
ارتكب نظام الأسد على مدار ما يقارب خمسة عقود سلسلة مستمرة من الجرائم ضد السوريين، ومثّلت مجزرة سجن تدمر نموذجاً لها
في يوم 27/6/1980 قامت ميليشيا سرايا الدفاع، والتي كان يقودوها رفعت الأسد، بارتكاب مجزرة دامية بحق السجناء العزّل في سجن تدمر، مما أسفر عن قتل حوالي ألف سجين خلال ساعات.
ولم يكن لوقائع هذه المجزرة أن تكشف بعد ارتكابها بفترة قصيرة، لولا سياسة الإرهاب الخارجي التي اتبعها النظام، وعلى رأسه آنذاك ميليشيا سرايا الدفاع، حيث قام بعض عناصرها ممن شاركوا في تنفيذ مجزرة تدمر بالسفر إلى الأردن لاغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران، لكن المحاولة باءت بالفشل، وألقي القبض على المنفذين، وقدموا ضمن اعترافاتهم تفصيلاً لأعمال المجزرة، وتم بثّ هذه الاعترافات متلفزة.
وقد أظهرت السنوات التالية صحة الاعترافات التي أدلوا بها، حيث قدّم عشرات ممن أفرج عنهم بعد سنوات من سجن تدمر شهادات مطابقة لما حصل في ذلك اليوم.
وتظهر الشهادات المتطابقة لهؤلاء السجناء المفرج عنهم أن الجريمة التي حصلت يوم 27/6/1980 لم تكن سوى تكثيفٍ لجريمة استمرّت على مدار سنوات، حيث كانت إدارة السجن تقوم بشكل أسبوعي بإعدام عشرات من السجناء، إضافة إلى قتل السجناء بشكل دوري تحت التعذيب.
لقد مثّل سجن تدمر رمزاً لسنوات الدم في مرحلتها الأولى، والتي تولاها حافظ الأسد وشقيقه وأجهزته الأمنية، وهي السنوات التي أسست للمرحلة الثانية منذ عام 2011 وإلى الآن، والتي تولاها ابنه الذي ورّثه السلطة من بعده.
إن الإفلات من العقاب الذي حظي به الجناة من قبل المجتمع الدولي ساعد بلا أدنى شك على تنفيذ المزيد من الجرائم في مرحلة الأسد الأب، وأسس بشكل جلي لجرائم الحرب التي نشهدها في الفترة الحالية في سورية، فالمسؤولون عن مجزرة تدمر، وغيرها من المجازر، يعيشون في أوروبا منذ نهاية الثمانينيات، رغم المعرفة الكاملة للمجتمع الدولي بما قاموا به، كما أن بقية الجناة ظلّوا يتنقلون في دول العالم طيلة السنوات التي تلت تلك المجازر، وتمكّنوا من منح أبنائهم جنسيات أوروبية وأمريكية، وقاموا بشراء عقارات في هذه الدول، دون أي خوف من المحاسبة.
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ نذكّر في الذكرى التاسعة والثلاثين لمجزرة سجن تدمر بأهمية توثيق كل الانتهاكات التي حصلت في سورية في الثمانينيات، وأن توثيق هذه الانتهاكات لا ينبغي أن يتوقف رغم حجم الانتهاكات الحالية، فإننا ندعو كل المعتقلين السابقين وكل شهود العيان على الجرائم التي نُفذت في كل المراحل على الإدلاء بشهاداتهم أو تدوينها، فهي حق لكل السوريين، وخاصة الأجيال القادمة.
كما تدعو اللجنة المنظمات الدولية والمحلية للعمل ما بوسعها على ملاحقة الجناة، وخاصة أولئك الموجودون في أوروبا، والتأكيد على أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
27/6/2019