الجرمية والقصد الجنائي، وتعتبر النية الجرمية متحققة بمجرد ظهور القصد أي إبادة مجموعة بشرية محددة، وهذا ما يميز جريمة (إبادة الجنس البشري) عن غيرها من جرائم القتل العادية (راجع الفقرتين 96 – 106 من الدراسة المشار إليها في البند 1).
وبناء على ذلك، وإذا ربطنا وقائع مجزرة تدمر بما سبقها وما تلاها، نرى بوضوح، تحقق النية والقصد الجرميين في تصرفات وتصريحات المسئولين في سورية.
وعلى سبيل المثال:
1- تزايد المجازر الجماعية في كثير من المحافظات السورية، وضد المواطنين الذين لا ينتمون إلى المذهب الذي تدين به السلطة الحاكمة فعلياً في سورية، والتي تمارس هذه المجازر فعلاً عبر قنوات مختارة من نفس الفئة. وهذه المجازر هي:
أ- مجزرة جسر الشغور بتاريخ 10/3/1980
ب- مجزرة سجن تدمر 27/6/1980
ج- مجزرة سوق الأحد بحلب بتاريخ 13/7/1980
د- مجزرة سرمدا بتاريخ 25/7/1980
هـ- مجزرة هنانو بحلب بتاريخ 11/8/1980
و- مجازر عدة بحماة وبتواريخ مختلفة كان آخرها مجزرة حماة المشهورة التي بدأت بتاريخ 2/2/1982
ز- مجزرة ساحة العباسيين في دمشق بتاريخ 18/8/1980
2- كتب رفعت أسد مقالاً في جريدة “تشرين” الرسمية بتاريخ 31/7/1980 قال فيه (نشن مائة حرب حتى نقضي عليهم، وإننا نعرف أماكنهم في سورية داخلياً وعربياً ودولياً).
3- ذكرت جريدة “تشرين” الصادرة في 29/8/1980 أن أي جندي أو مواطن سوري يقتل أحد عناصر (الإخوان المسلمين) سيحصل على مكافأة. وهذه الدعوة، فضلاً عن أنها تحريض على القتل، وإثارة للفتنة الطائفية؛ تدخل في منطوق الفقرة الثالثة التي تعاقب على التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جرائم إبادة الجنس. هذا إذا علمنا أن التنفيذ العملي لهذا التحريض لن يقتصر على الإخوان المسلمين، وإنما سيشمل كل معارض لنظام الحكم.
4- أما القانون 49 لعام 1980 (أقر في 6/7/1980) الذي يقضي بإعدام كل منتسب للإخوان المسلمين، فيمثل في المقام الأول تثبيت قانونية جرائم إبادة الجنس التي تمارسها السلطات السورية، وفي المقام الآخر كان يُراد منه أن يمثل غطاء قانونياً لعملية الإبادة في سجن تدمر التي جرت قبل استصدار هذا القانون، إذ نصت المادة الخامسة منه على أنه (لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف والمحاكمة) رغم مخالفتها المادة 30 من الدستور السوري النافذ لعام 1973 التي تنص على أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يمكن أن يكون لها أثر رجعي.
إن جميع ما تقدم يثبت القصد الجرمي الطائفي من أعمال السلطات السورية، ويمكن أن نخلص إلى القول: إن عناصر جرم إبادة الجنس البشري متوفرة جميعها في المجازر التي ترتكبها عناصر سرايا الدفاع والوحدات الخاصة وغيرهما بأمر وتوجيه من المسئولين السياسيين.
وبالتالي فجميع الآمرين والمنفذين يعدون مجرمين دوليين عملاً بالمادتين الأولى والرابعة من الاتفاقية.
ثانياً: مجزرة تدمر جريمة دولية:
وفقاً لقواعد المسئولية الدولية يعد الاجتهاد الدولي الخرق الخطير لأي التزام دولي ذي أهمية جوهرية للمحافظة على الكائن الإنساني جريمة دولية (الفقرة جـ من المادة 18 من مشروع لجنة صياغة قواعد المسؤولية الدولية).
