26 حزيران / يونيو 2019
اعتمدت الأمم المتحدة يوم السادس والعشرين من شهر حزيران / يونيو من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة التعذيب وللتضامن مع ضحاياه ومؤازرتهم. وهذا محطة بالغة الأهمية لنشر ثقافة منع التعذيب ولكي تُقوّم الحكومات والسلطات التنفيذية أداءها إن كانت تبذل جهوداً حقيقية وفعالة لمنع وقوع أعمال التعذيب ومساعدة ضحاياه، ولمعاقبة الجناة آمرين ومنفذين والحرص على عدم تكرار تلك الأعمال الخارجة على القانون والمواثيق العالمية.
لكن التعذيب وأنواع المعاملة القاسية والمهينة لا تزال تمارس على أوسع نطاق في الكثير من أنحاء العالم على الرغم من التحريم العالمي الواضح لهذا السلوك المشين، ومع أنه تحريم مطلق وملزم وساري المفعول في جميع الظروف، سواء في أوقات الحرب أو أوقات السلام.
وتؤكد اللجنة السورية لحقوق الإنسان بأن التعذيب في سورية يمارس على أوسع نطاق منذ عشرات السنين وهو في حالة تفاقم مستمرة في كافة فروع الأمن والمخابرات والشرطة بفرعيها المدني والعسكري، ولا يخلو مركز من مراكز الأمن والشرطة من غرفة للتحقيق توجد فيها وسائل للتعذيب تتنوع حسب حجم المركز ونوعيته وفاعليته.
والتعذيب المفضي للموت منتشر ومعروف في سورية ويتفاقم باستمرار منذ اندلاع الانتفاضة عام 2011 وخصوصاً في مراكز التحقيق والسجون التي تضم معتقلين سياسيين وناشطين مدنيين أو موقوفين لمجرد الشبهة او القرابة أو لأسباب شخصية أو طائفية أو عرقية. ولقد بدأت سلطات النظام السوري ابتداءً من عام 2017 بإصدار شهادات وفاة لآلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، من دون أن تسلم جثثهم لذويهم أو يعرف عن مكان دفنهم شيئاً. وقد ورد في سنوات سابقة تقارير صادمة عن قصص التعذيب وصورهم ولا سيما تلك التي عرفت بتقرير (قيصر) الذي كان يعمل لدى أجهزة الأمن وتمكن من تسريب 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقلاً قضوا تحت التعذيب. بالإضافة إلى ذلك فقد روى معتقلون ومعتقلات نجوا من الموت في مذكراتهم أساليب مبتكرة من التعذيب بالإضافة إلى الأساليب التقليدية والروتينية المألوفة.
وكل الذين رووا قصص التعذيب أشاروا بوضوح إلى تورط كبار ضباط الأمن والمخابرات والشرطة العسكرية والمدنية فيه، أمراً ومشاهدةً واستمتاعاً بل وممارسة في كثير من الأحيان.
ولقد أحصت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقارير سابقة عشرات الأساليب للتعذيب تتبعه السلطات الأمنية والمخابراتية في سورية، لكن الذين كتبوا عن مذكراتهم في السجون أطلعونا على انواع ومسالك للتعذيب لا تخطر على بال، فلكل معذب طريقته المميزة ومنهاجه وأسلوبه الخاص به والمبتكر بواسطته حصراً.
وتقدر اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن عدد المعتقلين الأحياء في سجون النظام السوري يتجاوز مائتي ألف مواطن مدني يتعرضون جميعاً لصنوف شتى من التعذيب، ويعتبرون رهائن لا يؤبه لحياة أحد منهم، وليس لهم أدنى حق في معرفة سبب اعتقالهم أو محام يدافع عنهم أو أسرة تعرف مكان اعتقالهم أو لها الحق في زيارتهم.
من جهة أخرى فهناك قوانين وتشريعات تحمي مرتكبي جرائم التعذيب في سورية، وتعتبر ذلك قياماً بمهام موكولة إليهم من جهات عليا.
وبالإضافة إلى النظام السوري القمعي فقد تورطت الجماعات والفصائل الموجودة على الأرض السورية بفتح معتقلات وممارسات التعذيب كما فعلت ذلك داعش قبل اندحارها، فقد اكتشفت عشرات المقابر الجماعية لمواطنين عذبوا حتى الموت أو حرقوا ومزقت أجسادهم، وكذلك هيئة تحرير الشام وسجنها المشهور المسمى بالعقاب في ريف إدلب وما يمارس فيه من تعذيب مفضي إلى الموت، وما تمارسه قوات سورية الديمقراطية والميليشات الكردية من فظائع التعذيب في معسكرات التعذيب بمؤازرة القوات الأمريكية في منطقة الجزيرة الفراتية، بالإضافة إلى بعض فصائل الجيش الحر التي لم تنج من هذه الأساليب المحرمة دولياً والمرفوضة إنسانياً.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تتوجه إلى الهيئات التي تتطلع إلى عالم خال من التعذيب أن تعمل ما بوسعها لتطبيق معاهدة منع انتشار التعذيب في سورية والضغط على النظام السوري والمجموعات الأخرى للامتثال لذلك، واستنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين من موت محقق ينتظرهم على أيد جلاوزة التعذيب، وملاحقة كل من يتورط بجريمة ممارسة التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة البشرية آمراً ومنفذاً واتخاذ اجراءات دولية رادعة بحقه، ومن ثم التعويض على ضحايا التعذيب واعادة الاعتبار لهم.