يصادف اليوم 21آب/أغسطس 2023 الذكرى السنوية العاشرة لارتكاب نظام الأسد للمجزرة الأكبر في سورية خلال سنوات حراكها الشعبي منذ عام 2011، ففي الحادي والعشرين من شهر آب/ أغسطس 2013 قتل نظام بشار الأسد خنقا بغاز السارين السام خلال ساعات ما يقارب من 1500 مواطناً سورياً وأصاب أكثر من 5900 شخصاً بأعراض تنفسية وحالات اختناق في غوطتي دمشق الشرقية والغربية أغلبهم من الأطفال والنساء.
فقد بدأت التحضيرات لهذه المجزرة الكيماوية في بداية شهر آب عندما توعد بشار الأسد بحرق غوطة دمشق واستخدام كافة أنواع الأسلحة لوقف الاحتجاجات المتصاعدة ضد نظام حكمه.
ولقد تم نقل صواريخ محملة برؤوس كيماوية إلى اللواء (155) المتمركز في منطقة القلمون القريبة. وقامت قوات من اللواء المذكور في صباح 21 آب / أغسطس ابتداء من الساعة 2:31 فجراً بتوقيت دمشق باستهداف مدينة زملكا، ومدينة عين ترما، والمنطقة الفاصلة بين زملكا وبلدة حزة في الغوطة الشرقية بصواريخ محملة بغاز السارين السام، ثم قصفت مدينة المعضمية في الغوطة الغربية قرابة الساعة الـ 5.15 فجراً بصاروخ محمل بالسارين أيضاً، ما أدى لمقتل ما يقرب من 1500 مواطناً سورياً وإصابة أكثر من 5900 شخصاً بأعراض تنفسية وحالات اختناق.
ويظهر نوع السلاح و التوقيت النية المبيتة والمقصودة لإبادة أكبر عدد ممكن من الأهالي حين تباغتهم الغازات وهم نيام مما يخفض من فرص النجاة، كما أن مؤشرات درجات الحرارة تلك الليلة كانت تشير إلى انخفاضها بين الساعة الثانية والخامسة فجرا، ما يؤدي إلى سكون الهواء، وبالتالي عدم تطاير الغازات السامة الثقيلة، وبقائها قريبة من الأرض ما يتسبب في وقوع أكبر قدر ممكن من الضحايا.
كما ساهم الحصار المفروض على الغوطتين الشرقية والغربيـة مـن قبـل قوات الأسد منذ نهاية عام 2012، ومنع إدخال الوقود والمحروقات، وعدم توافر الأدوية والمعدات اللازمة لعلاج المصابين في ارتفاع حصيلة الضحايا أيضا.
وقد وقعت هذه المجزرة في الوقت الذي كانت تتواجد فيه لجنة الخبراء الخاصة بالكشف عن استعمال المواد الكيماوية على بُعد عدّة كيلومترات من مكان الجريمة، إلا أنّ اللجنة لم تقم بزيارة المكان، حيث لم توافق قوات الأسد على دخولها للغوطة، لأنّ الموافقة الممنوحة لها كانت للتحقيق في اتهامات سابقة باستخدام الكيماوي في مناطق أخرى، وليس في هذه المجزرة.
وقد قرر مجلس الأمن تشكيل بعثة دولية خاصة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والتي قدّمت تقريرها إلى مجلس الأمن في 16/9/2013، وأكّدت فيه أنّ أسلحة كيميائية استُعملت في 21/8/2013 ضد المدنيين، وعلى نطاق واسع نسبياً، إلا أنّه لم يشر إلى الجهة التي استخدمتها، لأنّ ذلك الاختصاص تم سحبه بتوافق دولي من مهام اللجنة.
وبناء على التقرير، أصدر مجلس الأمن بالإجماع قراره رقم 2118 في 27/9/2013، والذي أدان استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة بريف دمشق، وطالب الحكومة السورية بتسليم مخزونها من هذه الأسلحة.
وفي 7/8/2015، أي بعد حوالي عامين من المجزرة، وافق مجلس الأمن بالإجماع على القرار رقم 2235، والذي يقضي بالبحث في إيجاد آلية للتحقيق في المجزرة، حيث طَلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة التنسيق مع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتقديم توصيات بخصوص هذه الآلية، لتُعرض لاحقاً على مجلس الأمن لإقرارها والبدء بتنفيذها.
وعلى الرغم من أن القرار 2209 الصادر عام 2015 عن مجلس الأمن الدولي يشير إلى منع الحكومة السورية من استخدام الأسلحة الكيماوية أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها، بأي طريقة، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى دول أو جهات أخرى، وإقراره بأن استخدام النظام أي أسلحة كيماوية سيُعدّ انتهاكًا للقوانين الدولية، وأن من يستخدمها سيُحاسب؛ وعلى الرغم أيضًا من تلويح القرار باستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لوقف هذه الانتهاكات، وهو الفصل الذي يسمح باستخدام القوة لتطبيق القانون الدولي، إلا أن نظام الأسد لم يأبه لكل ما سبق، واستمر في استخدام السلاح الكيماوي من دون أن يرمش له جفن.
وقد تم توثيق تنفيذ نظام الأسد 217 هجوماً كيميائياً كان منها 33 هجوما قبل قرار مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013، و184 هجوماً بعد قرار مجلس الأمن رقم 2118 منها 115 هجوماً بعد قرار مجلس الأمن رقم 2209 الصادر في 6/ آذار/ 2015، و59 هجوماً بعد تشكيل آلية الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2235 الصادر في 7/ آب/ 2015.
وفي عام 2018 قامت مفارز من قوات نظام الأسد باقتحام مقبرة زملكا في الغوطة الشرقية بريف دمشق ونبشت بعض القبور التي تحوي جثامين ضحايا مجزرة الكيماوي ونقلتها إلى جهة غير معلومة.
لقد شكل استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني العرفي واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وبشكل خاص القرارات رقم 2118 و2209 و2235، كما يشكل استخدام الأسلحة الكيميائية جريمة حرب وفقاً لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان إذ تستذكر ضحايا هذه المجزرة الأليمة في الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق فإنها تحمل مسؤولية هذه المجزرة للآمر المباشر لها رئيس النظام بشار الأسد والمشرف على التنفيذ العميد غسان عباس من اللواء 155 الذي أطلقت منه الصواريخ المحملة بمادة السارين المحرمة دولياً ،وتؤكد بأن غياب محاسبة نظام الأسد و حلفائه عن جرائمهم المرتكبة بحق الشعب السوري واستمرارهم في الإفلات من العقاب شجعهم على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا مرات ومرات ، وتؤكد أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي مما لا يسقط بالتقادم، وأن محاولات نظام الأسد الحثيثة في إخفاء أدلة استخدامه للسلاح الكيميائي سواء عبر طمس الأدلة المادية، أو اعتقال الشهود وترهيبهم وابتزازهم بذويهم، لتضليل الرأي العام ومنع سير العدالة هي محاولات عبثية لا جدوى منها ، كما تؤكد أن الحل السياسي الوحيد القابل للحياة في سورية هو الحل الذي يتضمّن محاسبة الجناة، والاعتراف بحقوق الضحايا.