بعد هذا العرض لسياسة المجازر الجماعية والإبادة التي مارستها السلطة السورية ضد الفئات المعارضة، آخذين بعين الاعتبار التمييز الطائفي المرافق لهذه السياسة، من واجبنا التساؤل عما إذا كان المجتمع الدولي المعاصر قد صادف خرقاً خطيراً للالتزام بالمحافظة على الكائن الإنساني، أخطر من هذا الخرق المستمر والمنهجي.
وإذا كانت قواعد المسئولية الدولية لم تنته صياغتها بعد من لجنة القانون الدولي، فإن ذلك لا يعني عدم اعتبار هذه المجزرة بحكم الجريمة الدولية، لأن القواعد التي تصوغها لجنة القانون الدولي، لن تخلق هذه المسؤولية، وإنما ستعلنها، لأن هذه القواعد مستمدة من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي، فإن هذه القواعد ذات صفة إعلانية، وليست إنشائية.
إن مجزرة تدمر، وسلسلة المجازر التي ارتكبتها السلطات السورية بحق الشعب السوري، تدخل في هذا النطاق الجرمي الدولي، ولا تخضع الجرائم التي ارتكبها المسئولون للتقادم الجنائي، عملاً بالاتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة في 16/1/1968.
إذ جاء في المادة الثالثة من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري نص على معاقبة مرتكبي الأفعال التالية:
1- إبادة الجنس
2- الاتفاق بقصد إبادة الجنس
3- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة إبادة الجنس
4- الشروع في ارتكاب جريمة إبادة الجنس
5- الاشتراك في جريمة إبادة الجنس
ونصت المادة الرابعة من الاتفاقية نفسها على معاقبة كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة، سواء أكانت من الحكام أو الموظفين أو من الأفراد.
وتوثيقاً لهذه الجريمة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، يجب العودة إلى النص الحرفي لاعترافات المشاركين في مجزرة تدمر كما وردت في التحقيقات التي نشرت في الوثائق الأردنية في 25 شباط 1981.
موقف اللجنة السورية لحقوق الإنسان من المجزرة
أ- تطالب اللجنة السورية لحقوق السلطات السورية بما يلي:
1- الإعلان عن أسماء ضحايا هذه المجزرة الفظيعة
2- الإعلان عن مكان دفن جثث الضحايا
3- إعلان أسماء كل المسؤولين عن هذه المجزرة والمتورطين فيها
4- تقديم كل مسئول وكل متورط في هذه المجزرة الفظيعة إلى قضاء مستقل ليفصل في شأنهم
5- السماح لمندوبين عن منظمات حقوق الإنسان وهيئات المجتمع العالمي بحضور وقائع محاكمة المسئولين والمتورطين في هذه المجزرة
6- تعويض أسر الضحايا مادياً ومعنوياً وأدبياً عن كل الخسائر التي لحقت بهم
7- الاعتذار إلى أسر الضحايا لكتمان مصير أحبائهم الذي نتج عنه آثار أسرية واجتماعية مدمرة
8- الاعتذار إلى الشعب السوري عن هذه المجزرة الفظيعة غير المسوغة
ب- تتوجه اللجنة السورية لحقوق الإنسان إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وإلى كل المنظمات الإنسانية والحقوقية لممارسة الضغط الأدبي والمعنوي على السلطات السورية حتى تستجيب للمطالب العادلة بإزاحة الستار عن هذه المجزرة التي طال الصمت عليها.
ج- وحتى تفي السلطات السورية بالطلبات المذكورة أعلاه؛ تناشد اللجنة السورية لحقوق الإنسان المنظمات الإنسانية والحقوقية ومنظمات المجتمع العالمي بمتابعة المسئولين عن هذه المجزرة، الذين لا يقعون حالياً تحت سلطة القضاء السوري، وتقديمهم للمحاكمة بجريمة إبادة الجنس البشري.
