حقر الله الأسد وزبانيته ومخابراته ونظامه
مهما حاولت ان انسى عذابات ومعاناة اعتقالى فى المخابرات الجوية عام 2013 ناشدا السلام الداخلى النفسى ، تقفز الى ذاكرتى قوقعة مصطفى خليفة ، فأرانى أمام مجموعةٍ من المعتقلين سيقت من الفرع الامنى الى السجن
كانت حفلة الاستقبال لهم عقب وصولهم ، كانوا اثنين من العسكريين عميد وملازم واكثر من عشرة بين طبيب ومهندس ، واكثر من ثلاثين يحملون شهادات جامعية .
حملة الشهادات الجامعية فى هذا المكان المظلم فى زمنٍ يصدحُ فيه النظام بضرورةِ العلم واهميته فى بناءالوطن وتقدمه .
وقف المساعد بجانب البالوعة … ثم صرخ :
– جيبوا لى سيادة العميد !
وفى لحظات انقض اكثر من عشرة من الشرطة العسكرية على العميد واحضروه الى امام المساعد .
– كيف حالك سيادة العميد
– الحمد لله الذى لا يُحْمد على مكروهٍ سواه
– شو سيادة العميد مانك عطشان ؟
– لا ، شكراً .
– بس لازم نشرّبك ، يعنى نحن عرب والعرب مشهورين بالكرم ، يعنى لازم نقدم لك ضيافة ، مو مشان شى ، مشان واجبك !
بعد لهجة الاستهزاء والسخرية ، وبعد صمتٍ لم يدم طويلاً انتفض المساعد وصاح بصوتٍ زاعق :
– شايف البالوعة .. انبطح واشرب منها حتى ترتوى .. ياللا ولا كلب
– لا ماراح اشرب
وكأنّ ماساً كهربائياً أصاب المساعد ، وباستغرابٍ واضحٍ صاح :
– شو شو شو ! ما بتشرب ؟
عندها التفت الى عناصره ولا زال وجهه ينطق بالدهشة :
– شرّبوه ! شرّبوه على طريقتكن ولا كلاب ، تحركوا لشوف !
العميد عار الا من السروال الداخلى ، حاف ، وبلحظاتٍ قليلةٍ اصطبغ جسده بالخطوط الحمراء والزرقاء ، اكثر من عشرة عناصر انقضوا عليه تناوشوه ، عصىّ غليظة ، كوابل مجدولة ، اقشطة مراوح الدبابات .. كلها تنهال عليه من جميع الجهات .
من اول لحظة بدأ العميد يقاوم ، يضرب بيديه العنصر الذى يراه امامه ، اصاب بعضهم بضربات يديه ، كان يلكم ، يصفع ، يحاول جاهداً أن يمسك بواحدٍ منهم .
تزداد ضراوتهم ..
خيوط الدم تسيل من مختلف انحاء جسمه .
تمزق السروال وانقطع المطاط ، واضحى العميد عارياً تماماً .
بعد قليل تدلّت يداه الى جانبيه وأخذتا تتأرجحان !
( سمعت صوتاً خلفى هامساً : انكسروا ايديه ! يالطيف ! هالعميد يا رجّال كتير يا مجنون ! )
ومع الضرب بدؤوا يحاولون أن يبطحونه ارضاً ، العميد يقاوم ، يملص من بين ايديهم ، تساعده دماؤه التى جعلت جسده لزقاً !
تكاثروا عليه ، وكلما نجحوا فى إحنائه ينتفض ويتملّص من قبضاتهم ، وبعد كل حركة تزداد ضراوة الضرب .
رأيت هراوةً غليظةً ترتفع من خلف العميد وتهوى بسرعة البرق ، سمعتُ صوت ارتطامها برأس العميد .
صوتٌ لا يشبهُ اىّ صوتٍ آخر ، حتى عناصر الشرطة العسكرية توقفوا عن الضرب ! شُلّوا لدى سماعهم هذا الصوت لثوانٍ .
تراجع صاحب الهراوة خطوتين الى الوراء جامد العينين
العميد دار ربع دورة كأنه يريد أن يلتفت إلى الوراء لرؤية ضاربه ، خطا خطوةً واحدةً ، وعندما همّ برفع رجله الثانية انهار مكتوماً على الاسفلت الخشن . وشق صوت المساعد القوىّ الصمتَ :
– يا للا يا حمير .. اسحبوه وخلّوه يشرب !
