مقدمة:
ارتكبت قوات النظام الأسدي في مثل هذا اليوم 7 نيسان /إبريل عام 2018 إحدى أكبر مجازرها بحق الشعب السوري في مدينة دوما الواقعة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، بعد استهداف الأحياء السكنية للمدينة بالسلاح الكيماوي مما أوقع العشرات من الضحايا والمئات من المصابين.
فقد وقع الهجوم الكيماوي على دوما في إطار حملة عسكرية ضخمة شنَّتها قوات السوري المدعومة من الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية على الغوطة الشرقية منذ شباط/ 2018، نتج عنها سيطرة قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية على معظم بلدات الغوطة الشرقية.
قبيل الهجوم بعدة أيام حصل اتفاق يقضي بخروج بعض المدنيين وبعض مسلحي المعارضة بأسلحتهم الخفيفة من مدينة دوما وبقاء من يرغب في البقاء وتسوية وضعه، ثم تعثرت المفاوضات فجاء الهجوم الكيماوي كإجراء انتقامي للضغط على المعارضة السورية للرضوخ لعملية الخروج من المدينة وهذا ما تم بالفعل.
فقد سيطرت قوات النظام على دوما بعد 5 أيام من المجزرة، وخرج أبناء المدينة منها إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي البلاد.
أحداث المجزرة
شنَّ النِّظام الأسدي يوم السبت 7 نيسان/ إبريل 2018 هجومَين كيميائيَين شمال مدينة دوما، حيث وقع الهجوم الأول قرابة الساعة الثالثة عصراً قربَ مبنى فرن سعدة مما تسبب في إصابة ما لا يقل عن 15 شخصاً بأعراض ضيق في التَّنفس، بينما وقع الهجوم الثاني وهو الهجوم الأضخم قرابة الساعة الثامنة مساء، وذلك عندما ألقى الطيران المروحي التابع للنظام السوري برميلين متفجرين محملين بغاز سام على بنائين سكنيَين بالقرب من ساحة الشهداء في منطقة النُّعمان؛ قتل إثرَ ذلك 39 مدنياً قضوا خنقاً بينهم 10 أطفال، و15 امرأة، وأصيب قرابة 550 شخصاً بأعراض تنفسية وعصبية ، وتقدَّر المسافة بين موقعي الهجومين بـ 300م
تكدَّست أجساد الضحايا فوق بعضها البعض، وقد شخصت عيونهم وكسا اللون الأزرق وجوههم، وغطى الزبد أفواههم، وكان النظام قد استهدف قبيل الهجوم بساعات مشفى دوما التخصصي وشعبة الهلال الأحمر العربي السوري، كما استهدف بعد الهجوم سيارات الإسعاف والطرق المؤدية لمكان الهجوم.
أسماء ضحايا مجزرة الكيماوي في دوما الذين تمكنت اللجنة السورية لحقوق الإنسان من توثيق أسمائهم:
- محمد شهاب
- نور نصير
- قمر نصير
- الطفلة ندى الشيخ
- الطفل يوسف الشيخ
- محمود الشيخ
- الطفلة هبة الشيخ
- إسراء طعمة
- سارة الصمادي
- وليد رسلان
- الطفلة جودي الشيخ
- فاطمة قاروق
- حمزة حنن
- محمد الشيخ
- حسن الشيخ
- غادة حمو
- جوري بكرية
- علي بكرية
- قمر دياب بكرية
- هنادي بكرية
- هيثم بكرية
- إنصاف الحلاق
- محمد راتب بكرية
- هديل بكرية
- الطفلة جوري دياب بكرية
- الطفلة رهف بكرية
- سارة الطباخ
- أميرة حمو
- الطفلة جنا حنن
- الطفلة آسيا حنن
- تقى حنن
- الطفلة جودي الشيخ
- راتب بكرية
- محمد توفيق بكرية
- روضة طعمة
- آمون محمد ضاهر
منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وهجوم دوما 2018
أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يوم الجمعة 27 كانون الثاني /يناير2023 تقريرها الثالث بشأن هجوم دوما الكيماوي عام 2018، والذي خلص إلى أنّ نظام الأسد هو المسؤول عن الهجوم باستخدام اسطوانتين معبأتين بغاز الكلور السام، ألقتهما طائرة تتبع قوات النمر أقلعت من مطار الضمير بريف دمشق الشرقي، ما أدى لمقتل 43 شخصا وإصابة العشرات من المدنيين.
وخلص فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية (IIT)، إلى أنه “بين الساعة 19:10 والساعة 19:40 في 7 أبريل 2018، أثناء هجوم عسكري كبير يهدف إلى استعادة السيطرة على مدينة دوما، أسقطت طائرة مروحية واحدة على الأقل من طراز Mi-8/17 تابعة لسلاح الجو السوري، غادرت قاعدة الضمير الجوية وتعمل تحت سيطرة قوات النمر، أسقطت أسطوانتين صفراوين أصابت مبنيين سكنيين في منطقة وسط المدينة.
وأوضح التقرير أن الأسطوانة الأولى اصطدمت بسطح مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق دون أن تخترقه بالكامل، فتمزقت وأطلقت غاز الكلور السام بتركيزات عالية جداً، مما أدى إلى انتشاره بسرعة داخل المبنى، مما أسفر عن مقتل 43 شخصاً مذكورين بالاسم، وأصابت العشرات. أما الأسطوانة الثانية اصطدمت بسقف مبنى سكني من ثلاثة طوابق (غير مأهول في ذلك الوقت)، واخترقته، ما تسبب بتمزق الأسطوانة جزئياً فقط، وبدأت في إطلاق غاز الكلور ببطء، مما أثر بشكل طفيف في أولئك الذين وصلوا إلى مكان الحادث
وذكر التقرير أن “فريق التحقيق التابع للمنظمة فحص الأدلة المادية التي تم جمعها وتقديمها من قبل خبراء المنظمة والدول الأطراف وكيانات أخرى”.
وأشار إلى أن “الأدلة تضمنت 70 عينة بيئية وطبية حيوية و66 إفادة شهود وغيرها من البيانات التي تم التحقق منها، مثل تحليل الطب الشرعي وصور الأقمار الصناعية ونمذجة تشتت الغاز ومحاكاة المسار”.
وأوضحت المنظمة أن “فحص الأدلة جرى من قبل محققي ومحللي المنظمة والعديد من الخبراء المستقلين من خارجها”.
وجاء في التقرير: “استنادًا إلى التقييم الشامل استنتج فريق التحقيق التابع للمنظمة أنه مساء يوم 7 أبريل 2018، ألقت طائرة هليكوبتر واحدة على الأقل من قوات النمر (تابعة للنظام) أسطوانتين صفراء (اللون) تحتويان غاز الكلور السام على بنايتين سكنيتين بمنطقة مأهولة بالسكان في دوما ما أسفر عن مقتل 43 شخصا وإصابة عشرات”.
وقال مدير عام المنظمة فرناندو أرياس، إن “استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما أو في أي مكان أمر غير مقبول وبمثابة خرق للقانون الدولي، وأن العالم بات الآن يعرف الحقيقة وأن الأمر متروك الآن للمجتمع الدولي”.
وكانت الأمانة الفنية لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” منحت تفويضًا من قبل مؤتمر الدول الأطراف في حزيران 2018، لتحديد مرتكبي استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية.
فقد أصدرت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” تقريرها الأول في آذار 2019، أكدت فيه استخدام مادة “الكلور الجزيئي” خلال هجوم على مدينة دوما2018، بحسب العينات الطبية والبيئية التي حصلت عليها البعثة خلال تفتيشها للمنطقة المستهدفة، دون تحديد الطرف المسؤول عن الهجوم، وأشار التقرير إلى أن اسطوانتي الغاز اللتين عُثر عليهما في مكان الهجوم ألقيتا على الأرجح من الجو.
وفي تموز 2021 كشفت المنظمة الدولية في تقرير ثانٍ، أن نظام الأسد دمر اثنتين من أسطوانات الغاز السام، التي استخدمت في أثناء الهجوم الكيماوي على دوما.
