يقع مخيم الركبان في منطقة المثلث على الحدود السورية-الأردنية-العراقية، في الجهة الجنوبية الشرقية من سورية، ضمن الطرف السوري من المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح بين الأردن وسورية.
ويبعد المخيم عن معبر التنف الحدودي مع العراق قرابة 12 كم باتجاه الجنوب، كما يبعد مسافة 25 كم عن قاعدة التنف العسكرية التابعة للتحالف الدولي، وهو واقع ضمن منطقة الـ 55 كم التي تتوسطها قاعدة التنف، والتي حددتها قوات التحالف الدولي على أنها منطقة خاضعة لحمايتها، ويُحظر على قوات النظام وحلفائه دخولها عبر تفاهمات مؤقتة مع روسيا.
يمتد المخيم على طول 7 كيلومترات، وسط “صحراء الحماد” القاحلة، والتي لا ينبت فيها حتى النبات الصحراوي ولا تعيش فيها الحيوانات الصحراوية، ويندر فيها وجود الماء، وتخضع لظروف مناخية قاسية، كالعواصف الرملية المتكررة والحرارة المرتفعة صيفاً والبرد القارس شتاءً.
أنشئ المخيم منتصف عام 2012 ليكون نقطة عبور لدخول النازحين إلى الأردن، ثم تحول إلى مخيم بشكل رسمي أواخر 2014؛ إضافة إلى بقائه منطقة عبور حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015.
ينتمي ثلث نازحي المخيم إلى محافظة حمص وريفها، وهم ممن فروا من مناطقهم نتيجة معارك تنظيم الدولة مع قوات النظام في تدمر وغيرها، أما بقية النازحين فهم من الرقة ودير الزور والميادين والبوكمال ودرعا.
ويعيش معظم هؤلاء النازحين ضمن خيام بُليت نتيجة العوامل الجوية القاسية، بالإضافة إلى وجود عدد محدود من البيوت الطينية التي قام أصحابها ببنائها على نفقتهم الشخصية.
وقد بدأ المسؤولون الروس منذ منتصف العام بالترويج لفكرة إنهاء وضع المخيم الواقع ضمن منطقة النفوذ الأمريكية، وذلك عبر اتهامه بأنه أصبح مأوى للمسلحين والإرهابيين، ثم تطور الأمر عبر تصريح لوزير الخارجية الروسي يفيد بوجود تفاهمات مع الولايات المتحدة حول ضرورة فتح مخيم الركبان في أقرب وقت ممكن، وبرعاية الأمم المتحدة، لسحب اللاجئين من هناك حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، ثم تجددت التصريحات بعد شهر على لسان نيكولاي بورتسيف ممثل وزارة الخارجية الروسية الذي أشار فيه إلى أن “الأميركيين يقترحون تسوية أزمة معسكر الركبان، عبر إجلاء اللاجئين نحو المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية”، ليعلن وزير الخارجية الأردني بداية الشهر الحالي، عن البدء بمباحثات جدية مع الروس من أجل تفكيك مخيم الركبان، وخلق الظروف المناسبة للنازحين التي تشجعهم على العودة طواعية إلى مناطقهم.
الوضع العام في مخيم الركبان
أعلن في 16/6/2016 عن تشكيل “مجلس عشائر تدمر والبادية السورية” داخل المخيم. ويتكون المجلس من خمسة عشر عضواً. ثم أعلن في مطلع 2017 عن تشكيل مجلس محلي خاص بالمخيم يديره 27 شخصاً من وجهاء العشائر، من أجل تنظيم الأمور المدنية وخاصة فيما يتعلق بتوزيع الإغاثة ومتابعة شؤون التعليم وضبط الأمن.
ولا توجد إحصائية رسمية بعدد سكان المخيم، نتيجة لغياب طواقم المنظمات الإغاثية عن العمل، ولارتفاع حركة النزوح من وإلى المخيم، كحالة انتقال قاطني مخيم الحدلات الواقع على الحدود السورية-الأردنية إلى مخيم الركبان عام 2017 نتيجة تصعيد قوات النظام لعملياتها العسكرية في مناطق القلمون، أو عودة بعض سكان المخيم إلى مناطقهم.
