أصدر مركز وصول لحقوق الإنسان ACHR يوم الخميس 16آذار/مارس 2023 تقريرا حقوقيا تحت عنوان (المداهمات الأمنية في لبنان: سلاح قانوني لانتهاك حقوق اللاجئين) يرصد فيه انتهاكات السلطات اللبنانية لحقوق اللاجئين السوريين من خلال المداهمات الأمنية التي تقوم بها دون مراعاة للدستور والقانون اللبناني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وجاء في التقرير أنه من خلال الشهادات والمعلومات التي وثقها المركز فإن ( تطبيق الإجراءات الأمنية ضد اللاجئين السوريين كثيرا ما تتسم بالتعسف والتمييز وعدم التناسب، مما أدى إلى نطاق واسع من انتهاكات حقوق الإنسان، وأن الجهات الأمنية لم تبذل جهوداً كافية لوضع آلية لوقف أنماط المداهمات وأعمال التفتيش التعسفي، والتي تسهل استمرار الانتهاكات الأخرى بحق اللاجئين، مثل الضرب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاعتقال التعسفي، والتعذيب)، التي وثقها مركز وصول في تقارير عديدة سابقة، وهذا يعني أن سبل الوصول للعدالة وجبر الضرر للضحايا ستكون صعبة للغاية.
داهمت قوات الأمن اللبنانية حسب التقرير منذ 2012 وحتى الآن مئات المخيمات وأماكن سكن اللاجئين في شتى أنحاء البلاد، في بعض الحالات كان ثمة أسباب مشروعة لرغبة السلطات في استجواب الأشخاص الذين تعرضت أماكن سكنهم للتفتيش، لكن في العديد من الحالات التي وثقها المركز كانت أسباب عمليات المداهمة والتفتيش محل شك ونفذت بشكل مخالف للقانون، كالمداهمة و التفتيش من دون وجود مذكرات قضائية، أوخارج الأوقات المسموح بها لمداهمة و تفتيش أماكن سكن المدنيين بموجب القانون اللبناني، أو استخدام القوة بشكل مفرط وغير قانوني، خلال تلك المداهمات.
وقد وثق مركز وصول ACHR أربع مداهمات أمنية لمساكن اللاجئين 2020، وأربعة مداهمات 2021، بينما ارتفع هذا العدد إلى ما لا يقل عن 15 مداهمة أمنية عشوائية في عام 2022 ، وعزا المركز انخفاض العدد عامي 2020 و 2021 إلى جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات للحد من انتشارها.
وقد تعرض سكان تلك المخيمات والتجمعات السكنية أثناء المداهمة والتفتيش، وخاصة الرجال للضرب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية والمهينة على يد قوات تتبع للجيش اللبناني، ومضايقات أخرى من شأنها الحط من كرامتهم الإنسانية بتُهم مختلفة، بما فيها الاتهام بـ “الإرهاب”، بسبب آراءهم السياسية في بلدهم الأم، وغالبا ما تكون عمليات التفتيش والمداهمة غير مبنية على أدلة مؤكدة، وتجري في سياق لا يخدم التحقيق. ولقد أدت عمليات مداهمة المخيمات والمجمعات السكتية وتفتيشها بصورة متكررة إلى آثار سلبية طويلة الأجل على الصحة العقلية والنفسية للأسر اللاجئة باكملها. ورصد التقرير خطاب الكراهية والألفاظ التمييزية التي تستخدمها عناصر القوى الأمنية ضد اللاجئين وتواجدهم في لبنان، من بين الانتهاكات التي تنتج عن عمليات التفتيش والمداهمات الأمنية.
وعادة ما تتم عمليات التفتيش والمداهمات الأمنية حسب التقرير بشكل عشوائي ومفاجئ، من دون سابق إنذار وفي أي وقت، وفي بعض الحالات تقوم الدورية بكسر الأبواب وتحطيم الأثاث، وعادةً ما تتكون الدورية من ثلاث مدرعات عسكرية، يتراوح عدد العناصر المسلّحة فيها بين 8 إلى 15 عنصراً، كما تتعرض مخيمات اللاجئين لعمليات المداهمة بصفة أسبوعية تقريبا بمختلف المناطق اللبنانية التي تتواجد فيها مخيمات أو أماكن سكنية للاجئين على أيدي عناصر أجهزة أمن الدولة، حيث يأتون عادة ليلاً ، ويتم مداهمة المخيم بشكل تدريجي وتفتيشه خيمة بخيمة، وكل غرفة على حده في المجمعات السكنية، يتم التأكد من صحّة وصلاحية وثائق اللاجئين الرسمية. وتترقب المخيمات المجاورة دورها في عملية المداهمة والتفتيش في حالة قيام الأمن بمداهمة أي مخيم بشكل تعسفي، وذلك في أجواء من التوتر والخوف الشديد وعدم الاستقرار المجتمعي. وتستخدم القوى الأمنية اللبنانية بعض عمليات التفتيش والمداهمات الأمنية كوسيلة لترحيل اللاجئين إلى سورية. ووثق التقرير 297 حالة اعتقال تعسفي استهدفت مخيمات اللاجئين وتجمعاتهم السكنية في الفترة بين 2019-2022. بينما سجل المركز خلال العامين الأخيرين 2021-2022 اعتقال حوالي 420 لاجئاً، بينما شهدت الفترة حالة 76 حالة اختفاء قسري.
كل ذلك يجري بمخالفة المادة 14 من الدستور اللبناني التي تنص على حرمة المنزل، والمادة 571 من قانون العقوبات والمادة 33 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني. إضافة لانتهاك عدد من الصكوك الدولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان حماية الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
وشدد مركز الوصول لحقوق الإنسان في تقريره على أن استخدام القوة في عمليات إنفاذ القانون يجب أن يكون محدوداً للغاية وتحكمه القواعد والمعايير الدولية، كما دعا لمحاسبة المسؤولين عن أي انتهاكات تحدث خلال عمليات مداهمات أماكن سكن اللاجئين السوريين، ومراجعة السياسات والإجراءات المتعلقة باستخدام القوة لتجنيب حدوث أي انتهاكات مستقبلية، ودعا إلى تدريب جميع القوى الأمنية المشاركة في هذه المداهمات.
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان نطالب السلطات اللبنانية بالأخذ بمخرجات تقرير مركز وصول لحقوق الإنسان وتطبيقها، ونطالبها بإبعاد ملف اللاجئين السوريين عن التجاذبات السياسية، وبالتوقف الكامل عن انتهاك حقوق اللاجئين السوريين، ومحاسبة مرتكبيها، وتعويض ضحايا تلك الانتهاكات وإنصافهم. ونطالب المجتمع الدولي بالطلب من الحكومة اللبنانية بالوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين السوريين، وضمان آلية لعدم انتهاك حقوقهم ومحاسبة من يقدم على ذلك وفق آلية محايدة ونزيهة.