تُصادف اليوم الذكرى الأربعين لمجزرة سجن تدمر، والتي نفّذتها سرايا الدفاع، بقيادة رفعت الأسد، بحق السجناء العزل في ذلك السجن الصحراوي، بعد يوم واحد من محاولة لاغتيال حافظ الأسد.
وكان عناصر السرايا ومجموعة عناصر من اللواء 138 قد وصلت بالمروحيات، قادمة من مطار المزة العسكري، إلى سجن تدمر في الساعة 6:30 من صباح يوم 27/6/1980. وعند وصولهم تم إرسال حوالي 60 عنصراً باتجاه مهاجع السجن، فيما بقيت مجموعة عند الطائرات المروحية التي أقلتهم.
وتولى كل 6-7 عناصر الدخول إلى مهجع من المهاجع، وقتل كل من فيه من السجناء. وبلغ عدد الضحايا وفقاً لتقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان حوالي 1200 معتقل. وقد تم تنفيذ المجزرة خلال أقل من ساعة.
لقد أظهرت هذه المجزرة طبيعة العقلية المافيوية التي تحكم منظومة حكم آل الأسد، والتي تُبرر بنظرهم تنفيذ “عملية عسكرية متكاملة” بحق سجناء عزّل، كنوع من الانتقام تجاه ما افترضوا أنها علاقة تجمع بين منفذ محاولة الاغتيال وبين التيار السياسي الذي يفترض أن السجناء ينتمون إليه.
لقد كانت مجزرة تدمر تكثيفاً لحالة دموية تشهدها سجون النظام السوري منذ السبعينات وحتى اليوم، لكن المجزرة، مثلها مثل صور قيصر، كانت فرصاً نادرة لوصول حقيقة ما يجري في هذه السجون إلى العالم عبر الإعلام، حيث عرف العالم أخبار المجزرة عن طريق عناصر سرايا الدفاع الذين تم اعتقالهم في الأردن، وعرف بحقائق التعذيب عبر الصور التي نقلها المصور قيصر.
إن ما عرفناه من مجزرة تدمر وصور قيصر، وبينهما مئات الشهادات التي قدّمها معتقلون سابقون، ومئات التقارير الدولية التي استندت إلى هذه الشهادات وغيرها، أن طبيعة النظام القائمة على الترهيب وممارسة الجريمة المنظمة لم تتغير بين نظامي الأسد الأب والابن، وأن العقلية المافيوية للنظام طبيعة متأصلة فيه، بما لا يدع مجالاً لتغييرها عبر إصلاحات جزئية، أو تغييرات شكلية هنا أو هناك.
كما أظهرت المجزرة وصور قيصر حجم الجرائم التي تُرتكب داخل السجون والفروع الأمنية، وسياسة الإرهاب التي يمارسها النظام بحق معارضيه، أو من يُشتبه في أنهم معارضوه، بما يعكس عدم قدرة النظام على استيعاب وجود أصوات معارضة في المجتمع، ناهيك عن قدرته على التعامل مع معارضين في بنيته، مثلما تقترح بعض المشاريع السياسية الدولية حالياً.
إن أولئك الذين ارتكبوا مجزرة تدمر، أو أولئك الذين عذبوا المعتقلين حتى الموت كما رأيناهم في صور قيصر، وأولئك الذين ارتكبوا كل الجرائم السابقة واللاحقة مما قرأنا توثيقها أو تلك التي لم تحظ بالتوثيق، هم وحوش بأشكال آدمية، وينبغي أن يسعى العالم لوضعهم خلف أقفاص المحاكم، لا حول طاولات الحوار، وإن وجود هؤلاء في أي حل سياسي مقبل يعني مجرّد منحهم وقتاً إضافياً لالتقاط أنفاسهم كي يُكملوا الأسلوب الوحيد الذي يُجيدونه في الحوار مع المعارضين، والذي رأيناه في مجزرة تدمر وصور قيصر!.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
27/6/2020