في 21 آب 2013 تم استهداف زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية ومدينة المعضمية في الغوطة الغربية بصواريخ محمّلة بمواد كيميائية، مما أدّى إلى مقتل حوالي 1400 شخص، وإصابة المئات باختناقات مختلفة، لتكون هذه المجزرة هي الأكبر في سورية منذ انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 وحتى اليوم.
ورغم أن السنوات السابقة أدّت إلى مقتل نصف مليون سوري على الأقل، إلا أن هذه المجزرة بقيت محتفظة بخصوصيتها وتفردها، نظراً لحجم ضحاياها، والسلاح المستخدم، وفوق ذلك طريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذه الجريمة المروعة.
لقد كشفت مجزرة الكيمياوي عجز المجتمع الدولي عن الاعتراف الفعلي بالقانون الدولي مرجعاً للتحاكم، وأظهرت توجه المنظومة الدولية نحو تأمين الحماية لمجرمي الحرب من خلال التوافقات السياسية والمصلحية، بدلاً من تحويلهم للعدالة.
كان الموقف الروسي أساسياً في تعطيل مسار المحاسبة في هذه المجزرة. فقد عملت موسكو كل ما في وسعها لتعطيل أي تحرك دبلوماسي في هذا الإطار، وأجبرت النظام بشكل فوري على توقيع اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وتسليم مخزونه من هذا السلاح، مقابل امتناع المنظومة الدولية -حتى الآن- عن تسمية مرتكبي هذه المجزرة البشعة.
لكن الموقف الروسي لم يكن ليلاقي النجاح لولا وجود إرادة لدى الطرف الآخر، والمتمثّل أساساً بالولايات المتحدة، في البحث عن تسوية تحفظ ماء الوجه، بعيداً -بطبيعة الحال- عن حقوق الضحايا أو محددات القانون الدولي.
لقد كانت التسوية الدولية المتعلقة بمجزرة الغوطة خطوة واحدة في مقاربة مستدامة اعتمدها المجتمع الدولي في التعامل مع جرائم الحرب التي ارتكبت في سورية، حيث غيّبت هذه المقاربة مبدأ المحاسبة، وأمّنت المخارج السياسية للجناة للإفلات من العقاب.
ورغم أن المقاربات السياسية سمحت بتمرير هذا الصفقات في الأروقة الدولية حتى الآن، إلا أنها لم تستطع وقف دوامة العنف على الأرض، بل أنها ساهمت في توسيع دائرة التطرّف في سورية والمنطقة، حيث لم يعد لدى أهالي الضحايا، بل المجتمع بشكل عام، أي أمل في تحقيق العدالة من خلال المنظومات القانونية، وهو ما انعكس في ظواهر خطيرة في سورية، امتدّت إلى دول عديدة، وسوف تستمر في هذا الانتشار ما لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية لتطبيق القانون الدولي.
إن مرور ست سنوات على هذه الجريمة دون معاقبة الجناة، ودون توفير العدالة للضحايا، لا يعني أن السوريين قد نسوا ما حصل في تلك المجزرة وكل المجازر الأخرى، فذاكرة الضحايا وذويهم ستبقى حية وحاضرة في أي محاولة لبناء تسويةٍ سياسية دون تحقيق العدالة، ولن تسمح بتحقيق الاستقرار بعيداً عن أدوات القمع من النظام أو من شركائه.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
21 آب 2019
ست سنوات على مجزرة الغوطة الشرقية