عبر التقرير السنوي للجنة السورية لحقوق الإنسان لعام 2002 الذي يتجاوز 15 صفحة عن قلق كبير مما أسماه “التراجع الشامل” في احترام حقوق الإنسان السوري. ويقول التقرير الذي أصدرته اللجنة الخميس 27 حزيران 2002 “شهدت أوضاع حقوق الإنسان في سورية تراجعاً كبيراً خلال الفترة الممتدة من تموز/ يوليو 2001 وحتى حزيران/ يونيو 2002. ومع استمرار العمل بحالة الطوارئ والأحكام العرفية، لم يتمتع المواطنون بحقوقهم الأساسية التي حُرموا بسبب قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1963”.
وأضاف التقرير في مقدمته “خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير كان التراجع شاملاً. فبعد أن بدأت فترة الانفتاح القصيرة التي ميزت معظم العام الأول من حكم الرئيس بشار الأسد بالتراجع ابتداء من شهر آذار/ مارس 2001، شهدت الفترة ما بعد حزيران/ يونيو 2001 تدهوراً كبيراً على صعيد انتهاك حقوق المواطنين السوريين، وبلغت ذروة التصعيد في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 2001، حيث اعتُقل فيهما عشرة من نشطاء المجتمع المدني، وفي مقدمتهم النائبان محمد مأمون الحمصي ورياض سيف، والزعيم الشيوعي المعارض رياض الترك، الذي سبق أن اعتُقل 18 عاماً بلا محاكمة أو اتهام قانوني”.
ويقول التقرير “كان مجمل الذين أُفرج عنهم خلال العام لم يتجاوز 650 شخصاً، بينما ما زالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تحتفظ بقوائم لحوالي 4000 معتقل اختفت آثارهم، وهناك تقديرات تشير إلى وجود أضعاف هؤلاء من المعتقلين الذين لم تُجمع أسماؤهم، ويعتبرون في عداد المفقودين، وقد يناهز 15000 مفقوداً”.
وتابع يقول “لكن الأسوأ على صعيد الاعتداء على حق الإنسان السوري في الحرية، هو استمرار العمل بالاعتقال التعسفي، دون أمر قضائي، ودون توجيه اتهام إلى المعتقلين. ولا تزال السلطات الأمنية تتمتع بكامل الحرية في اعتقال من تشاء، وفي هذا الصدد وصلت إلى اللجنة السورية لحقوق الإنسان شكاوى من اعتقال 12 مواطناً سورياً، بعضهم خُطف من أماكن عامة، ولا يُعرف مصير معظمهم. أما الذين عُرف مصيرهم، فقد اتضح أن ثلاثة منهم على الأقل قضوا تحت التعذيب”.
وينتقد التقرير القضاء السوري ويقول إنه ما يزال “أسيراً للسلطة التنفيذية”. ويأتي التقرير بعد يوم واحد فقط من حكم محكمة أمن الدولة العليا بالسجن سنتين ونصف على الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي رياض الترك، وبعد ثلاثة أيام من الحكم على رجل الأعمال حبيب صالح بالسجن ثلاث سنوات. ويوضح التقرير أن محكمة أمن الدولة العليا أصدرت أيضاً هذا العام “حكمين بالسجن على معتقلين اثنين، أحدهما ناشط سياسي كردي هو حسين داود ، والثاني هو مدحت طيفور لقرابته من قيادي في الإخوان المسلمين. كما عُرض على محكمة أمن الدولة العليا معتقلون من حزب التحرير”.
وحول الحريات الصحافية والإعلامية، يقول التقرير إنها تعرضت لضربة كبيرة بصدور قانون جديد للمطبوعات في أيلول/ سبتمبر 2001 يقيد بمجمله الحريات الصحافية “ولا يجرؤ الصحافيون السوريون – الذين يبدو عملهم أشبه بالسير في حقل ألغام – على انتقاد “الثورة” (ثورة 8 آذار/ مارس 1963 التي قام بها حزب البعث) وحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم ومؤسسات النظام، إضافة إلى مقام الرئاسة، سواء ما يخص الرئيس السابق أو الحالي”.
ويؤكد التقرير أنه “ما يزال التعذيب مستخدماً على نطاق واسع في السجون ومراكز الاعتقال السورية، سواء في مراكز الشرطة العادية، أو أجهزة الأمن البالغ عددها 13 جهازاً، تتداخل وتتضارب صلاحياتها. وخلال هذا العام عادت ظاهرة محاولة الاغتيال والاختطاف والتهديد إلى المشهد السوري، بما في ذلك الاعتداء في الطريق العام كما حدث مع المحامي خليل معتوق الذي نجا من حادث سير متعمد كاد يودي بحياته”.
أما عائلات المعتقلين فلم تخف معاناتها، حسب التقرير، خصوصاً تلك التي فقدت أبناءها في أحداث السبعينيات والثمانينيات، وامتدت
المعاناة إلى عائلات معتقلين حديثي العهد، كعائلة الصحفي المفرج عنه نزار نيوف. وهناك حالات اعتُقلت فيها عائلات بأكملها. ويشير التقرير إلى أن المعتقلين على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي يعانون بعد الإفراج عنهم من الحرمان من الحقوق المدنية ما بقي من حياتهم، بينما يُحرم حوالي 150 ألف سوري من المهجرين القسريين والمنفيين وعشرات الآلاف من الأكراد من كل الوثائق الرسمية التي تكفلها لهم القوانين والدستور السوري.
وحسب التقرير فإنه إضافة إلى المعتقلين السوريين، يوجد في السجون السورية معتقلون فلسطينيون وأردنيون ولبنانيون وعراقيون، ومن جنسيات أخرى، على خلفيات سياسية، وبعضهم لا تُعرف تهمتهم أو أسباب استمرار احتجازهم بدون محاكمة.
يُذكر أن هذا هو التقرير السنوي الثاني للجنة السورية لحقوق الإنسان. وتصدر اللجنة تقريرها في يوم 27 حزيران/ يونيو من كل عام، وذلك في الذكرى السنوية لمجزرة سجن تدمر الشهيرة التي قُتل فيها بين 600 و1200 سجين سياسي عام 1980 على يد سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد نائب الرئيس السابق.