اللجنة السورية لحقوق الإنسان

  • الرئيسية
  • أخبار
  • ملتيميديا
    • الصور
    • الفيديو
  • المكتبة
    • كتب
    • وثائق
    • مقالات ودراسات
  • إصدار اللجنة
    • تقارير يومية
    • التقرير السنوي
    • تقارير خاصة
    • أخبار وبيانات
  • عن اللجنة
    • من نحن
    • اتصل بنا
  • بيانات أخرى
    • بيانات سورية
    • تقارير وبيانات دولية
  • ملفات خاصة
    • الاعتقال السياسي
    • مجزرة حماه 1982
    • مجزرة سجن تدمر 1980
    • معتقلو الرأي
    • محكمة أمن الدولة
    • القانون 49 لعام 1980
  • قوائم المفقودين
  • English
You are here: Home / مقالات ودراسات / مهندس سوري يروي تجربة اعتقاله في تدمر: أطباء معتقلون أجروا عملية زائدة دودية في المهجع

مهندس سوري يروي تجربة اعتقاله في تدمر: أطباء معتقلون أجروا عملية زائدة دودية في المهجع

8-كانون ثاني-2004

تنشر “العدالة” هذه الشهادة دون توقيع صاحبها مراعاة لظروفه الخاصة

 

عرّفني أحد الأصدقاء على الدكتور رامز طباع في مهجرنا العربي الذي اخترناه رغماً عنا لأن وطننا ضاق صدره بنا. كان لقائي مع الدكتور الطباع عفوياً وحدثته فيه عن معاناتي أنا وآلاف غيري في سجن تدمر الذي لم يكن يتصور عقل آدمي أنه موجود على هذه الكرة الأرضية.

 

أصر عليّ الدكتور رامز أن أكتب فقلت له أنا لا أجيد فن الكتابة، لكنه أصر وحدثني عن عامل الصدق والحرارة في كتابة المذكرات وهي ما تتوفر في كلماتي.

 

وعدته خيراً وبدأت بكتابة جانب من مذكراتي في سجن تدمر، فوجدت أنها تتقاطع مع شهادات أخرى كتبها غيري، بل وكانوا أقدر مني في فن التصوير ونقل الحالة كما شعروا بها، فاستشرت الدكتور رامز الذي أصرّ على أن أكتب دون أن أضع شيئاً في اعتباراتي .. فبدأت ولم أنتهِ حتى هذه اللحظة. وطلبت منه أن ينشر شهادتي المختصرة هذه في مجلة “العدالة” على أن أستكملها وأتوسع فيها في فترة لاحقة وكان هذا الوعد بيننا.

 

مناضل شبيبي

 

لم أتخيل في يوم من الأيام أن أكون سجيناً سياسياً، ولم يخطر في بالي مجرد خاطر أنني سأكون حبيس أشد معتقلات العالم قسوة، دون أي سبب مقنع. فأنا حتى هذه اللحظة ومنذ خروجي من المعتقل قبل نحو عشر سنوات لم استطع أن أجد سببا واحدا مقنعا يجعلني أمضي زهرة شبابي في مهجع بين أعدائي الطبقين والأيديولوجيين (الإخوان المسلمون) الذين حاربتهم في الجامعة وكنت قائداً لإحدى الكتائب البعثية المسلحة التي كانت مهمتها قتالهم قتال شوارع؟!!

 

أنتمي لأسرة فلاحية نصف بدوية من منطقة الفرات، ومنذ أن وعيت على هذه الدنيا كان البعث والقائد يلازمان حياتي. قضيت معظم فتوتي وشبابي في رابطة الشبيبة حيث كنت أقود الاجتماعات وأذهب إلى المعسكرات ألقي على الرفاق الشبيبيين المحاضرات التي تشرح فكر القائد، وتهيئ الأجيال للانضواء في هذه الدورة النضالية، التي لم أكن أعرف من الدنيا غيرها.

 

كنت أقضي بعض الأيام والليالي في مقر الرابطة الشبيبية أعد الأعلام، أنا والرفاق، واللافتات التي سننصبها في مفارق الطرق، أو نوزعها على المسيرات التي كنا نهيؤها في الأسبوع مرة أو مرتين، فبلدنا مهدد والمؤامرة الداخلية في قمة أوجها ولا بد من حشد التأييد للقائد والثورة.

 

نحن أبناء الريف درع الثورة، قاعدتها الخلفية وعمقها الاستراتيجي، والذخيرة المخبأة لوقت الشدائد. هكذا كنا نفهم الأمور وهكذا تعلمنا، والمؤامرة كبيرة كبر الوطن العربي ولا بد من التصدي لها.