أسماء بعض المشاركين في المجزرة من المخططين والمنفذين
1- العقيد رفعت الأسد – قائد سرايا الدفاع – القرداحة/ محافظة اللاذقية
2- المقدم علي ديب – قائد اللواء 138 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
3- الرائد معين ناصيف – قائد اللواء 40 من سرايا الدفاع
4- المقدم سليمان مصطفى – قائد أركان اللواء 138 من سرايا الدفاع- محافظة اللاذقية
5- الملازم الأول ياسر باكير – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حماة
6- الملازم منير درويش – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
7- الملازم رئيف عبد الله – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
8- الرقيب محمد عمار – من حراسة منزل معين ناصيف – محافظة اللاذقية
9- الرقيب علي موسى – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
10- الرقيب همام أحمد – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – جبلة
11- الرقيب نزيه بلول – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
12- الرقيب طلال محيي الدين أحمد – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
13- الرقيب عيسى إبراهيم فياض – من حراسة منزل معين ناصيف – محافظة اللاذقية
14- العريف أكرم بيشاني – من حراسة منزل معين ناصيف – محافظة طرطوس
15- العريف إبراهيم يونس – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
16- العريف إبراهيم مكنا – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – منطقة جبلة
17- العريف طاهر زبادي – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
18- العريف علي صالحة – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – منطقة مصياف
9- العريف عبد الرحمن هدلان – من اللواء 40 من سرايا الدفاع
20- العريف ناصر عبد اللطيف – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة طرطوس
21- العريف غسان شحادة – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة اللاذقية
22- الرقيب بدر منصور من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
23- العريف حسين عيسى – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
24- العريف بشير قلو – من اللواء 40 من سرايا الدفاع – محافظة حمص
25- المقدم فيصل غانم – مدير سجن تدمر أثناء المجزرة.
اعترافات اثنين من المشاركين في المجزرة(5)
إفادة الشاهد الأول: أكرم بيشاني
س: ممكن تقدم نفسك؟
ج: أنا أكرم على جميل بيشاني من محافظة طرطوس، قرية يحمور مواليد سنة 1960، أعزب، شهادتي الصف السادس الابتدائي، علوي، اسم والدي علي جميل البيشاني، علوي، اسم أمي حليمة يعقوب، والاثنان حالياً يقيمان في قرية يحمور.
س: إيش عملك يا أكرم؟
ج: حالياً عريف في سرايا الدفاع.
س: شو خدمتك العسكرية؟
ج: في 23/3/1979 التحقت بصفوف سرايا الدفاع ونقلت إلى معسكر التدريب وهو معسكر القابون في دمشق، وهناك التحقنا بدورتين الأولى هي دورة اللغة والثانية دورة الصاعقة ومن بعدها نقلت إلى كتيبة مدفعية رقمها 149 تابعة للواء 40 سرايا الدفاع بالضبط هي في شهر 5 سنة 1980 نقلت ضمن مجموعة الحراسة، لمفرزة حراسة بيت الرائد معين ناصيف والمجموعة هذه حوالي 25 عنصراً.
س: إيش مركز الرائد معين ناصيف؟
ج: قائد، هوه معين ناصيف قائد اللواء 40 من سرايا الدفاع، علوي، من قضاء اللاذقية، وتزوج ابنة العقيد رفعت الأسد (تماضر الأسد)، العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع.
س: إيش المهمات التي كلفت للقيام بها أثناء خدمتك في سرايا الدفاع؟
ج: كلفت بمهمتين المهمة الأولى هي مهاجمة سجن تدمر والمهمة الثانية في داخل الأردن.