ووفقاً لإحصائيات مصدرها المسؤول الإعلامي للإدارة المدنية في المخيم، فقد كان في بداية عام 2018 ما مجموعة (15231) عائلة في المخيم، أي مايقارب (78450) نسمة، منهم (13905) رجلاً متزوجاً، و(17503) امرأة متزوجة، و(47042) من الأطفال وغير المتزوجين والمتزوجات، ومن بين هؤلاء (39970) طفلاً دون الخامسة عشر.
وقدّر “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا” عدد سكان المخيم في نهاية شهر أيلول/سبتمبر بحوالي (50) ألف شخص.
ويضم المخيم (17132) خيمة، بالإضافة إلى عدد من المنازل الطينيّة، كما يتواجد في المناطق المحيطة بالمخيم مايقدر بـ (40) ألف نسمة، يتوزعون في مناطق مجاورة مثل الزرقة والحقل والدكاكة.
ويخضع المخيم لسيطرة مجموعة من فصائل البادية التابعة للمعارضة السورية، وأهمّ هذه الفصائل هي “جيش أحرار العشائر”، و”جيش مغاوير الثورة” بالإضافة إلى مجموعات تتبع لـ “كتائب الشهيد أحمد العبدو”، و”كتائب شهداء القريتين”، و”جيش أسود الشرقية”، حيث يُقيم عناصر هذه الفصائل مع عائلاتهم ضمن المخيم.
الوضع الاغاثي
يُعدّ مخيم الركبان أكبر مخيم للنازحين في الداخل السوري. ويعاني إهمالاً واضحاً ونقصاً في جميع أنواع الخدمات، وغياباً شبه تام للمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، والتي كانت تُدخِل إليه بعض المساعدات بشكل ضئيل، وتوقفت عن ذلك منذ شباط/فبراير 2018 بشكل نهائي، بذريعة صعوبة إيصالها.
ومع ندرة المساعدات الإغاثية، أصبح تهريب البضائع والمواد الغذائية وبيعها للسكان السبيلَ الوحيد لتأمين متطلبات الحياة، وذلك عبر طرق التهريب من محافظات (السويداء وحمص وحلب ودير الزور ودمشق)، والتي كانت تخضع لسيطرة فصائل البادية كقوات أحمد العبدو وأسود الشرقية.
وكان سكان المخيم يعتمدون في تأمين مياه الشرب على الجانب الأردني الذي كان يزودهم بشكل دوري بالمياه ذات الطبيعة الكلسية التي يتم تصفيتها داخل الأراضي الأردنية، ثم تنقل عبر صهاريج إلى المخيم، إلا أن هذه العملية لم تكن منتظمة، حتى قبل توقفها تماماً، مما دفع سكان المخيم إلى القيام بتجميع مياه الأمطار، إضافة إلى الاعتماد على مياه بئر (الدكاكة) القريب، رغم أن مياهه مالحة وغير صالحة للشرب.
وقد أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سورية في 23 أيلول/سبتمبر الماضي عن استعداده لتقديم المواد الغذائية والمياه والرعاية الصحية حال الحصول على الضمانات والموافقات اللازمة، وسماح جميع الأطراف بإيصال المساعدات الإنسانية، إلا أنه لم يحدث أي تطور في هذا الموضوع.
الوضع الاقتصادي
لا يتواجد أي نشاط تجاري أو إغاثي في المخيم، باستثناء بضع محلات تجارية صغيرة، وفرص العمل فيه شبه معدومة. كما أن سكان المخيم لا يتلقون أي دعمٍ مادي من أي منظمة على غرار بقية المخيمات داخل سورية وخارجها، مما فاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وتعيش معظم العائلات تحت خط الفقر، ويعتمد الكثير من السكان على التسول والبحث في النفايات من أجل الحصول على الطعام، بينما يعتمد آخرون آخرون على ما يصلهم من أموال ومساعدات محدودة من أقاربهم وأبنائهم خارج المخيم.
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة نشطت حركة تهريب المواد الغذائية والبضائع، وخاصة تهريب الأفراد من وإلى المخيم، حيث وصلت كلفة تهريب النازحين الهاربين من المعارك مع داعش إلى مخيم الركبان في وقت سابق إلى (250) ألف ليرة على الشخص الواحد، بينما وصلت كلفة الخروج من المخيم حالياً بعد إطباق الحصار عليه إلى 1000 دولار، وذلك عبر طريق ترابي لمنطقة المنصورة بواسطة الدراجات النارية، ولا تزيد نسبة نجاح اجتيازه عن 50% .