 

في عام 1982 لم يمض يوم إلا وخرجنا فيه بمسيرة تأييد ومبايعة، لم أكن أذهب إلى البيت إلا لماماً، فقد كلفت بقيادة كتيبة بعثية مسلحة، وكنا نقيم الدورات في معسكرات الصاعقة وبعض الثانويات نتدرب على السلاح والاستعداد لاقتحام أوكار “الخُوّان” المسلمين، كما كنا نسميهم.

 

في هذا العام كنت في السنة الثالثة في كلية الزراعة، وأميناً لفرقة حزبية، وعضو قيادة شعبة حزبية، ومرشحاً قوياً صاعداً لمناصب أعلى، أقربها عضو في قيادة فرع الحزب.

 

كان الحزب محور حياتي ووالدي ووالدتي يستنكران علي ذلك قائلين: ماذا سيفيدك الحزب طالما أن دراستك مؤجلة؟ وكنت أرد عليهم بكل صدق أن التحديات التي تواجه الوطن كبيرة ولا بد من التضحية!

 

مضت السنوات على هذه الحال إلى أن تخرجت عام 1984 مهندساً زراعياً وتم تعييني في مشروع استصلاح الأراضي في الفرات، وكان هذا أقصى ما أطمح إليه على صعيد العمل، فيما واصلت مهماتي الحزبية التي كنت مرشحا فيها كما أسلفت لمناصب ومهمات أرفع.

 

ضالع في مؤامرة لليمين المشبوه

 

وفجأة، ودون سابق إنذار أتت فجراً سيارة مخابرات إلى بيت أهلي واقتادتني وسط ذهولي وذهول والدي ووالدتي إلى فرع الأمن، الذي رحلني إلى فرع التحقيق العسكري في الليلة التالية.

 

ما أذكره الآن بعد هذه السنوات أنني كنت أشبه بالإنسان المخدر لا أعرف ما الذي يجري بالضبط ولا السبب الذي يجعلني أقف هذا الموقف الذي كان خارج تصوراتي.

 

مضى علي أكثر من أسبوع في إحدى المنفردات لا أحد يكلمني ولا أكلم أحداً. كانت المنفردة بحجم القبر وأصوات الأنين والشكوى تنبعث من المنفردات المجاورة وأصوات السجانين تشتم وتلعن.

 

خلال هذا الأسبوع طالت ذقني وهزل جسدي وكأنني قد قضيت دهراً في أحد الكهوف.

 

اقتادني عناصر الفرع إلى غرفة التحقيق “مطمشاً” وكان هناك رقيب أو مساعد بانتظاري، بعد ساعة من الانتظار وأنا واقف طلب من أحد العناصر أن ينزع الغطاء عن عيني، وألفيته يضع دستة من الأوراق أمامه. قال لي بسخرية: أرى أن سيرتك حسنة فما الذي ورطك هذه الورطة؟ قلت له أي ورطة؟ نهض من مكانه وصفعني بيده على وجهي وهو يقول: قول سيدي ولا وعامل حالك مالك دريان.

 

قلت: سيدي أقسم بالله العظيم أنني لا أعرف عن ماذا تتكلم؟

 

قال: وعم تحلف بالله وبدأ بالتجديف على الله والأنبياء والرسول.

 

مضت جلسة التحقيق على هذا المنوال وضربت ضرباً مبرحاً في كل أنحاء جسدي ووضعوني على الدولاب وضربوني حتى تورمت قدماي ولم أعد أستطيع المشي عليهما، وهنا أمرني “سيدي” أن أعدو داخل غرفة التحقيق الكبيرة نسبيا كي لا يتجمع الدم بقدمي.

 

بعد أسبوع من التحقيق العبثي والعذاب المنهجي الجسدي والنفسي اقتادني السجانون إلى غرفة الضابط، كالعادة كنت مطمشاً بقطعتي جلد على عيني.

 

تظاهر الضابط باللين وحدثني عن تاريخي البعثي المشرف وأشفق على حالي لأنني ورطت نفسي مع اليمين المشبوه!

 

لأول مرة أسمع كلمة اليمين المشبوه. فقلت له ماذا تقصد سيدي؟ وهنا انفجر غضبه وانهال علي لكماً وشتماً وضرباً وهو يقول: وعم تغشم حالك يا ابن الكلب؟ وهنا تدخل عناصر كانوا موجودين دون أن يبدر منهم صوت وأخذوني وأعادوني إلى زنزانتي المنفردة.

 

في الزنزانة لم أستطع أن أجد علاقة بيني وبين اليمين المشبوه الذي سمعته للتو.

