أعادت السلطات اللبنانية مئات اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى سورية يوم الأربعاء 26تشرين الأول /أكتوبر 2022، فيما تسميه بالعودة الطوعية، حيث تجمع نحو 700 سوري في الصباح الباكر بمنطقة حدودية مقفرة في شمال شرقي لبنان، ومعهم حقائبهم وما استطاعوا حمله من أغراضهم، وتوجهوا نحو الداخل السوري.
وتقول السلطات اللبنانية إن عمليات إعادة اللاجئين تتم طوعيا، في إطار برنامج ينسقه جهاز الأمن العام اللبناني مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لنظام الأسد.
و كان وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين قد أعلن في تموز/ يوليو الماضي، عن رفضه عدم عودة اللاجئين السوريين إلى سورية بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة للعودة-على حد زعمه-، وذلك ضمن اقتراحه خطة الدولة اللبنانية التي تقوم على إعادة15000 لاجئ شهريا.
وتشكل هذه الخطة فيما لو تم الاستمرار بتنفيذها انتهاك خطير لحقوق اللاجئين السوريين في لبنان، وخرق صريح لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي للاجئين، والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، والقانون الدولي العرفي، حيث ينصّ هذا المبدأ على أن لكلّ فرد يدخل أراضي دولة أخرى، حتى وإن كان بطريقة غير مشروعة، الحقّ في تقديم طلب الحصول على لجوء والحق في سماع قضيته. وحتى في حال رفض طلب اللجوء، يحظر على السلطات رغم ذلك إعادته إلى أراضٍ تتهدّد فيها حياته أو حريته. ومن أجل إجبار شخص على مغادرة أراضي دولة اللجوء الأول، لا بدّ من وجود بلد ملجأ ثان (يعرف باسم البلد الآمن) يكون مستعدًا لاستقبال اللاجئ.
وتنص معظم النصوص الدولية والإقليمية ذات الصلة بوضوح على هذا المبدأ، ومنها:
- إعلان الأمم المتحدة بشأن اللجوء الإقليمي الصادر في عام 1967 (المادة 1-3)
- الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة لعام 1954 المعني بوضع عديمي الجنسية (المادة 4(
- اتفاقيّة منظمة الوحدة الأفريقية المنظمة للجوانب الخاصة بمشاكل اللاجئين في أفريقيا (المادة 3-2(
- الاتفاقية الأمريكية المتعلقة بحقوق الإنسان لعام 1969 (المادة 22-8(
- اتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لعام 1984 (المادة 3)، وتحظر هذه المادة بوضوح إعادة شخص ما إلى دولة حيث يوجد سبب يدعو إلى الاعتقاد بأنه قد يتعرّض فيها لخطر التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة (بما في ذلك الاغتصاب (
- اتفاقيّة 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين (المادة 33) التي تنصّ على أنه: لا يجوز لأي دولة موقعة طرد أو إعادة لاجئ بالقوة بأي طريقة كانت إلى حدود أراضٍ قد تتعرّض فيها حياته أو حريته للخطر لأسباب عرقية أو دينية أو قومية أو بسبب انتمائه لعضوية مجموعة اجتماعية معينة أو رأي سياسي
- بروتوكول حقوق اللاجئين عام 1967في مادته الرابعة
وقد تعرض الكثير من اللاجئين السوريين المرحلين قسرا أو العائدين طوعا من لبنان لسورية لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له. حيث خلص تقرير تحت عنوان” حياة أشبه الموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن” الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في تشرين الأول 2021، إلى أن سورية ليست آمنة للعودة، فمن بين 65 شخصا من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلتهم المنظمة، وثقت هيومن رايتس ووتش 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعومة ،فيما أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “أن سورية غير آمنة وأنها لن تسهل عمليات العودة الجماعية في غياب شروط الحماية الأساسية”
وتجدر الإشارة أنّ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان يبلغ 1.5 مليون تقريباً، ونحو 900 ألف منهم مسجّلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معظمهم يعانون أوضاعاً معيشية صعبة، إلا أنّ المفوضية تقدّم الدعم للعائلات “الأكثر فقراً، على حدِّ وصفها، في حين تعتمد العائلات المتبقية على المساعدات والمداخيل الزهيدة التي يحصل عليها العمّال السوريون في لبنان.
وتتسم حياة الكثير من اللاجئين السوريين في لبنان بالخوف والترهيب المستمر ومشاعر اليأس، وخاصة في ظل خطابات الكراهية والعنصرية الصادرة عن طيف من السياسيين اللبنانيين والتي تلقي باللائمة حول انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان على اللاجئين السوريين وتهددهم بشكل دائم بالطرد والترحيل لسورية حيث ينتظرهم الموت والاعتقال.
وقد اعتمدت السلطات اللبنانية عدة سياسات صارمة وقرارات تعجيزية للضغط على اللاجئين السوريين بهدف عودتهم إلى سورية، منها فرض حظر التجول، وتدمير المساكن في المخيمات، وإجراءات الترحيل القسري أو الإخلاءات القسرية من مناطق إقامتهم، إضافة إلى تضييق شروط تجديد الإقامة، كما تبنى لبنان العديد من التصريحات الرسمية المطالبة بعودة اللاجئين.
وعلى الرغم من أن لبنان غير موقّع على اتفاقية عام1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إلا أن ذلك لا يعفيه من التزاماته الأخرى على الصعيد الدولي. فالمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن” لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها هربًاً من الاضطهاد”. بينما المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحرم الترحيل القسري وتنص على التالي: “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقًا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم”. أما المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب 1984فتنص على أن “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده، أو تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو للاعتقاد بأنه تحت خطر التعرض للتعذيب “، كما تمنع المادة 31 من قانون تنظيم الدخول الى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر عام 1962 ترحيل اللاجئ السياسي الى أرض دولة يخشى فيها على حياته أو حريته
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان إذ ندين الخطة الحكومية اللبنانية بترحيل اللاجئين السوريين، ونحذر من خطورتها على حياة آلاف السوريين المعرضين لخطر الاعتقال والتعذيبوالاختفاء في سجون النظام في حال إعادتهم إلى سورية في الظروف الحالية ونطالب بوقفها فورا، ونطالب المجتمع الدولي وخاصة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتحرك الفوري والسريع بالتواصل مع السلطات اللبنانية والضغط عليها لوقف كافة الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين وخاصة خطة الترحيل القسري التي بدأت بتنفيذها، واحترام كافة التزاماتها وتعهداتها الدولية.