لقد أقلقت ظاهرة الاختفاء القسري المجتمع الدولي مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرارها رقم 173 في الدورة 32 بتاريخ 20/12/1978 الذي طلبت بموجبه من لجنة حقوق الإنسان دراسة وتحليل مسألة الأشخاص المفقودين قسراً واتخاذ الإجراءات الملائمة.
وعندما عقدت لجنة حقوق الإنسان دورتها السادسة والثلاثين درست الموضوع واتخذت القرار رقم 20 بتاريخ 2/2/1980 القاضي بتشكيل فريق عمل من خمسة أعضاء لدراسة مسائل الاختفاء القسري وتلقي المعلومات من مختلف المصادر الحكومية وغير الحكومية.
وقدم فريق العمل المذكور خمسة تقارير وملاحق لها حتى شباط/فبراير 1985 كان آخرها الصادر بالوثيقة رقم 15/1985 وتضمنت هذه التقارير تحليلاً لظاهرة الاختفاء والمعلومات الواردة إلى فريق العمل حول ظاهرة الاختفاء القسري التي ظهرت في بقاع عديدة من العالم وكان النظام السوري في مقدمة الأنظمة التي تمارس أعمال الاختفاء القسري بحق المعتقلين.
وجاء في الفقرة 152 من التقرير الصادر عام 1984 ما يلي: ” إن من حق الفرد في الحرية والأمان على شخصه هو الحق الرئيسي من حقوق الإنسان الذي يلقى إنكاراً له في ذات واقعة الاختفاء القسري أو غير الطوعي. وتدخل في ذلك جميع الحقوق المرتبطة بهذا الحق مثل الحق في عدم التعرض للاعتقال التعسفي والحق في محاكمة منصفة في الدعاوى الجنائية، وحق الفرد في أن يعترف له بالشخصية القانونية.
وبناء على ذلك يعتبر مفقوداً كل شخص تعتقله السلطة دون تقديمه للقضاء ودون أن تعلم ذويه عنه شيئاً وتضمن التقرير الصادر عن اللجنة المذكورة عام 1983 فقرة خاصة عن سورية وهي الفقرة 125 وجاء فيها ما يلي:
تلقت اللجنة منذ تجديد صلاحياتها معلومات عن حالات اختفاء جبري ولا إرادي في الجمهورية العربية السورية قدمتها منظمة غير حكومية ذات صفة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأحد أقرباء أحد الأشخاص المختفين. وقامت اللجنة بإحاطة الحكومة السورية أنها تلقت عدداً من المكاتبات الخاصة بالاختفاء الجبري أو اللاإرادي في سورية، وأكدت الجانب الإنساني الخالص في رسالتها، وعبرت عن أملها في التوصل إلى حل سريع بشأن تلك الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان.
وفي نفس الشهر أرسلت اللجنة إلى الحكومة السورية تقريرين عن حالات الاختفاء الجبري أو اللاإرادي، أحدهما عن طبيب ذكر أنه استدعي إلى مكتب إدارة السجون في حمص ثم اعتقل هناك، ونقل بعد أسبوع إلى جهة مجهولة. أما التقرير الثاني فيتعلق بطبيب اعتقل واتهم بانتمائه إلى “الإخوان المسلمين” ولا يعرف شيء عن مكانه منذ اعتقاله وأرسلت إلى الحكومة السورية عن حالة ثالثة تلقتها من أقرباء طالب اعتقل مع طالبين آخرين في بيته في آب/أغسطس 1980 على أيدي قوات الأمن وقيل أنهم أخذوا إلى سجن معين. وحتى اليوم لم يصلنا أي رد من الحكومة السورية على هذه الحالات الثلاث”.
الآثار القانونية للمعتقلين السياسيين الذين هم بحكم المفقودين:
1- حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي شخص. وهو الحق المتعارف عليه وهذا يخالف الفقرة 4 من المادة التاسعة من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.
2- منع ذوي المعتقل من معرفة مكان اعتقاله أو التهمة الموجهة إليه وبالتالي عدم إمكان زيارته للتحقق عما إذا كان حياً أو ميتاً. وقد ترتب على ذلك أن معظم المعتقلين بدون محاكمة في سورية يمكن اعتبارهم بحكم المفقودين لأن مصيرهم مجهول. وهذا يخالف قواعد الحد الأدنى لمعاملة المعتقلين التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 21/7/1957 والتي تقضي القاعدة 27 منها بأن للسجناء إمكانية الاتصال بأسرهم، والقاعدة 44 التي تطالب السلطات بإبلاغ زوجة السجين أو أقرب أقربائه في حالة وفاته أو إصابته بمرض، وتخول السجين الحق في أن يقوم دون إبطاء بإبلاغ أسرته بوجوده في السجن أو بنقله إلى مؤسسة أخرى. وتقضي القاعدة 92 بأن للسجين الموقوف دون محاكمة الحق بالاتصال بأسرته وإبلاغها فوراً باعتقاله.
3- وقوع خلل في العلاقات الاجتماعية والقانونية بسبب طول فترة الاعتقال بدون محاكمة وعدم معرفة مصير المعتقل أو مكان وجوده كالعلاقة الزوجية أو الإرث أو الشراكة أو الملكية وغيرها. وهذا بالإضافة للآثار الاقتصادية والنفسية التي يخلفها غياب الأب عن أسرته دون معرفة مصيره.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تعتقد أن هناك الآلاف من المعتقلين السياسيين الذين يعتبرون بحكم المفقودين نظراً لحرمانهم من حقوقهم الشخصية المنصوص عليها في الوثائق الدولية الآنفة الذكر.
وأن من مسئولية منظمات حقوق الإنسان في العالم التعامل مع قضايا المعتقلين السياسيين في سورية بحكم المفقودين وإيلائهم الاهتمام اللازم دولياً بما يوازي مأساتهم التي تحاول أجهزة الإعلام التعتيم عليها أو التخفيف من خطورتها.
وإننا نأمل أن تمارس هذه المنظمات مسؤولياتها وخاصة فريق العمل المختص بقضايا المفقودين التابع للجنة حقوق الإنسان بالاهتمام الجدي بمسألة المعتقلين المفقودين في سورية.