تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عن قيام السلطات اليونانية باتخاذ مستودع كبير قرب الحدود البرية التركية على نهر إيفروس، وتحويله إلى سجن سرّي يتم فيه اعتقال وتعذيب وسرقة المهاجرين واللاجئين القادمين من تركيا، ولا سيما السوريون باتجاههم إلى أوروبا.
حيث قامت السلطات اليونان بتحويل مستودع في إحدى المناطق الزراعية بأطراف قرية تايتشيرو، ويبعد بضعة كيلومترات عن نهر إيفروس الفاصل بين تركيا واليونان.
فقد تمكن أحد اللاجئين السوريين من إخفاء هاتفه بعد اعتقاله وقام بتصوير السجن بشكل سري، والذي يضم مجموعة من الزَنازين يُحتجز فيها اللاجئون ويجردون من ممتلكاتهم وثيابهم وأموالهم وأوراقهم الثبوتية ويتعرضون للضرب والتعذيب والحرمان من الطعام والشراب قبل أن يرموا إلى الضفة المقابلة من النهر.
ويعتبر نهر “إيفروس” الممتد بطول 530 كيلومترًا، الطريق الواصل بين مدينة أدرنة في الجهة الشمالية الغربية من الجزء الأوروبي لتركيا واليونان، ما يجعله ممرًا لعشرات طالبي اللجوء.
انتهاكات خطيرة متكررة
يتعرض اللاجئون السوريون إلى العديد من الانتهاكات من قبل السلطات اليونانية، أثناء محاولتهم عبور أراضيها باتجاه بلدان اللجوء. حيث تستخدم القوات اليونانية القوة المفرطة والذخيرة الحية والاحتجاز غير القانوني ضد طالبي اللجوء، وسلب ممتلكاتهم الشخصية ، وإجبارهم على العودة إلى تركيا من خلال قذفهم على الحدود بطرق غير إنسانية، وضربهم بشكل مبرح، وتكسير أطرافهم بالعصي والهراوات، واستخدام الكلاب البوليسية لتخويفهم.
كما وضعت السلطات اليونانية جهازين إلكترونيين قادرين على إصدار موجات صوتية قوية تتسبب بصم الآذان لاستخدامهما ضد اللاجئين الذين يحاولون العبور الى الأراضي اليونانية في منطقة مرج على الحدود مع تركيا. ويعمل الجهازان وفق الموجات الصوتية بعيدة المدى (LRAD)، والمستخدمة في المجالات المدنية والعسكرية في جميع أنحاء العالم، وتتسبب هذه الموجات بصم الآذان ومشاكل صحية أخرى عند استخدامها ضد الأشخاص.
تقارير حقوقية ترصد انتهاكات اليونان لحقوق اللاجئين
أكدت تقارير حقوقية متعددة أن القوات اليونانية تتعامل بعدوانية غير مبررة مع طالبي اللجوء، عبر استخدام أدوات حادة لإغراقهم مع قواربهم، وإطلاق النار والتهديد بالسلاح في عمليات الصد والإرجاع، ما يمثل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان.
حيث قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن أدلة قوية توفرت تفيد بارتكاب اليونان انتهاكات حقوق الإنسان من خلال دفعها طالبي اللجوء نحو تركيا.
بينما أكدت منظمة العفو الدولية أن قوات الحدود اليونانية تحتجز مجموعات من اللاجئين والمهاجرين بأسلوب عنيف، وبصورة غير قانونية، ثم تعيدهم إلى تركيا على الفور، مما يخلّ بالتزاماتها إزاء حقوق الإنسان بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.
وأكدت هيومن رايتس ووتش إنه يتعيّن على اليونان والاتحاد الأوروبي وتركيا اتخاذ عدة خطوات عاجلة لمواجهة الاعتداءات عند الحدود اليونانية-التركية، وطالبت بتقريرها اليونان السماح بدخول الأشخاص الباحثين عن الحماية على حدودها، وتقييم طالبات لجوئهم بشكل عادل وفعّال. وأنه يتعيّن على المفوضية الأوروبية حث اليونان على إتاحة إجراءات اللجوء للأشخاص الذين يدخلون اليونان من تركيا بشكل غير نظامي، والكف عن عمليات الإعادة الجماعية إلى تركيا، والضغط على السلطات من أجل محاكمة المسؤولين المسيئين.
ودعت مفوّضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا اليونان إلى التحقيق في الادعاءات حول الاعتداءات اليونانية عند الحدود التركية، في ظلّ معلومات تشير إلى أن هذه الاعتداءات باتت “ممارسة راسخة”.
كما أن خوان لوبيز، رئيس لجنة الحريات المدنية بالبرلمان الأوروبي أشار برسالة إلى مفوضي الهجرة وحقوق الإنسان في المفوضية الأوروبية، مارغريتيس شيناس، وفيرا جوروفا وإيلفا جوهانسون بأن عشرات الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية الدولية أعادتهم اليونان إلى تركيا من منطقة الحدود البرية لنهر ميريتش، مؤكداً أن الوضع تصاعد في الأشهر الأخيرة ،وأن “الخسائر في الأرواح، والمعاملة اللاإنسانية، والحرمان من الوصول إلى إجراءات اللجوء والإعادة القسرية بمشاركة مسؤولي الشرطة اليونانية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ودعا لوبيز مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة تحمل المسؤولية وإدانة أي استخدام للعنف ضد طالبي اللجوء.
اعتداءات تنتهك القانون الدولي والأوربي لحقوق الإنسان
تشكل سياسات اليونان تجاه اللاجئين إخلالا بالتزاماتها القانونية الدولية حيث تنص المادة 14 من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد، والمادة 3 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي تنص على أنه لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب ،و المادتان الثانية والثالثة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان اللتان تنصان على الحق في الحياة لكل إنسان، دون إخضاعه للتعذيب أو معاملته بشكل مهين ،،كما تخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني والعرفي والبروتوكول الأول من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
كما أن عمليات الإعادة القسرية تنتهك العديد من معايير حقوق الإنسان، بما في ذلك حظر الطرد الجماعي بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والحق في الإجراءات القانونية الواجبة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحق في طلب اللجوء بموجب قانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي وميثاق الاتحاد الأوروبي.
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان نطالب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بفتح تحقيق حول عنف السلطات اليونانية وممارساتها غير القانونية بحق طالبي اللجوء على حدودها مع تركيا، والتحقيق حول سجون اللاجئين على الحدود
ونطالب السلطات اليونانية بالالتزام بالاتفاقيات الدولية والتوقف عن تهديد حياة اللاجئين السوريين الفارين عبر البر والبحر إلى أوروبا والسماح لهم بالعبور إلى مقصدهم لينالوا قسطاً من الأمان وليستأنفوا حياة مثمرة، وإطلاق سراح اللاجئين الموقوفين لديها فورا.
كما ندعو الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد آلية عملية للتعامل مع أزمة اللجوء، بما يضمن معاملة كريمة للاجئين، ومراقبة الانتهاكات التي تحصل في الدول المستقبلة لهم.