أصدرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في سورية لعام 2017، والذي تناول الانتهاكات الواسعة التي ارتكبها الفاعلون المختلفون في سورية، إضافة إلى الانتهاكات الواقعة على السوريين اللاجئيين في دول الجوار.
وقد وثّقت اللجنة في التقرير مقتل (12375) شخصاً خلال عام 2017، بمعدل (1031) شخصاً في الشهر الواحد. كما وثّقت ارتكاب (457) مجزرة خلال عام 2017، بواقع (38) مجزرة في الشهر. وتركّزت المجازر في محافظتي دير الزور والرقة، حيث شهدت المحافظتان (55%) من مجازر هذا العام.
وتصدّر النظام السوري قائمة مرتكبي الانتهاكات هذا العام. حيث كان مسؤولاً عن مقتل (6994) شخصاً، أي حوالي 56% من ضحايا هذا العام، وتلته قوات التحالف الدولي بواقع (1908) أشخاص، ثم تنظيم داعش بواقع (1756) شخصاً، ثم الطيران الروسي بواقع (1459) شخصاً.
وشهدت سورية وفقاً للتقرير استمراراً لأعمال تفجير السيارات والدراجات المفخخة والعمليات الانتحارية، بما أدّى إلى مقتل المئات خلال هذا العام. وقد وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تفجير (23) سيارة ودراجة مفخخة خلال هذا العام.
وشهد عام 2017 ارتفاعاً في أعداد ضحايا الألغام الأرضية، والتي يتم زرعها في الغالب من قبل تنظيم داعش، حيث أن جميع حوادث انفجار الألغام الأرضية التي تم تسجيلها كانت إما على حدود المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم، أو في المناطق التي أُجبر على الخروج منها. وقد وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل (754) شخصاً خلال عام 2017 بسبب الألغام.
واستمرت سلطات النظام في احتجاز عشرات الآلاف من السوريين في سجونها على خلفية ما يُسمّى بتهم الإرهاب، وهو المسمّى المعتمد لديها للاعتقالات السياسية. ويقضي آلاف منهم مددَ محكومياتٍ تتراوح بين 3-20 عاماً، بعد أن يتمّ عرضهم أمام ما يُسمّى بـ “محكمة قضايا الإرهاب”، فيما لم توجّه أي تهم إلى آلاف آخرين.
وتتصف معظم هذه الاعتقالات بأنها “اعتقالات جغرافية” أكثر منها “اعتقالات سياسية”، حيث ينتمي كل المعتقلين تقريباً خلال الأعوام القليلة الماضية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو التي كانت خارجة عن سيطرته، ولم يقوموا فعلياً بأي أمر مناهض للنظام. أما الذين يتم اعتقالهم على خلفية مشاركتهم في أنشطة سياسية أو عسكرية مناهضة للنظام، فإنّهم في الغالب لا يُحوَّلون إلى السجون الاعتيادية، بل يستمر احتجازهم داخل مراكز خاصة بالأجهزة الأمنية، وينتهي الأمر بهم إلى الموت تحت التعذيب.
وشكّلت صفقات تبادل المعتقلين والأسرى بين الأطراف المختلفة الفاعلة على الأرض السورية واحداً من أهم أشكال الإفراجات خلال هذا العام، كما في الأعوام السابقة. وشملت صفقات التبادل التي جرت هذا العام الإفراج عن نساء وأطفال وشيوخ، إضافة إلى جثث.
وتجري صفقات التبادل إما قبيل خروج المقاتلين من منطقة ما بناء على صفقة، وبالتالي فإنّ عليهم التخلص ممن لديهم من الأسرى أو مما لديهم من جثث، لأنهم لن يتمكنوا من إخراجها معهم، أو عبر وساطات محلية أو إقليمية.
واستمرّت قوات النظام بشكل أساسي باستخدام سلاح الحصار لمعاقبة المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة. لكن عام 2017 سجّل مقارنة مع الأعوام الخمسة الماضية أقلّ استخدام لهذا السلاح من حيث مساحة المناطق المحاصرة أو من حيث عدد السكان المحاصرين. ويعود الانخفاض وفقاً للتقرير لعاملين رئيسيين، الأول: سيطرة قوات النظام على عدد من المناطق التي كانت تُحاصرها في السنوات السابقة، حيث تمكّنت تحت وطأة الحصار من التوصل إلى اتفاقيات مع المقاتلين في هذه المناطق تضمن خروجهم ومن يرغب معهم من المدنيين مقابل تسليم المنطقة إلى قوات النظام. أما الثاني: فهو تمكّن قوات النظام من كسر الحصار الذي كان يفرضه تنظيم داعش على وسط مدينة دير الزور لعدة سنوات.
وبلغ عدد السوريين الذين عانوا من الحصار المباشر في عام 2017 حوالي 700 ألف نسمة، وتوزّعوا على أربعة مناطق رئيسية هي: الغوطة الشرقية لدمشق، والتي يعيش فيها حوالي 400 ألف شخص، وريف حمص الشمالي، والذي يعيش فيه حوالي 150 ألف نسمة، إضافة إلى حي الوعر في مدينة حمص، والذي كان يعيش فيه حوالي 40 ألف نسمة، وخرج من قائمة المناطق المحاصرة في شهر أيار/مايو من هذا العام، ووسط مدينة دير الزور، والذي يعيش فيه حوالي 100 ألف نسمة، وخرج من قائمة المناطق المحاصرة بداية شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام.
