مجزرة سجن تدمر … في ذكراها الثالثة والأربعين
مثلت مجزرة سجن تدمر في 27 حزيران/ يونيو 1980 نموذجاً متقدماً للعقلية الإجرامية لمنظومة الحكم الأسدي في سورية التي تستخف بكل قيم الإنسان والمواطنة والحريات، هذه العقلية التي كرست السياسات القمعية في حكم سورية على مدار ستين عاماً منذ الانقلاب الذي أطاح بالحكم المدني، ومن جملة ما كرسه هذا النظام القتل خارج نطاق القانون والجرائم ضد الإنسانية والإخفاء في المعتقلات والموت تحت التعذيب والاستيلاء على حقوق المواطنين وممتلكاتهم والفساد والإفساد.
ففي هذا التاريخ قامت مجموعة من ميليشيا “سرايا الدفاع”، التابعة للنظام السوري والتي كان يقودها رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد رئيس الجمهورية آنذاك بقتل حوالي 1181 سجين أعزل في سجن تدمر الصحراوي، بعد أن قامت إدارة السجن بتسهيل مهمّتهم.
مثّلت هذه المجزرة نموذجاً لسياسة نظام عائلة الأسد وحزب البعث، الذي استولى على البلاد عام 1963، وما زال يحكمها حتى اليوم. حيث مارس كل أنواع الانتهاكات ضد الإنسان السوري من أجل ترسيخ دعائم حكمه.
وعلى خلاف الجرائم التي يقوم نظام الأسد بارتكابها في الوقت الحالي، فإنّ معظم الجرائم التي ارتُكبت في فترة ما قبل الثورة السورية التي بدأت في عام 2011 لم يتم توثيقها، أو معرفة تفاصيلها من قبل الجناة، إلا أنّ مجزرة سجن تدمر كانت استثناءً مهمّاً، حيث سُجّلت اعترافات بعض الجناة وعُرضت على شاشات تلفزة بعض الدول، بعد أن تورّطوا في محاولة اغتيال مسؤولين رفيعي المستوى فيها، فقدّمت هذه الاعترافات شهاداتٍ هامةٍ حول تفاصيل العملية، والجهات التي خَططت لها وأشرفت على تنفيذها.
وقد أثبتت الشهادات والأفلام المسرّبة التي ظهرت في سنوات الثورة أن العقلية الأمنية التي تحكم سورية اليوم، والقائمة على مبدأ قتل المدنيين دون أدنى اعتبار لأي قيم، هي ذاتها التي كانت تحكم سورية منذ ستينيات القرن الماضي، وأن نظام بشار الأسد لا يُطبّق سياسات جديدة، بقدر ما يُعيد إنتاج ذاته، ويستمر على النهج الذي أسسه الأسد الأب.
لقد شجّع المجتمع الدولي من خلال احتضانه للمسؤوليين عن الجريمة، وتوفير الحماية لهم، على مدار حوالي أربعين عاماً، مبدأ الإفلات من العقاب، وهو مبدأ مناقض لمنظومة حقوق الإنسان، حيث كان رفعت الأسد ، قائد سرايا الدفاع آنذاك، والمسؤول عن هذه المجزرة، وغيرها من الجرائم، يعيش في أوربا، متمتعاً بالحماية والامتيازات والتسهيلات القانونية والسياسية، وعندما خرق قوانين إحدى البلدان المضيفة وحكمت عليه بالسجن سهلت له سلطات تلك الدولة العودة إلى سورية عوضاً عن سجنه، بينما استولت على أموال الشعب السوري التي نهبها في فترة تسلطه.
وعلى الرغم من مرور 43 عاماً على المجزرة فإن من حق ذوي الضحايا أن يعلموا أسماء الذين قضوا فيها، وأين دفنوا، ولماذا كان مصيرهم على هذا النحو الهمجي، ومن حقهم أيضاً المطالبة بحقوق الضحايا وذويهم ومحاكمة الجناة والنظام الذي أمر بهذه الجريمة الجماعية البشعة ضد الإنسانية.
ستظل مجزرة سجن تدمر معلماً بالغ الأهمية ودليلاً على إجرام النظام الأسدي واستخفافه بالدم السوري، هذا إذا علمنا أن المعتقلين لم يكونوا مجرمين بل كانوا يمثلون شرائح من الشعب السوري المهنية والعمرية والاجتماعية، بل إن العديد منهم أخذوا رهائن عن أقاربهم، وستظل دماء الذين قتلوا في سجن تدمر سجل عار في جبين وصدور القتلة تتناقله الأجيال، وليكون مشعلاً للحرية والكرامة والعدالة والمساواة
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان إذ تستذكر مجزرة سجن تدمر وتُذكّر بضحاياها ، وبكل ضحايا هذا النظام منذ وصوله إلى السلطة في سورية بانقلاب عسكري وحتى يومنا هذا، فإنّها تدعو المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته في مجال حقوق الإنسان، من خلال التوقف عن دعمه للنظام والتوقف عن إفساح المجال أمامه من الإفلات من المحاسبة على جرائمه، والمساعدة على تقديم الجناة إلى العدالة، لما في ذلك من ترسيخ لمنظومة حقوق الإنسان، في سورية وفي المنطقة بكاملها.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
لندن 27/6/2023