سحبوا العميد ، التفت احدهم الى المساعد وقال :
يا سيدى هذا غايب عن الوعى ، شلون بدو يشرب ؟
– حطوا راسه بالبالوعة بيصحى وبعدين شرّبوه
وضعوا رأس العميد بمياه البالوعة ولكنه لم يصْحَ :
– ياسيدى يمكن أعطاك عمره
– الله لا يرحمه ، اسحبوه لنصّ الساحة وزتّوه هنيك …
( وتم ما اراد )
ثم صاح المساعد :
– جيبوا لى هالكر الحقير الملازم لهون
وبعد ان اصبح الملازم امامه :
شو يا حقير ، بدك تشرب والا لأ ؟
– حاضر سيدى بشرب
انبطح الملازم على الاسفلت أمام البالوعة ، غطّس فكّيه فى مياه البالوعة . وضع المساعد حذاءه العسكرى على رأس الملازم المنبطح ، ضغطهُ الى الاسفل قائلاً :
– ما بيكفى هيك لازم تشرب وتبلع ، ثم تابع حديثه للعناصر :
وهلق خدوا هالكلب على التشريفة ، بدّى يكون الاستقبال تمام
الملازم الذى شرب وبلع المياه القذرة بصاق مخاط بول قاذورات أخرى … أُلْقٍىَ على ظهرهِ بسرعةٍ مذهلةٍ ، ووضع اثنان منهم قدميه فى حبل الفلقةِ ، لفّوا الحبل على كاحليه ، ورفعوا قدميه الى الاعلى .. القدمان مشرعتان فى الهواء .. وتوزع ثلاثةٌ منهم تهوى كرابيجهم على القدمين بتناغمٍ عجيبٍ ، دون ان تعيق احدى الكرابيج الاخرى .
تلوّى جسدُهُ يحاول خلاصاً ولكن دون جدوى .. وازداد صراخُ الملازم واستغاثته ، انتبه المساعد ….
توجه المساعدُ مسرعاً باتجاهه ، وكلاعب كرة قدمٍ وجّه مقدّمةَ بوطه الى رأس الملازم وقذف الكرة !!!!
صرخ الملازم صرخةً حيوانيةً ، صرخةً كالعواء …. استنفر المساعد اكثرَ ، سحق فم الملازم بأسفل البوط !
العناصر يواصلون عملهم على قدمى الملازم ، والمساعد يواصل عمله سحقاً .. الرأس الصدر البطن ، رفسات على الخاصرة مع صياحه بالسباب والاتهام بالعمالة لامريكا واسرائيل .
وبعد قليل من ازدياد العنف والشراسة ، استغاثات الملازم تخفتُ شيئاً فشيئاً
وتمدّد الملازم الى جانب العميد ( فارق الحياة )
كلهم الاطباء والمهندسون والمحامون واساتذة الجامعة وحتى المخرج السينمائى مصطفى خليفة شربوا وبلعوا
لا يمكن وصف الطعم ، والغريب ان لا احدٌ من كلّ الشاربين تقيّأ !
لماذا البالوعة ؟ هل تعنى الذلّ والاحتقار أم القذارة أم تحطيم النفس البشريّة وتجريدها من انسانيتها ؟
لماذا كل هذا الحقد ؟
من هنا فهمتٌ من سجن تدمر انه تدميرٌ للانسان الذى رفض الذلّ والعبوديّة لأسرةٍ طاغيةٍ متجبّرةٍ
لا ايها الاسد … لن يشربَ احدٌ بعد اليوم من تلك البالوعةِ ، سندافع عن كرامتنا وحريتنا المسلوبة منذ عقودٍ مثل العميد الذى دافع عن كرامته حتى آخر لحظةٍ من حياته
…………….
وافيقُ من ذكرياتى تلك .. كانت السياط ترتفع وتهوى على قدمىّ المتورمتين ، وكلما نزلتْ على جسدى اتوقعُ أننى حتماً سأموت
لم يبقَ لى طاقةٌ لتحمّلِ مزيدٍ من الالم ..
يا رب دعنى أموت ، أتمنى الموتَ صادقاً ، حتى الموت لا استطيع الحصول عليه
السياط ترتفع وتهوى ..
الغمامةُ الحمراءُ ! السماءُ ورديّةٌ
يخفّ الالم ، ويخفّ الصراخُ .. موجةٌ ضعيفةٌ من الخدر والنمَلِ تنزلُ من القدمين الى باقى انحاء الجسم
الخدرُ يزداد .. موجةّ من الارتياح اللذيذ تغمرنى
السياط ترتفع وتهوى .. الألمُ اللذيذُ !
اشعرُ بالجسدِ المتوتر قد ارتخى
ثمّ أغيبُ !
دكتور احمد هشام علوان