 

أنا أعرف أن صفة اليمين المشبوه تطلق على جناح البعث العراقي وأنا شخصياً لم أكن على علاقة مع أي عراقي حتى خلال دراستي الجامعية، وكانت جامعتنا مليئة بالطلبة العراقيين، حتى الدكتور العراقي الذي كان يدرس في كليتنا واسمه على ما أذكر محمد الحبوبي لم ألتق به بشكل منفرد طيلة فترة دراستي، فمن أين أتتني هذه التهمة؟

 

بعد أسبوع من العذاب اليومي والتحقيقات الشكلية طلبني الضابط مرة أخرى، وذكر على مسمعي عدداً من الأسماء، وطلب أن أوضح علاقتي بها. كان من بين الأسماء ابن عم لي كانت علاقتنا متينة، وكان ضابطاً في الجيش وأنا أعرف أنه لا علاقة له بالسياسة، لا من قريب ولا من بعيد.

 

أخبرني الضابط بعد سيل من الشتائم والضرب والركل أن تهمتي هي الاشتراك بمؤامرة للبعث العراقي لتنفيذ عمليات تخريبية في البلاد والسعي لتأسيس تنظيم حزبي معادٍ.

 

بعد ذلك جرت محاكمتي أمام المحكمة العسكرية لأن في القضية طرفاً عسكرياً، وحُكم علي بالسجن عشر سنوات. وما هي إلا لحظات وكانت سيارة شرطة عسكرية تأخذني إلى معتقل تدمر، إذ علمت فيما بعد أن ابن عمي الضابط الذي اتهم هذه التهمة الباطلة مات تحت التعذيب في فرع التحقيق العسكري.

 

في مملكة تدمر

 

الآن وبعد هذه السنوات تبدو ذكريات تدمر أشبه بلحظة واحدة متشابهة، فقد اكتشفت أن ذاكرتي لعبت في المكان ومسحت أشياء كثيرة منه، وربما تناستها لأن الزمن الذي دخلت فيه المعتقل يكاد أن يكون خارج سياق حياتي ولا أستطيع أن أضمه لسني عمري.

 

في معتقل تدمر أنت لا شيء، وخصوصاً إذا كنت متهما ببعث العراق أو الإخوان المسلمين، فنحن دمنا مهدور، وهذا يعني أن الذي يموت منا تحت الضرب والتعذيب لا أحد يسأل عنه أو يحاسب من أجله .. بخلاف المعتقلين الشيوعيين الذين كانت لهم مهاجع خاصة مختلفة ومعاملة أقل قسوة، وطبعا بخلاف المعتقلين الجنائيين الذي كانوا يعذبوننا أيضاً ويطلق عليهم اسم البلدي.

 

في مهجعك أنت مكشوف مراقب من خلال فتحة في السقف طوال ليلك ونهارك وحتى الكلام ممنوع عليك.

 

في السنة الأولى لاعتقالي وكان نزلاء مهجعي كلهم من الإخوان المسلمين أو من يسمون كذلك، لأن الكثير منهم كما اكتشفت فيما بعد لم تكن لهم علاقة بالتنظيم لا من قريب ولا من بعيد، وساقتهم أقدارهم العاثرة بفعل تقرير كيدي أو دسيسة من أحدهم إلى هذا الجحيم.

 

أقول في السنة الأولى كانت علاقتي بنزلاء المهجع علاقة سيئة، لم أكن أحبهم وكنت أنظر إليهم بريبة وأتحاشى الحديث معهم إن سمحت الظروف بذلك، إلى أن مرضت مرضاً أقعدني أسبوعاً كاملاً طريح الفراش.

 

ارتفعت حرارتي ولم تهبط، وأُصبت بنزلات برد متوالية ولم أعد أستطيع النهوض. وقام رئيس المهجع بإبلاغ الرقيب بالأمر فحولني إلى الطبيب، الذي أشك في أنه ليس أكثر من ممرض فذهبت إليه محمولاً، فأعطاني قمعاً ورقياً فيه حبوب بيضاء لا أعرف ما هي، ولكن المعتقلين الآخرين أكدوا أنها تعطى للجميع وطلبوا مني أخذها دون تردد.

 

لم تتحسن أحوالي وكان بعض العناصر المكلفين بعقابنا اليومي يطلبون إخراجي من المهجع للشروع بتعذيبي لكنني كنت لا أقوى على النهوض، وهذا لم يكن يمنع البعض منهم من ضربي وشتمي.

