ضحية جديدة تحت التعذيب في سجون الأسد بعد أيام من إصداره القانون 16 لتجريم التعذيب
سُلمت عائلة الشاب محمد عمار الزعبي جثة ابنها، بعد أن قضى تحت التعذيب في سجن صيدنايا في ريف دمشق، بعد خمسة أيام فقط من إصدار رئيس النظام السوري القانون رقم16“لتجريم التعذيب”، فقد بقي الزعبي (24 عاماً)، قرابة أربع سنوات في السجن بعد أن اعتقل على أحد الحواجز العسكرية ولم يسبق له الانضمام لأي تشكيل عسكري.
ُسُلمت عائلة الزعبي جثمان ابنها، ودفنته في مقبرة تل السمن شمالي مدينة طفس بريف درعا الغربي.
وكانت عائلة الزعبي قد دفعت مبالغ مالية وصلت إلى 30 ألف دولار أمريكي لضباط من النظام، بهدف معرفة مصيره، لكن دون جدوى لينضم لقافلة طويلة من الضحايا في سجون النظام.
وهذا ما حذرنا منه في اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أصدرناه منذ أيام عن القانون رقم 16 لتجريم التعذيب بأن النظام السوري قد أصدر هذا القانون لذر الرماد في العيون ومحاولة بائسة منه لإعادة تعويمه وعودته للحظيرة الدولية فقط، دون أن أي نية حقيقية لاحترام وحماية حقوق الإنسان ، إذ أن النظام قد مارس التعذيب بشكل ممنهج و واسع النطاق لسنوات طويلة على الرغم من حظر التعذيب في دستور 1973 ودستور 2012، والنص في كليهما على قدسية حقوق الإنسان، و مع ذلك بقي مجرد حبر على ورق ، فقد وفر النظام لأفراد أجهزته الأمنية الحماية القانونية من الملاحقة القضائية عن مختلف الجرائم التي تصدر عنهم بالمرسوم المرسوم 14 لعام 1969 الذي ينص على منع ملاحقة أي من العاملين في المخابرات العامة، عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ مهماتهم، أو في معرض قيامهم بهذه المهمات، إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير، والمرسوم 69 لعام 2008 الذي يجعل أمر ملاحقة عناصر الشرطة وشعبة الأمن السياسي والجمارك، مقيدًا بصدور قرارٍ عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.
وتجدر الإشارة بأن شبكات حقوقية وأممية قد وثقت مقتل ما لا يقل عن 14 ألفاً و449 شخصاً تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام منذ بداية الثورة السورية عام 2011 مع اعتقادنا الجازم أن هذا الرقم لا يمثل سوى عدد قليل من الضحايا الذين قتلوا تحت التعذيب او ماتوا في غياهب المعتقلات ومراكز التحقيق بسبب المعاملة الأشد سوءاً في تاريخ الإنسانية.
ويجرم القانون الدولي لحقوق الإنسان التعذيب بشكل صريح، حيث تنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: “لا يُعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”، أما المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنها تنص على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجارب طبيةٍ أو علميةٍ على شخص دون رضاه. وبدوره يحظر القانون الإنساني الدولي التعذيب، فاتفاقيات جنيف الأربع تنص على ذلك، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، فقد نصت المادتان 31 ــــ 32 منها على حظر ممارسة أي إكراهٍ مادي أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين خصوصًا بهدف الحصول على معلومات منهم أو من غيرهم، إضافة إلى حظر كل التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص، ولا يقتصر هذا الحظر على التعذيب أو القتل والتجارب الطبية العلمية بل يشمل كل الأعمال الوحشية الأخرى.
وتحظر التعذيب كذلك المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف المتعلقة بالنزاع المسلح غير الدولي، كما يؤكد على منع التعذيب البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف في المادة 75، والبروتوكول الإضافي الثاني في المادة 4 منه.
أما القانون الجنائي الدولي فهو بدوره نص على منع التعذيب، فقد اعتبرت المادة 7 في فقرتها الأولى من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية فعل التعذيب جريمةً ضد الإنسانية متى ارتكبت في هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم، كما اعتبرت المادة 8 منه التعذيب جريمة حرب، وبالخصوص إذا تم التعذيب في حالة النزاع المسلح غير الدولي، كانتهاك للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ولا يقتصر التعذيب هنا على العنف المادي بل إنه يشمل المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
وجاءت “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984 لتمنع التعذيب منعًا مطلقًا وطالبت المادة (4) من الاتفاقية بأن: “تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤ ومشاركة في التعذيب”، وأن: “تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة”.
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان- وبعد ثبوت تورط النظام السوري بتعذيب عشرات الآلاف من السوريين حسب تقارير أممية وحقوقية في سجونه منذ العام 2011 بشكل ممنهج وواسع النطاق وكان آخر ضحاياه الشاب محمد عمار الزعبي- لا يمكننا القول إلا أن القانون رقم 16 لعام 2022 ما هو إلا نكتة سمجة صادرة عن نظام مجرم مكانه الطبيعي في ساحات المحاكم وخلف القضبان.
لذلك نطالب المجتمع الدولي بالضغط الحقيقي على النظام وداعميه للتوقف الكامل عن عمليات التعذيب الممارسة بحق المعتقلين والإفراج الفوري عنهم، والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسريا، والسماح بالوصول إلى مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء سورية من قبل مراقبين مستقلين، ومحاكمة جميع مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري.