بدأ التصعيد من قبل روسيا والنظام على الشمال السوري (ريف حماة الغربي والشمالي ومحافظة إدلب وريف حلب الغربي) في بداية شباط/فبراير عن طريق الضربات المدفعية والصاروخية، قبل أن يتحول في 25 نيسان/أبريل إلى قصف جوي مكثف، ثم حملة برية في 2 أيار/مايو بعمليات برية ينفذها الفيلق الخامس التابع لقاعدة حميميم وقوات النمر وقوات الطراميح في ريف حماة الشمالي والغربي.
وبرز تأثير هذه الحملة بشكل كبير جداً على صعيد الوضع الإنساني، حيث دفع آلاف العائلات من مناطق واسعة للنزوح عن مدنهم وقراهم باتجها المناطق الحدودية وأرياف محافظة حلب الشمالية، بالإضافة إلى توزعهم على المناطق الوسطى في محافظة إدلب والبعيدة عن خط التماس والمواجهات.
أبرز المناطق المتضررة
ركز الطيران الروسي والطيران المروحي التابع للنظام السوري غاراته بشكل أساسي على ريفي حماة الشمالي والغربي، وريف إدلب الجنوبي.
وتأتي قلعة المضيق وقرى سهل الغاب ( الزيارة – التويني- الشريعة- باب الطاقة – الزيارة) على رأس قائمة المناطق المتأثرة من الغارات، بالإضافة لأن هذه المناطق شهدت حملة عسكرية برية مما أدلى لنزوح قرابة 55 ألف نسمة من سكانها ومن النازحين الذين وفدوا إليها في وقت سابق قادمين من مناطق مختلفة.
وتقدر أعداد النازحين من منطقة جبل شحشبو بريف حماة بـ 10 آلاف نسمة، وذلك بعد تعرضها لقصف مدفعي وصاروخي وجوي.
وشهدت بلدة كفرنبودة قبيل سيطرة قوات الفيلق الخامس عليها موجة نزوح كبيرة، حيث تعرضت لأسبوع متواصل لغارات الطيران، وتقدر أعداد النازحين منها بحوالي 9 آلاف نسمة.
وتعرضت مدينة خان شيخون الواقعة في ريف إدلب الجنوبي بدورها لعشرات الغارات وقذائف المدفعية في الفترة الممتدة من 2 أيار / مايو حتى 10 من الشهر ذاته، الأمر الذي دفع قرابة 30 ألفاً من سكانها ومن النازحين القاطنين فيها إلى مغادرتها باحثين عن مناطق أخرى أكثر أمناً.
وتعرضت بلدات اللطامنة وكفرزيتا إلى هجوم مكثف، حيث يعتقد أن تكون الهدف التالي لوجهة الحملة البرية التي تقودها روسيا، مما دفع قرابة 8 آلاف من سكانها إلى مغادرتها بحثاً عن مناطق آمنة.
ونزح من بلدات ريف إدلب الجنوبي: الهبيط وعابدين وحاس وكفرنبل، والتمانعة أكثر من 25 ألف نسمة، بعد تركيز الهجمات عليها منذ مطلع شهر أيار/مايو.
وغادر بلدة جرجناز بريف إدلب الشرقي أكثر من 20 ألف نسمة في الفترة الممتدة بين مطلع شباط ونهاية شهر نيسان، حيث كانت هذه البلدة الهدف المحبب لسلاح المدفعية التابع للنظام، رغم احتضانها لأكثر من 25 ألف نازح بالإضافة إلى سكانها الأصليين البالغ عددهم 15 ألفاً، لتصبح البلدة شبه خالية.
ونزح قرابة 15 ألف نسمة من مدينة معرة النعمان وريفها الشرقي. وتقدر أعداد النازحين من جسر الشغور بريف إدلب الغربي بأكثر من 12 ألف نسمة، الغالبية العظمى منهم غادروا المدينة بعد المجزرة التي شهدتها في الرابع والعشرين من شهر نيسان / أبريل الماضي جراء انفجار مجهول يرجح ان سببه صاروخ بالستي روسي.
وفي الرابع من شهر أيار / مايو دخلت منطقة جبل الزاوية على خط الاستهداف بشكل مكثف، حيث طالت البراميل المتفجرة قرى سرجة ودير سنبل وعين لاروز وجوزف وتل النبي أيوب وبزابور، مما دفع قرابة 15 ألف نسمة من سكان المنطقة إلى مغادرتها باتجاه المناطق الأكثر هدوءاً.
