أجرت بلدية الدكوانة اللبنانية الواقعة في قضاء المتن في محافظة جبل لبنان عمليات مداهمة وتوقيف تعسفي لبعض السوريين وعائلاتهم، بالرغم من أن بعضهم مسجل لدى المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويقيم ضمن نطاق البلدية.
وبعد توقيفهم في مخفر البلدية، صُودرت هوياتهم وإقاماتهم، وأي أوراق ثبوتية بحوزتهم، مع التهديد بعدم إرجاعها في حال عدم التوقيع على التعهد بالعودة لسورية في خرق واضح لقانون التعذيب رقم “65”، والمادة الثالثة من معاهدة “الوقاية من التعذيب”، التي صادق عليها لبنان.
فقد تعرض الكثير من اللاجئين السوريين المرحلين قسرا أو العائدين طوعا من لبنان لسورية لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له. حيث خلص تقرير تحت عنوان” حياة أشبه الموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن” الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في تشرين الأول 2021، إلى أن سورية ليست آمنة للعودة، فمن بين 65 شخصا من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلتهم المنظمة، وثقت هيومن رايتس ووتش 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعومة ،فيما أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “أن سورية غير آمنة وأنها لن تسهل عمليات العودة الجماعية في غياب شروط الحماية الأساسية”
وتجدر الإشارة أنّ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان يبلغ 1.5 مليون تقريباً، ، ونحو 900 ألف منهم مسجّلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معظمهم يعانون أوضاعاً معيشية صعبة ، إلا أنّ المفوضية تقدّم الدعم للعائلات “الأكثر فقراً، على حدِّ وصفها، في حين تعتمد العائلات المتبقية على المساعدات والمداخيل الزهيدة التي يحصل عليها العمّال السوريون في لبنان.
تتسم حياة الكثير من اللاجئين السوريين في لبنان بالخوف والترهيب المستمر ومشاعر اليأس، وخاصة في ظل خطابات الكراهية والعنصرية الصادرة عن طيف من السياسيين اللبنانيين والتي تلقي باللائمة حول انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان على اللاجئين السوريين وتهددهم بشكل دائم بالطرد والترحيل لسورية حيث ينتظرهم الموت والاعتقال.
وقد اعتمدت السلطات اللبنانية عدة سياسات صارمة وقرارات التعجيزية للضغط على اللاجئين السوريين بهدف عودتهم إلى سورية، منها فرض حظر التجول، وتدمير المساكن في المخيمات، وإجراءات الترحيل القسري أو الإخلاءات القسرية من مناطق إقامتهم، إضافة إلى تضييق شروط تجديد الإقامة، كما تبنى لبنان العديد من التصريحات الرسمية المطالبة بعودة اللاجئين.
حيث جدد الرئيس اللبناني “ميشال عون” الشهر الماضي، خطابه العنصري ضد اللاجئين السوريين في لبنان، زاعماً أن بلاده لم تعد قادرة على تحمل أعباء وأحمال النزوح السوري، معتبراً أن أخطر تحديات الأزمات الراهنة، هي الهجرة الكثيفة إلى الخارج للنخب اللبنانية. بينما قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، منذ أيام “يجب ترحيل السوريين الذين لا يملكون بطاقات لجوء، داعياً إلى التنسيق مع نظام الأسد فيما يخص ذلك “. وأضاف ” أن من لا يملك بطاقة لجوء في لبنان يجب ترحيله إلى سورية، وكذلك السجناء من الجنسية السورية يجب أن يتم ترحيلهم، ولكن الحكومة اللبنانية لا تجتمع الآن لاتخاذ قرار بالتنفيذ، وأن على الحكومة أن تكلف مدير الأمن اللبناني اللواء عباس إبراهيم أو غيره بالذهاب إلى سوريا لمعالجة ملف اللجوء”.
وعلى الرغم من أن لبنان غير موقّع على اتفاقية عام1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إلا أن ذلك لا يعفيه من التزاماته الأخرى على الصعيد الدولي. فالمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن” لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها هربًاً من الاضطهاد”. بينما المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحرم الترحيل القسري وتنص على التالي: “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقًا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم”. أما المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب 1984فتنص على أن “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده، أو تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو للاعتقاد بأنه تحت خطر التعرض للتعذيب “، كما تمنع المادة 31 من قانون تنظيم الدخول الى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر عام 1962 ترحيل اللاجئ السياسي الى أرض دولة يخشى فيها على حياته أو حريته.
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان إذ ندين هذه الانتهاكات المرتكبة بحق اللاجئين السوريين في لبنان نطالب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتحرك الفوري و السريع في متابعة ملفات الأشخاص المعرضين للترحيل مع السلطات اللبنانية، وبالتركيز على المخاطر التي قد يتعرضون لها في سورية، وتفعيل الاستجابة السريعة في تقديم المساعدات القانونية للموقوفين وخاصةً الأشخاص المعرضة حياتهم للخطر كما نطالب السلطات اللبنانية بما يلي :
- الوقف العاجل والفوري لجميع التصريحات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين.
- تحييد اللاجئين السوريين عن المناكفات السياسية
- محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين.
- إلغاء كافة القرارات التمييزية الصادرة عن البلديات
- إلغاء القرار الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع رقم 50 الصادر بتاريخ 15 نيسان/أبريل 2019 وقرار المدير العام للأمن العام رقم 43830 الصادرتاريخ 13 أيار/مايو 2019 والقاضيين بترحيل المقيمين السوريين الداخلين إلى لبنان عبر المعابر غير الرسمية.
- منح جميع اللاجئين المقيمين على الأراضي اللبنانية الحق في طلب إقامات قانونية، والحق بالطعن بقرار الرفض من دون فرض شروط تعجيزية تحرمهم من ممارسة هذا الحق.