 

في إحدى الليالي كنت أرتعش من البرد وأنا أصرخ من الألم فقام أحد عناصر الحراسة الذين يتواجدون على سطح المهجع “بتعليمي”، أي أنه يقول لي: علّم حالك، وفي الصباح يخرج الشخص “المعلّم” لينال عقابه المميز وإلا فإن العقاب سيكون من نصيب الجميع.

 

في اليوم التالي خرج بدلاً مني أحد المعتقلين من الإخوان المسلمين وكان رجلاً متوسط العمر ويعاني من الأمراض المزمنة، ومع ذلك نهض وحاول آخرون ثنيه والخروج بدلاً عنه، إلا أنه أصرّ قائلاً إنهم سيراعون سنه ويكون العقاب خفيفاً.

 

لم يكن العقاب أخف من المعتاد وعاد إلينا أشبه بخرقة بالية. نال الضرب بالكابل الرباعي والركل والشتم، كله بدلاً عني. عند هذه الحادثة بدأت أنظر بعين مختلفة إلى رفاق السجن وبدأت مشاعر الود تنمو بيننا يوماً بعد يوم، واكتشفت أن أكثر من طبيب يعيش بيننا وصيدلي وطبيب أسنان.

 

تحسنت صحتي بفضل العناية التي لقيتها من زملاء المعتقل الذين كانوا يدخرون الطعام لي وحتى الدواء الذي يتكون كما قيل لي من المضادات الحيوية لا غير.

 

بدأت أقترب من رفاق المهجع وبدأنا نختلس الأوقات لتبادل الأحاديث وعرفت قصص أغلبهم ومعظمهم كما قلت كانوا لا علاقة لهم بتنظيم الإخوان المسلمين وإنما بسبب تقارير أو صلات قربى أو انتماء فكري فقط .. فالذين ثبت انتماؤهم العسكري كانوا قد أُعدموا في سلسلة محاكمات استمرت عدة أعوام وعندما وصلت إلى تدمر كانت شبه منتهية اللهم إلا بعض الطوارئ.

 

كان برنامجنا اليومي يبدأ منذ الصباح بحفلة تعذيب تستمر إلى أن يحين موعد الإفطار فنتناول فطورنا المكون من بضع حبات من الزيتون وشاي لا لون فيه وخبز مليء بالأخشاب. وهناك حفلة تعذيب على الغداء وأخرى قبل العشاء، هذا غير الذي يقترحه علينا رقيب غضبان أو عريف مصاب بحالة عصبية.

 

أحد زملاء المهجع له زيارة يستطيع أن يجلب له أهله مسحوقاً من الحمص يُضاف إليه الماء فيصبح حمصاً ناعماً نأكله كوجبة نادرة نظراً لنوعية الطعام التي تُقدم لنا كالبطاطا المسلوقة أو شوربة حمراء وبرغل مليء بالحصى أو رز خالٍ من الدسم.

 

ذات يوم كان المعتقلون يتحدثون عن رقيب ديري هو الوحيد الذي لا ينتمي للطائفة العلوية، فكل السجانين والحراس والضباط وصف الضباط في تدمر هم من الطائفة العلوية. كان هذا الرقيب ويدعى جاسم يبالغ في تعذيبه للمعتقلين، وصيته وصل إلى كل المهاجع.

 

سمعت عنه ولم أره، وكم فوجئت وفوجئ حتى كاد أن يقع من طوله عندما رآني. لقد كان أحد الرفاق الشبيبيين الذين كنت أجتمع بهم. تدارك الأمر وصفعني على وجهي طرحني أرضاً وهمس في أذني ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ودار حديث بيننا وهو يعذبني لكي لا يلفت نظر أحد.

 

كان يركلني ويسألني ماذا تريد؟ ويطرحني أرضاً ويعتذر مني قائلاً إنه مضطر لذلك.

 

لم أستوعب هذا الموقف إلا بعد أن أخبرني بعض رفاق المهجع ممن سبقوني بأن رقيباً في السابق شوهد يتحدث مع أحد المعتقلين بشكل ودي فجرى إعدامه وأصبح اسمه وقصته مصدر خوف لأي عنصر أو سجان أو رقيب في سجن تدمر.

 

مضت الأيام والسنوات على هذا الروتين واستطعت أن أحفظ القرآن خلال عامين، إذ كان المعتقلون قد ابتكروا طريقة للكتابة تتكون من أكياس نايلون يضعونها بطريقة معينة فوق بعضها ويستخدمون بعض دهون الطعام للصقها ثم الكتابة عليها وعندما تتعرض لمصدر نور يستطيع المرء قراءتها بسهولة وبهذه الطريقة حفظت القرآن إضافة لمساعدة الحافظين من جماعة الإخوان المسلمين.