س: إيش المهمة الأولى؟
ج: المهمة الأولي هي مهاجمة سجن تدمر حيث أنه بعد محاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد في الشهر السادس السنة الماضية أيقظونا في اليوم التالي، حثونا من المهجع حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا وقالوا لنا اجتماع بالسينما في قاعة السينما الموجودة في اللواء بما فيه السلاح الميداني الكامل وطلعنا ووصلنا إلى السينما، وأخذت المجموعات تتوافد إلى القائد بالسينما، وكان عدد المجموعة الموجودة من اللواء 40 حوالي 100 عنصر مع ثلاثة ضباط، بعد ذلك حضر قائد اللواء اجتمع بنا وألقى كلمة. بعد الكلمة قال إن الإخوان المسلمين قتلوا ضباط، قتلوا المشايخ، قتلوا الأطباء، وفي النهاية حاولوا اغتيال الرئيس حافظ الأسد والآن سنكلفكم بأول مهمة قتالية. وطلعنا بعدين من اللواء 40 بسيارات أوصلتنا مطار المزة، وكان موجود هناك في المطار مجموعة من اللواء 132 يقدر عددها بحوالي 100 عنصر واللواء 132 قائده المقدم علي ذيب علوي قضـاء اللاذقية، وهناك كان موجـود 9 طائرات هليكوبتر، جمعونا على شكل مجموعات وكل مجموعة تسلمها ضابط، وطلعونا علي الطائرات الموجودة هناك وكل طائرة تسع لحوالي 24 عنصراً، وطلعنا من مطار المزة كان قائد العملية هناك يعني اللي هو قائد أركانه للمقدم علي ذيب، علوي من قضاء اللاذقية بس ما بعرف شو اسمه أقلعنا إلى مطار تدمر هناك يعني أقلعنا في حوالي الساعة الخامسة ووصلنا هناك حوالي الساعة السادسة أو السادسة وعشر دقائق فجمعونا هناك وطلب قائد العملية اجتماعاً للضباط، جمع الضباط وقال لهم أعطوا العناصر استراحة حوالي ثلاثة أرباع الساعة وبعد الاستراحة ثلاثة أرباع الساعة قسمونا على شكل مجموعات فاللواء 40 كان على شكل ثلاث مجموعات، وكل مجموعة استلمها ضابط وأخذوا ينتقون العناصر اللي بدها تدخل إلى سجن تدمر بشكل عشوائي مثلا واحد بيعرف اسمه بقله فلان إنت تعال أو ما بيعرف اسمه يؤشر له بإيده إنت تعال انتقوا حوالي 80 عنصراً،كذلك انتقوا حوالي 20 عنصراً لحماية الطائرات والباقي خلوهم على شكل احتياط في المطار، بعدين توجهت العناصر التي انتقوها ويقدرون حوالي 80 عنصراً وهم الذين سينفذون العملية داخل السجن، توجهوا على شكل مجموعات بسيارة نقلتهم إلى داخل السجن وبعد ثلاثة أرباع الساعة من دخولهم إلي باب السجن الخارجي بدأنا نسمع صوت إطلاق نار ودوي انفجار قنابل ويقدر عدد القنابل حوالي 7 قنابل تفجرت هناك، ودام إطلاق النار حوالي ثلاثة أرباع الساعة وبعد أن طلعت العناصر مثلما دخلوا، طلعوا علي شكل مجموعات.
س: إنت كنت مع أي مجموعة؟
ج: أنا كنت مع مجموعة الاحتياط التي ظلت هناك في المطار، وبعدما طلع العناصر من السجن كان فيه بعض الناس ملطخين ثيابهم بالدماء. بعرف أسماء الذين تلطخت ثيابهم بالدماء هوه الملازم الرئيس عبد الله، الملازم منير درويش، الرقيب على محمد موسى، وطلعنا كل واحد على الطائرة.