وجاء في التقرير، أن النظام نقل اسطوانتي الغاز اللتين وجدتا في موقع المجزرة، على الرغم من تحذير منظمة حظر الأسلحة بالمساس أو فتح أو نقل أو تغيير الحاويات أو محتوياتها أو نقلها خارج أراضيها، بأي شكل من الأشكال دون الحصول على موافقة خطية مسبقة من الأمانة العامة للمنظمة.
وادعى النظام أن الاسطوانتين دُمرتا، إثر غارة جوية إسرائيلية على نفق كان مغلقًا تحت الأرض سابقًا في منشأة يشتبه أنها تحوي أسلحة كيماوية على بعد حوالي 60 كيلومترًا من المكان الذي فحصت فيه الأدلة، في 8 حزيران 2021.
وبحسب التقرير، لم تُخطر حكومة النظام الأمانة العامة للمنظمة، بنقل الأسطوانات إلى موقع جديد حتى أبلغت عن تدميرها.
وفي11آذار/ مارس 2022 صرحت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو أمام مجلس الأمن الدولي أن “الأمانة العامة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لم تحصل على المعلومات المطلوبة من سورية، وأن النظام السوري رفض إصدار تأشيرة دخول لأحد أعضاء فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ليستمروا بعملهم، وأن إعلان نظام الأسد عن إنهاء برنامجه الكيميائي “غير دقيق وغير كامل، إلى جانب وجود ثغرات وتناقضات في المعلومات التي قدمتها سوريا بما يتعارض مع متطلبات قرار مجلس الأمن رقم 2118.
القانون الدولي وكيماوي النظام
انتهك النظام الأسدي عبر استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما القانون الدولي الإنساني العرفي واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبشكل خاص القرارات رقم 2118 و2209 و2235، كما أنَّ استخدام الأسلحة الكيميائية يُشكل جريمة حرب وفقاً لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الرغم من مصادقة النظام الأسدي على اتفاقية حظر استخدام وتصنيع الأسلحة الكيميائية في أيلول/سبتمبر 2013 بعد التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدَّه على خلفية استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد في الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق في 21/ آب/ 2013، وبالتالي أصبح دولة طرف يحظر عليه استخدام أو تصنيع أو تخزين، بل عليه أن يدمر مخزونه من الأسلحة الكيميائية، لكنه عوضاً عن ذلك أعاد استخدامها بعد أن صادق عليها، مستخفا بالقانون الدولي والقرارات الدولية.
خاتمة:
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان نؤكد بأن غياب محاسبة النظام السوري عن جرائمه المرتكبة بحق الشعب السوري واستمراره في الإفلات من العقاب شجعه على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، فقد نفذت قواته أكثر من ثلاثمائة هجوم كيماوي في سورية حسب شبكات حقوقية متخصصة بعد قرارات مجلس الأمن، حيث نفَّذ بعدَ رقم 2118 قرابة 183 هجوماً كيميائياً وبعدَ القرار رقم 2209 قرابة 114 هجوماً وبعد القرار رقم 2235 قرابة 58 هجوماً.
ونؤكد بأن جرائم الحرب تلك لا تسقط بالتقادم، وأن محاولات نظام الأسد الحثيثة في إخفاء أدلة استخدامه للسلاح الكيميائي سواء عبر طمس الأدلة المادية، أو اعتقال الشهود وترهيبهم وابتزازهم بذويهم، لتضليل الرأي العام ومنع سير العدالة هي محاولات عبثية لا جدوى منها.
ونطالب المجتمع الدولي بالأخذ بنتائج التقرير الصادر عن فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية (IIT)) بخصوص هجوم دوما الكيماوي لعام 2018، وإحالة ملف استخدام الكيماوي لمحكمة الجنايات الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، والسعي الجاد والحقيقي لتحقيق العدالة لضحايا تلك الهجمات وتكون رادعاً لأي جهة قد تفكر مستقبلاً استخدام هذا السلاح.