وجهة النازحين
انقسمت وجهة النازحين من المناطق المستهدفة إلى ثلاث وجهات:
الأولى: وهي المدن والبلدات الآمنة نسبياً في ريف إدلب.
الثانية: باتجاه الشريط الحدودي سواء المخيمات أو المدن والقرى الحدودية مع تركيا في ريف إدلب.
الثالثة: مناطق شمال حلب المعروفة باسم “غصن الزيتون” و”درع الفرات”.
وبما يخص المناطق الوسطى التي استقبلت النازحين فتأتي مناطق أريحا وسراقب وتفتناز وبنش ومدينة إدلب وأرمناز في الطليعة، حيث احتضنت هذه المدن والبلدات أكثر من 50 ألف نازحاً، جرى توطينهم في منازل ومدارس وبعض الجمعيات السكنية التي لم تنته عملية إكسائها، ويعيش هؤلاء النازحين ظروفاً معيشية صعبة.
وتوجه أكثر من 60 ألف نازح باتجاه المدن والبلدات الحدودية وتحديداً: سلقين وكفرتخاريم وحارم ومعرة مصرين وسرمدا والدانا وأطمة وعقربات ودير حسان وقاح، وأقاموا فيها حالياً بشكل مؤقت.
وشهدت المناطق التي نزح إليها الفارون من القصف ارتفاعاً كبيراً في إيجار العقارات، حيث تراوحت إيجارات العقار بين 150 و 350 دولاراً أمريكياً بحسب حجم المنزل والمنطقة الموجود فيها.
واستقر قرابة 30 ألف نازح آخر في المخيمات المعدة سابقاً قرب الشريط الحدودي وأبرزها تجمع مخيمات الكرامة في أطمة، والغرف مسبقة الصنع في كفرلوسين وتجمع مخيمات دير حسان.
ووصل قرابة 40 ألف نازحاً إلى نواحي مدينة عفرين، واستوطنوا في خيام وهنغارات ( غرف مسبقة الصنع) في كل من دير بلوط وجنديرس والبل.
ووصل إلى مدن أعزاز والباب ومارع قرابة 20 ألف نسمة، وتوزعوا على المنازل والخيام والمدارس.
وتجدر الإشارة إلى أن مئات العائلات لايزالون يفترشون الأراضي الزراعية في مناطق مختلفة من ريف حماة وإدلب وخاصة أراضي مورك ومعرة النعمان وسراقب وبنش، لعدم تمكنهم من الحصول على مكان في المخيمات وعدم إمتلاكهم القدرة على استئجار منازل في المناطق التي يقصدها النازحون.
الجهود المبذولة لإغاثة النازحين
تنوعت الجهود المبذولة لإغاثة النازحين الفارين من القصف، حيث قامت بعض المنظمات بجهود بارزة من أجل تأمين بعض المستلزمات الإسعافية، وأيضاً ظهرت مبادرات أهلية في مختلف المناطق من أجل مساعدة النازحين الوافدين إليها ومحاولة تأمين مسكن لهم وبعض الاحتياجات.
ويتولى رعاية النازحين عددٌ من المنظمات الإغاثية في إدلب، حيث تقوم بتوزيع السلل الغذائية التي تتضمن المعلبات والخبز، بالإضافة إلى فرشات اسفنجية وأغطية، وشواحن كهربائية تعمل على الطاقة الشمسية، وأدوات مطبخ يمكن الاستفادة منها لمن سكن في الغرف مسبقة الصنع وفي المنازل المختلفة.
وقامت العديد من المبادرات الأهلية بتأمين بعض المستلزمات الضرورية للنازحين، وعلى سبيل المثال قامت مبادرة في سرمدا بجمع بعض الأموال والإشراف على تأمين منازل للنازحين بدون إيجارات، كما ظهرت مبادرات مماثلة في كل من بنش وسراقب وأريحا. وتُشرف على هذه المبادرات بعض الأسر البارزة في تلك المدن أو بعض التجار الكبار.
ولم تسجل أي جهود تذكر لدائرة الهجرة في حكومة الإنقاذ على صعيد إغاثة النازحين، بل على العكس من ذلك، فقط قامت بطرد عشرات العائلات الذين نصبوا الخيام في أرض زراعية قرب بلدة الدانا شمال إدلب، وعمدوا إلى فتح مضخة مياه السقاية على الأرض لإرغامهم على إخلائها.