واستمر استهداف القطاع الطبي والإسعافي كأحد أبرز سمات الحرب في سورية خلال السنوات السابقة. وشهدت أشهر شباط/فبراير وآذار/مارس ونيسان/أبريل أسوأ أعمال استهداف المشافي والمراكز الطبية في عام 2017. ويُعتقد أنه لم يبق أي مشفى أو مركز طبي في محافظة درعا وريف حماة لم يتعرّض للقصف مرة واحدة على الأقل خلال هذه الفترة.
ويظهر تتبع الهجمات التي يقوم بها طيران النظام والطيران الروسي أن هذه الهجمات تأتي بشكل ممنهج ومتعمد، حيث يتم استهداف مشافٍ بعيدة عن المناطق السكنية، بما يظهر النية الواضحة لهذه القوات في استهداف المشافي والمراكز الصحية على وجه اليقين. ويظهر توثيق اللجنة أن عام 2017 شهد استهداف (61) مشفى ونقطة طبية، (22) منها في محافظة إدلب وحدها. كما وثّقت اللجنة مقتل (24) من الكوادر الطبية.
كما وثّقت اللجنة مقتل (41) عنصراً من عناصر الدفاع المدني، وإصابة (62) عنصراً آخرين. إضافة إلى استهداف (18) مركزاً للدفاع المدني، و(42) سيارة إسعاف.
ويعتقد أن الأشخاص الذين قتلوا في سورية خلال السنوات السابقة نتيجة لنقص الخدمات الطبية أو لعدم قدرتهم على الوصول إليها أو الذين تعرّضوا لمضاعفات نتيجة للحرب (كتوقف القلب) يزيد عن عدد الذين قتلوا جراء الاستهداف المباشر.
واستمرّت خلال العام الانتهاكات التي تستهدف قطاع الإعلام، حيث حلّت سورية في المرتبة الثانية في قائمة أخطر دول العالم بالنسبة للصحفيين. وقد وثّقت اللجنة مقتل (24) صحفياً وناشطاً إعلامياً خلال عام 2017، وإلى جانب أعمال القتل، وثّقت اللجنة إصابة (17) صحفياً وناشطاً إعلامياً خلال عام 2017، معظمهم جراء القصف العشوائي، أو نتيجة للقصف وإطلاق النار أثناء تغطية الاشتباكات.
وأدّت الانتهاكات المختلفة إلى استمرار مأساة اللجوء والنزوج السورية، حيث واصلت سورية تبوأ المرتبة الأولى عالمياً في عدد اللاجئين. وفي بداية شهر آذار/مارس 2017 تجاوز عدد اللاجئين السوريين عتبة الخمسة ملايين لأول مرة منذ عام 2011. ووصل عددهم في نهاية العام إلى 5.4 مليون لاجئ، فيما بلغ عدد النازحين داخل سورية إلى 5.7 مليون شخص، لتكون سورية في المرتبة الأولى عالمياً في عدد النازحين؛ كما هي في عدد اللاجئين.
ويعدّ وضع اللاجئين السوريين في لبنان الأسوأ على الإطلاق مقارنة مع بقية دول اللجوء السوري. وتشمل الانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجئون في لبنان: قيام الجيش اللبناني وأجهزة الأمن المختلفة والميليشيات شبه الرسمية بأعمال الاعتقالات التعسفية والمعاملة الحاطة بالكرامة والتعذيب بحق اللاجئين، إضافة إلى حرمان اللاجئين من الحصول على المساعدات الأممية المخصصة لهم، بسبب رفض المجموعات السياسية المؤيدة للنظام إقامة مخيمات رسمية للاجئين أسوة ببقية دول اللجوء.
وشهد عام 2017 عدداً واسعاً من حالات الاعتقال بحقّ عائدين إلى سورية من اللاجئين، كما تمّ توثيق عدد من حالات القتل تحت التعذيب لبعض هؤلاء المعتقلين.
وتقوم السلطات الأمنية للنظام بتوقيف كل الذكور البالغين من العائدين، وفي عدد محدد من الحالات تم إيقاف الإناث أيضاً، وخاصة إذا كانت المرأة بمفردها أو كانت ربة الأسرة العائدة. ويمكن أن يستمر التوقيف لبضع ساعات، أو لفترات أطول. وتعتمد فترة التوقيف على ما يبدو على طبيعة الأنشطة التي قام بها الشخص وأفراد عائلته أثناء لجوئهم، وعلى وضعهم ووضع أقربائهم المالي، وما إذا كان بإمكانهم دفع رشاوى باهظة للإفراج عنهم أم لا.
كما استمرّ معظم الفاعلين في سورية باستهداف النازحين في أماكن سكنهم المؤقتة أو حتى أثناء عملية نزوحهم. وتختلف دوافع استهداف النازحين بحسب الجهة المستهدفة، وأبرز هذه الدوافع هي منع بقية المدنيين من النزوح من أجل استخدامهم كدروع بشرية – وهذه استراتيجية يتبعها تنظيم داعش بشكل كبير، أو دفع النازحين للانتقال إلى مناطق أخرى أو لعبور الحدود السورية لغايات جيوسياسية، أو لمعاقبة الحاضنة الاجتماعية لأحد الفصائل، وهي الاستراتيجية المتبعة من قبل روسيا والنظام على العموم.
وأظهر التقرير السنوي أن أعمال استهداف دور العبادة، وخاصة المساجد، استمرّت بوتيرة مرتفعة، وإن كانت بنسبة أقل من السنوات الماضية. وقد وثّقت اللجنة في عام 2017 استهداف (90) مسجداً، إضافة لكنيسة واحدة.
ويذكر أن اللجنة السورية لحقوق الإنسان هي منظمة مستقلة، تأسست عام 1997، ومقرها في لندن، وهي أول منظمة حقوقية سورية. وتصدر اللجنة تقريراً سنوياً عن حالة حقوق الإنسان في سورية بشكل دوري منذ عام 2001.