س: من اللواء 40 وإلا؟
ج: لا .. من اللواء 40 هؤلاء، بعدين طلعنا على الطائرات مثل ما إجينا ورجعنا إلى مطار المزة وصلنا مطار المزة حوالي الساعة 12 الظهر، وكان مصاب معنا واحد والشي اللي خلاني أعرف أنه مصاب معنا واحد هو أن الملازم أول ياسر باكير من اللواء 40 قال موجهاً كلامه إلى كافة العناصر إن قائد اللواء يريد يجتمع بنا الآن في السينما إذا سأل من الإنسان الذي أصيب قولوا له إنها طلقة مرتدة، ضربت في الحائط ورجعت عليه بعدين انصاب قلنا له ماشي الحال وطلعنا بالسيارات واتجهنا تجاه اللواء 40 اجتمعنا في السينما.
س: جميعكم اتجهتوا مع بعض إنتوا وأفراد اللواء 138 وإلا 40 لوحده؟
ج: اللواء 40 لوحده وأولئك ذهبوا لمعسكرهم عاللواء 40 أعني الناس اللي اشتركوا من اللواء 40 اجتمعوا وأجا قائد اللواء وألقي فيهم كلمة شكر.
س: اللي هو الرائد معين ناصيف.
ج: الرائد معين ناصيف ألقى فيهم كلمة شكر أذكر منها انه إنتوا قمتوا الآن بعمل بطولة، بعمل رجولة، مع العلم إن أول مرة بنكلفكوا بهيك مهمة، بعدين طلعنا من قاعة السينما وأخذ يعني كل إنسان يتحدث مع زميله فالتقيت أنا مع أحد الزملاء هناك وهو الرقيب على محمد موسى من مفرزة حراسة الرائد معين ناصيف وسألته لأنه هو من الجماعة الذين دخلوا على السجن نفسه إنه كيف هناك تمت العملية قال لي انه قسمونا على شكل مجموعات كل مجموعة تسلمها ضابط يعني – حسب ما قال لي – كانوا يفوتوا إلى الغرفة اللي فيها السجناء يفتحوا الباب يطخوهم مباشرة بدون سؤال بدون أي كلام، فقلت له طيب هذولاك ما كانوا يستنجدوا قال كانوا يستنجدوا وكانوا يقولوا الله أكبر، وكانوا يقولوا لنا مشان الله، مشان محمد، مشان أمك، مشان أختك، مشان .. ما تقتلنا، قال لي إنه ما كانوا يستمعوا لها الحكي هذا نهائيا وطخوهم بعدين طلعوا قلت له قديش تقدر عدد القتلى قال لي عدد القتلى يطلعوا 500 أو 600 قتيل من السجناء هؤلاء الذين في السجن. وفي اليوم التالي وزعوا لكل الناس الذين اشتركوا لكل الزملاء الذين اشتركوا في المهمة كل واحد 200 ليرة سوري.
س: مين تعرف من اللي اشتركوا بهالعملية؟
ج: بعرف العريف ناصر عبد اللطيف من طرطوس أو اللاذقية ما بعرف بالضبط علوي، بعرف العريف غسان شحادة من قضاء اللاذقية علوي، بعرف الرقيب علي محمد موسى من قضاء حمص اللاذقية، بعرف العريف طاهر زيادي من قضاء اللاذقية، علوي، والرقيب طلال محيي الدين أحمد من اللاذقية، علوي، والرقيب نزيه بلول علوي من قضاء حمص، والعريف حسين عيسي علوي من قضاء حمص، و الرقيب همام أحمد من قضاء اللاذقية علوي، هؤلاء هم الناس اللي بعرفهم من الذين اشتركوا.
س: مين بتعرف من الضباط اللي اشتركوا فيها؟
ج: الضباط اللي اشتركوا فيها هم الملازم الرئيس عبد الله من كتيبة المشاة تابعة للواء 40 سرايا الدفاع من قضاء اللاذقية علوي، والملازم منير درويش كمان من