 

كان حفظ القرآن مغامرة كبرى إذ قد تودي بالحافظ والمحفظ إلى المنفردة التي تعني جنوناً حقيقياً. أما تدريس فكر الإخوان في المهجع فيعني حكماً مباشراً بالإعدام ينفذه أصغر رقيب وبقرار شخصي منه.

 

ذات مرة آلمني ضرسي فكشف علي أحد زملائنا المعتقلين وكان طبيب أسنان وقال لي لا بد من قلعه. وأخرج من تحت فراشه أداة خشبية وثبتها بطريقة محترفة وقلع الضرس بسهولة لم أتوقعها.

 

وفي أحد الأيام أصيب زميل لنا بآلام شديدة في الخاصرة ولم يستجب له السجانون، وقد أكد أحد زملائنا الأطباء بأنه يحتاج إلى عملية زائدة دودية فوراً وإلا انفجرت ومات.

 

وبدأ إعداد غرفة العمليات في المهجع.

 

كان زملاؤنا الأطباء قد ادخروا بعض الخيطان والأبر وصنعوا مشرطاً من ليرة سورية قاموا بحفها.

 

وبدأت عملية الزائدة الدودية دون مخدر أو أدوات، وكان مطلوباً من البعض مراقبة الجو والبعض الآخر مساعدة المريض على عدم الصراخ بوضع كتلة من اللباس على فمه.

 

وجرت العملية بيسر وتم استئصال الزائدة الدودية التي تبين أنها كانت على وشك الانفجار. وتمت خياطة جرح المريض وأعطي لعدة أيام مضادات حيوية مدخرة وعاش وخرج من السجن .. فسبحان الذي بيده تقدير الأعمار.

 

هذا عن وضعي البائس. أما وضع أهلي فلم يكن أفضل من ذلك. ففي الفترة الأولى من اعتقالي طافوا على جميع معارفهم من المتنفذين ولم يستطيعوا أن يعثروا على خبر عني ولا أي شيء عن تهمتي. وقد ربطوا بين اختفاء ابن عمي الضابط وبين اعتقالي وشكوا في أن الموضوعين على علاقة ببعضهما، فابن عمي اختفى في ثكنته العسكرية، وأحد ما أخبر أهله بأنه اعتقل، ولكن لم يعلموا بأنه مات تحت التعذيب في فرع التحقيق العسكري. وقد أخبرني أثناء التحقيق معي رقيب من مناطقنا بهذه المعلومة محذراً إياي من إفشاء هذا السر الخطير الذي قد يودي به.

 

خرجت من تدمر بعفو رئاسي ووجدت والدتي ووالدي مريضين، فقد فقدت والدتي عيناً من شدة البكاء، وفارقت وجه والدي الابتسامة التي كانت تلازمه أينما حل.

 

وبدأت معاناتي الحقيقية فور خروجي من السجن فأنا ممنوع من العمل ومجرد مدنياً، والكثير من الأصدقاء باتوا يخافون من الحديث معي أو زيارتي وأصبحت شبه منبوذ.

 

بعد أن وسّط أهلي وساطات كُبرى مُنحت إذناً بالسفر بعد ثلاث سنوات من خروجي، ووجد لي شقيقي الصغير فرصة عمل في دولة خليجية.

Filed Under: مقالات ودراسات Tagged With: أوضاع السجون, مجزرة سجن تدمر 1980

قائمتنا البريدية

تابعونا على الفيسبوك

Facebook

أمهات في غياهب سجون أسد.. شهادات مروّعة عن أصوات القتل والتعذيب

11-كانون ثاني-2021

فايز النوري: سفاح أمن الدولة

17-أيار-2020

البحث عن جلادي الأسد

12-أيار-2020

حقوق النشر والتوزيع © 1997 - Copyright © 2021 اللجنة السورية لحقوق الإنسان. جميع الحقوق محفوظة

القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • أخبار
  • ملتيميديا
    • الصور
    • الفيديو
  • المكتبة
    • كتب
    • وثائق
    • مقالات ودراسات
  • إصدار اللجنة
    • تقارير يومية
    • التقرير السنوي
    • تقارير خاصة
    • أخبار وبيانات
  • عن اللجنة
    • من نحن
    • اتصل بنا
  • بيانات أخرى
    • بيانات سورية
    • تقارير وبيانات دولية
  • ملفات خاصة
    • الاعتقال السياسي
    • مجزرة حماه 1982
    • مجزرة سجن تدمر 1980
    • معتقلو الرأي
    • محكمة أمن الدولة
    • القانون 49 لعام 1980
  • قوائم المفقودين
  • English