كما انتشرت عمليات السلب وقطع الطرقات بشكل كبير، بالإضافة إلى الاتجار بالممنوعات كالحبوب المخدرة والحشيش وترويجها، والتعامل مع مهربين للحصول على تلك المواد.
الوضع الطبي
لا تتوفر في المخيم عناية طبية تتناسب مع حجم الاحتياجات المطلوبة، نظراً للتواجد القريب لعناصر داعش وقيامهم باستهداف المشفى الوحيد الذي أقامته منظمة “أطباء بلا حدود” من وحدات مسبقة الصنع، حيث أدّى ذلك الاستهداف إلى إبعاد جميع المنظمات عن العمل في هذه المنطقة، كما أن تصارع الفصائل العسكرية على النفوذ، وخاصة بين “جيش أسود الشرقية” و”جيش أحرار العشائر”، كان سبباً إضافياً لعزوف المنظمات وخاصة الطبية عن العمل.
وقد أظهر التقرير الأخير لفريق منسّقي الاستجابة في الشمال السوري والتابع لوحدة تنسيق الدعم وفاة 14 شخصاً خلال النصف الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، بينهم 4 أطفال و3 نساء، في حين تقدر أعداد المصابين بالتهاب الكبد الوبائي داخل المخيم بـ (900) مصاب جلهم من الأطفال، بينما تنتشر الأمراض الجلدية والإسهالات وحالات الإصابة بالرمل والحصيات في الكلى، ولدغ القوارض والعقارب والجرذان بشكل كبير بين سكانه وخاصة الأطفال.
الوضع التعليمي
لا توجد حالياً أي مدارس نظامية داخل المخيم، بما يجعل جميع الأطفال خارج العملية التعليمية منذ عدة سنوات. وشهدت السنوات السابقة محاولة قامت بها إحدى المنظمات السورية لإقامة مدرسة صغيرة بقدرة استيعابية وصلت إلى (400) طالب، إلا أنها توقفت بعد مدة.
ويُحاول بعض سكان المخيم التعويض عن ذلك بنشاطات تطوعية تعليمية عبر تحويلهم لبعض الخيام أو الغرف الطينية لصفوف متواضعة للتعليم، إلا أن هذه المبادرات فردية وغير مدعومة وغير منتظمة، ولا تستوعب إلا أعداداً يسيرة جداً من الأطفال الذين يشكلون نصف سكان المخيم.
الحصار.. ورقة ضغط روسية لتحقيق مكاسب سياسية
بدأ الخناق يضق على المخيم منذ العمليات العسكرية على القلمون الغربي ومنطقة درعا، حيث بدأ الحصار يُهدّد المخيم بشكل جزئي بعد إغلاق المنفذ الحدودي الواصل إلى الأردن في شهر حزيران/يونيو الماضي بضغط روسي، وإغلاق طريق الضمير من قبل قوات قوات النظام.
وأطبق الحصار بشكل تام في الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، عندما منعت قوات النظام المتواجدة في حاجز المثلث الذي يبعد قرابة 70 كم عن المخيم، دخول السيارات إليه، باستثناء تلك التي تحمل الأعلاف للمواشي الموجودة في المنطقة.
وأبلغت قوات النظام سكان المخيم عن طريق سائقي السيارات أنه لا حل أمامهم سوى إجراء مصالحات مع قوات النظام، أو الطلب من القاعدة الأمريكية في التنف فتح طريق آخر وتقديم المساعدات الغذائية؛ طالما أن المخيم واقع ضمن منطقة نفوذها الممتدة على دائرة نصف قطرها 55 كم، والتي يُمنع على قوات النظام التقدّم إليها بناء على توافقات روسية-أمريكية سابقة
وقد تسبّب إغلاق الطريق بانقطاع تام للمواد الغذائية مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير حيث وصل سعر سعر كيس الطحين إلى 17000 ل.س، وكيلو البندورة 700، الخيار 900، السكر 1000 ل.س للكيلوغرام الواحد، فيما بلغ سعر لتر البنزين 1500 ل.س، الأمر الذي دفع السكان للبحث بين النفايات عن بقايا البلاستيك والمواد القابلة للاشتعال كبديل عن الوقود للتدفئة والطبخ.