يصادف اليوم 5 حزيران 2023 الذكرى العاشرة لاحتلال مدينة القصير جنوب محافظة حمص من قبل ميليشيات حزب الله اللبناني وقوات الأسد في 5 حزيران 2013، حيث أودت تلك الهجمات بحياة 273 شخصا، وأكثر من 2400 جريح، أكثر من 1800 منهم من المدنيين، بينهم 230 طفلا، و170 امرأة منذ انطلاق العمليات وحتى الاقتحام ،وتهجير أهلها بشكل كامل والذين يقدر عددهم بثلاثين ألف نسمة . وقد شكل سقوطها بيد قوات نظام الأسد وميليشيا حزب الله اللبناني منعطفاً استراتيجيا في تاريخ انتفاضة الحرية والكرامة والعدالة. وكانت بداية للتدخل العسكري الخارجي الواضح في سورية لمصلحة النظام عبر ميليشيا حزب الله الطائفية، ثمّ تتالت التدخلات الخارجية في الشأن السوري من قبل الميليشيات الطائفية كالحرس الثوري الإيراني، وأبو الفضل العباس العراقي وغيرهم.
وتأتي أهمية مدينة القصير بالنسبة للنظام وحلفائه من اعتبارها نقطة ربط بين مركز محافظة حمص ومدن الساحل السوري من جهة، وبين سورية ومناطق حليفه الاستراتيجي (ميليشيا حزب الله) في لبنان خصوصا مع بدء خسارة النظام للمنافذ البرية تباعا في الشمال(تركيا)، والجنوب (الأردن). لذلك استخدمت قوات الأسد وميليشيا حزب الله سياسة الأرض المحروقة في المعركة واستخدام مختلف أنواع الأسلحة المتطورة، بما فيها السلاح الكيماوي المحرم دولياً، ممثلاً بالفوسفور.
ففي يوم 19 أيار 2013، وبعد يومين من الهدوء وفي الساعات الأولى من صباح هذا اليوم بدأ جيش النظام بقصف القصير بالطائرات والمدفعية وقذائف الهاون مما أسفر عن مقتل 20 شخصا بينهم 11 من الثوار. وفي وقت لاحق من نفس اليوم بدأت قوات الأسد المدعوم من قبل مئات العناصر من حزب الله اقتحام المدينة من عدة اتجاهات في حين تم الإبلاغ عن اشتباكات في تسع نقاط في القصير وحولها خلال النهار، وقد كانت قيادة العمليات لميليشيا حزب الله، وكان تقدم حزب الله من جنوب وغرب مدينة القصير، وتقدم جيش النظام من شمال وشرق المدينة.
استخدم النظام السوري كافة أنواع الأسلحة ضد مقاتلي المعارضة في القصير وأهمها الطيران الحربي والمروحي، والمدرعات الثقيلة بمختلف أشكالها مثل (ت 55 وت 72) وعربات الشيلكا والـ (ب م ب)، إضافة للمدافع الثقيلة ومدفع الـ 57 المضاد للطيران، وصواريخ أرض أرض وجو أرض وصواريخ محمولة على الكتف وصواريخ فراغية وحرارية. كما استخدم مقاتلو حزب الله اللبناني صواريخ “كورنيت” روسية الصنع مضادة للدروع من طراز (AT-14) وصواريخ محلية الصنع (بركان) وأنواعاً مختلفة لمدافع ثقيلة كان يتم إطلاقها من داخل الأراضي اللبنانية.
بينما لم يمتلك مقاتلو المعارضة سوى عددا من صواريخ الغراد، إضافة لبعض مدافع مضادات الدروع التقليدية مثل مدفع الـ (ب 10) والـ (ب 9) ومدفع (57) ومدفع فوزليكا واحد، وقواذف (RBG) والهاون محلية الصنع ـ ولم يكن هناك كمية كافية، فضلاً عن الأسلحة الفردية الخفيفة مثل القناصات والبنادق الروسية كلاشنكوف.
ونتيجة للقصف الشديد على مدى ثمانية عشر يوما على مدينة القصير من قبل قوات النظام و ميليشيا حزب الله – حيث قدرت بعض الإحصائيات أنّ المدينة كانت تتلقى في ذروة المعركة 60 قذيفة مختلفة في الدقيقة الواحدة – واستهدافهما للمشفى الميداني الوحيد وللكوادر الطبية العاملة في القصير، إضافة إلى نقص المواد الطبية والغذائية الحاد نتيجة الحصار البري شبه الكامل للمدينة وقطع المياه ، فقد اضطر المحاصرون من ثوار وأهالي في المدينة للخروج منها تحت القصف العنيف ما أدى إلى سقوط الكثير بين قتيل وجريح.
وكانت نتيجة تلك الهجمات مقتل 273 شخصا، وأكثر من 2400 جريح، أكثر من 1800 منهم من المدنيين، بينهم 230 طفلا، و170 امرأة منذ انطلاق العمليات 18/5/2013 وحتى سقوط القصير بيد ميليشيا حزب الله وقوات الأسد في 5/6/2013.
وقد قال حسن نصر الله الأمين العام لميليشيا حزب الله اللبناني:” أنتم لا تفهمون هذه المقاومة ثلاثين سنة مضت لم تفهموها ولن تفهموها، والمقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة؛ مرحلة جديدة بالكامل بدأت الآن”.
وقال أيضاً:” لا نريد أن نتكئ على أحد وهذه المعركة نحن أهلها ونحن صناعها ورجالها وصناع انتصاراتها وأعدكم بالنصر كما وعدتكم سابقا بالنصر في حرب تموز 2006، وسنتحمل كل التضحيات والتبعات المتوقفة على هذه المسؤولية”.
وتؤكد صرخات جنود الحزب في أرض المعركة على أهمية هذا البعد الطائفي واستعدادهم لتقديم التضحيات في سبيل انتصار طائفتهم، ومن هذه الصرخات والشعارات: (لبيك يا زينب، ويا علي، ويا حسين)
وقد أدى سقوط مدينة القصير بيد ميليشيا حزب الله إلى تهجير جميع سكان القصير الذين يفوق عددهم الثلاثين ألف نسمة، وتحويل المدينة إلى معسكر لتجميع وتدريب عناصره مواصلة لقتاله إلى جانب قوات نظام الأسد ضد مقاتلي المعارضة في سورية حتى هذا اليوم.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تستذكر ضحايا جرائم الحرب المرتكبة في مدينة القصير، تطالب بعودة سكانها إليها وبمحاسبة المتورطين بارتكابها وفي مقدمتهم بشار الأسد وقادته الأمنيين والعسكريين وقادة وعناصر ميليشيا حزب الله اللبناني، وتؤكّد أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي مما لا يسقط بالتقادم ولا بالتوافقات السياسية أيّاً كان شكلها أو الظروف التي أدّت لإنتاجها ، وتؤكّد على أن الحل السياسي الوحيد القابل للحياة في سورية هو الحل الذي يتضمّن محاسبة الجناة والاعتراف بحقوق الضحايا، وأن سياسة الإفلات من العقاب التي اتبعها المجتمع الدولي في التعامل مع جرائم الأسد الأب والابن لا تساهم إلا في تشجيع الجناة على ارتكاب المزيد من الجرائم وتزيد من صعوبة تحقيق العدالة الانتقالية في المجتمع، كما تطالب بإيجاد حل عادل للمأساة السورية المستمرة منذ أحد عشر عاما، ووضع حد لجميع الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري.