
وثيقة صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA في أيلول 1984 تشير إلى اتهام علي حيدر ومجموعة من ضباط الجيش لرفعت الأسد بالتدبير لعملية إغتيال أخيه منتصف العام 1980
بعد مرور 37 سنة على وقوع مجزرة سجن تدمر وبعدها مجازر مدينة حماة على يد نظام حافظ الأسد، فتحت رسمياً النيابة العامة في سويسرا تحقيقاً جنائياً، بناء على تقديم منظمة “ترايل إنترناشيونال” بلاغاً تطلب فيه من النيابة تحديد مسؤولية رفعت الأسد عن مجزرتي تدمر حماة.
وخلال السنوات الأربع اللاحقة التي تلت تقديم البلاغ الجنائي، بدأت منظمة “ترايال” بإجراء تحقيقات في ثماني دول، وقدّمت للنيابة العامة عشرات الأدلة والشهادات ووثائق صادرة عن أجهزة سرية وسفارات دول عدة، كما عثرت المنظمة على العديد من الذين شاركوا في أحداث تلك الفترة من الجانبين الذين أبدوا استعداداً لتقديم شهاداتهم.
ولكن رغم كل تلك الأدلة الدامغة التي تم تقديمها للنيابة العامة السويسرية وفق ما ذكر “بنديكت دو مورلوز” أحد المحامين المكلفين بالتحقيقات في منظمة “ترايال الدولية”، إلا أن المحامين الموكلين عن الأشخاص الذين قدموا شكاوى ضد رفعت الأسد، شعروا أن هناك تقصيراً من النيابة العامة مثل إلغاء الجلسات ورفض استدعاء المتهم واستجوابه.
النيابة العامة الفيدرالية قالت إن طول الاجراءات في هذا النوع من الحالات يمكن تبريره بأن “التحقيقات تستغرق وقتاً طويلاً”، لأن الوقائع حصلت “منذ زمن طويل”، إضافة إلى ذلك فإن الأماكن التي حصلت فيها الوقائع والطبيعة المعقدة للقضية، عوامل أخرى قد تفسر طول الإجراءات.
ولم يكن توجيه الاتهامات ضد رفعت الأسد مستنداً إلى مجرد رفع دعاوى ضده، وإنما كان هناك وثائق تثبت تورطه في مجازر تدمر وحماة وكيف كان دوره في سوريا، وحصلت “سوريتنا” على عدة وثائق صادرة عن المخابرات المركزية الأمريكية CIA، وصنفت عالية السرية تم الكشف عنها مؤخراً، بالإضافة لوثائق أخرى من منظمة “ترايل إنترناشيونال”، تكشف تفاصيل ارتكاب تلك المجازر وكيف تم التخطيط لها ومن المسؤولين عن تنفيذها، بالإضافة لوثائق توضح الدور الأسود لرفعت الأسد في المشهد السوري، والذي بدأ بإجباره للرئيس نور الدين الأتاسي على توقيع الاستقالة والتمهيد لشقيقه، وزير الدفاع حينها، للاستيلاء على السلطة في سوريا.
محاولة اغتيال ثمنها بحر من الدماء
في السادس والعشرون من حزيران من العام 1980 تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال في قصر الضيافة بدمشق، وسط غموض أحاط تنفيذ العملية، وسارع النظام باتهام جماعة “الإخوان المسلمين” بالوقوف وراء المحاولة بشكل صريح، ما أعطى رفعت الأسد الذريعة للإجهاز على عناصر الحركة المعتقلين في سجن تدمر، وبعد ذلك في مدينة حماة.
في حين أشارت إحدى وثائق المخابرات الأمريكية التي حصلت عليها سوريتنا، إلى خلاف امتد لسنوات بين رفعت الأسد وقائد “القوات الخاصة” علي حيدر، حيث كان الأخير ينتقد سراً وعلانية تورط رفعت في عمليات فساد، خاصة ضمن المؤسسة العسكرية.
وامتد الخلاف بين الطرفين على مدار سنوات لدرجة قيام علي حيدر في منتصف عام 1980، مع مجموعة من كبار قادة الجيش، باتهام رفعت الأسد بالإعداد لمحاولة اغتيال أخيه.
رفعت يأمر بإعدام كل السجناء
ورداً على محاولة الاغتيال، قام رفعت الأسد صباح اليوم التالي بتوجيه مجموعة من القوات نحو سجن تدمر لإعدام كل من فيه من المعتقلين الإسلاميين، حيث أقلعت 12 مروحية من مدينة حماة، تحمل 350 جندي كوماندوس من “سرايا الدفاع”، وعشر مروحيات من دمشق، تحمل 100 عنصر من “فيلق الأربعين”، و100 عنصر من “اللواء 138” لتحط جميعها في مطار تدمر العسكري.
فور دخلوهم السجن تلقوا أوامر بإعدام حوالي 1000 من السجناء في زنزاناتهم، وفق تقرير أصدرته منظمة “أمنستي انترناشينال” التابعة للأمم المتحدة عقب المجزرة.
وأوضحت وثائق المخابرات الأمريكية، أنه بعد المجزرة تم إزالة الجثث ودفنوا في مقبرة جماعية خارج السجن، واعترف جنديان سوريان من قوات “سرايا الدفاع”، اعتُقلا في الأردن لاحقاً، على خلفية تورطهما في محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران، بمشاركتهما بالمجزرة واعطوا تفاصيل دقيقة عن العملية.
وفور دخلوهم السجن تلقوا أوامر بإعدام حوالي 1000 من السجناء في زنزاناتهم، وفق تقرير أصدرته منظمة “أمنستي انترناشينال” التابعة للأمم المتحدة عقب المجزرة.
وأوضحت وثائق المخابرات الأمريكية، أنه بعد المجزرة تم إزالة الجثث ودفنوا في مقبرة جماعية خارج السجن، واعترف جنديان سوريان من قوات “سرايا الدفاع”، اعتُقلا في الأردن لاحقاً، على خلفية تورطهما في محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران، بمشاركتهما بالمجزرة واعطوا تفاصيل دقيقة عن العملية.
معركة في حماة حُسمت بمجازر مروعة
ولم تكن مجزرة تدمر الأخيرة كما اعتقد البعض، وإنما كانت تمهيداً لمجزرة أفظع ارتُكبت في حماة، فبحسب “أمنيستي إنترناشيونال” حاولت مجموعة من قوات “الجيش السوري” في الثاني من شباط 1982 بمداهمة أحد البيوت في الجزء الغربي من المدينة القديمة، حيث طوق 90 عنصراً منزلاً قالوا إنه يحتوي على أسلحة وذخائر تعود لجماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة.
وحالما بدأوا باقتحام المنزل تفاجأ عناصر الجيش بكمين أعده لهم ما أطلق عليهم التقرير اسم “المنتفضين”، الذين قاموا بقتل وأسر المجموعة، ونزعوا اللباس العسكري عن الجنود، وانتشروا بعدها على الأسطح والأبنية المرتفعة في أحياء المدينة.
ووفقاً للمنظمة، فقد سيطر “المنتفضون” على الأبنية الحكومية والأمنية في المدينة، بما فيها مخازن السلاح المحلية، وبدأوا بإعدام مسؤولين أمنيين ومخبرين، وصل عددهم لحوالي 50 شخصاً في ذلك اليوم.
في حين قالت صحيفة التايمز في مقال لها نشر حينها، إن الخسائر كانت كبيرة في صفوف الجيش، حيث سقط حوالي 400 قتيل، وحوالي 3200 جريح، امتلأ بهم مشفى حرستا العسكري.
وجاء الرد بعد ذلك بإقفال مداخل المدينة، وأفادت التقارير أنه تم إرسال حوالي 8000 جندي من اللواء “21 الميكانيكي” التابع للفرقة الثالثة، واللواء “47 المدرعات” المستقل، و”سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد، و”القوات الخاصة” بقيادة علي حيدر، و”سرايا الصراع” و”ميليشيا البعث” بقيادة عدنان الأسد.
بحسب تقرير السفارة الأمريكية في دمشق، تم قصف الأجزاء القديمة للمدينة من الجو، لتسهيل عملية دخول القوات والدبابات إلى الشوارع الضيقة، حتى أن المنطقة القديمة من حي الحاضر قُصفت وسُويت بالأرض من خلال الدبابات بعد 4 أيام من القتال.
وفي 11 شباط بث التلفزيون السوري ما قال إنه مخبأ للأسلحة في حماة يحتوي على بنادق وذخائر للأسلحة الخفيفة وقواعد صواريخ محمولة على الكتف، وفي 15 شباط أعلن وزير الدفاع مصطفى طلاس، عن قمع حركة “المنتفضين”، إلا أن المدينة بقيت مطوقة ومعزولة، وتبعها أسبوعين من عمليات التفتيش والاعتقال، مع تقارير متضاربة عن فظاعات ومجازر جماعية ارتُكبت بحق المدنيين العزّل.
ولا يمكن تحديد كل ما حدث، لكن تقرير منظمة “أمينستي” تحدث عن أحداث عدة كعملية إعدام جماعي لـ 70 شخصاً خارج المشفى الوطني في 19 شباط، وإعدام جماعي آخر لأهالي حي الحاضر من قبل في نفس اليوم، إضافةً إلى اتهامات باستخدام خزانات ممتلئة بغاز السيانيد، موصولة بأنابيب بلاستيكية تم توجيه فتحاتها إلى بيوت اختبأ فيها بعض المشاركين في الانتفاضة، ما أدى إلى مقتل جميع سكان تلك الأبنية، كما تم جمع المئات من أهالي المدينة في مطار حماة العسكري والملعب الرياضي وفي الثكنات العسكرية وتُركوا لأيام دون طعام أو مأوى.
وذكرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن ضحايا المجازر في حماة بلغ بين 30 إلى 40 ألفاً، غالبيتهم العظمى من المدنيين، بينما تقول بعض التقارير بأن العدد أكبر من ذلك بكثير، ويصعب التأكد من العدد الكلي الدقيق للقتلى، نظراً لدفن الضحايا في مقابر جماعية، بعضها غير معروف إلى الآن، وصعوبة التعرف على جميع الضحايا، كما أن ما بين 10 و15 ألف مدني اختفوا منذ وقوع المجزرة في عام 1982.
واقتبس الصحفي جاك اندرسون، في مقال له بصحيفة “الواشنطن بوست” حرفياً من تقارير الخارجية الأمريكية وCIA، معلومات أشارت إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” تمثل عنصر المعارضة الأبرز في وجه سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد، حيث شنت قوات الأخير مزودة بالدبابات هجوماً على عدة مئات من أعضاء الجماعة في حماة 1982، وأن أعداد الضحايا نتيجة الهجوم بلغ أكثر من 20 ألفاً خلال أسبوعين.
مجزرة حماة: أكبر جريمة في التاريخ الحديث
بعد خروج ما حدث في حماة للعلن، وتداول الأخبار بين أبناء القرى والبلدات المحيطة بالمدينة، ساد الحديث عن فظائع رهيبة ارتُكبت بحق أهالي حماة، وقالت منظمات وهيئات دولية أن ما حصل في حماة يعد أكبر جريمة في التاريخ الحديث.
صور فظيعة من المجزرة
وثقت تقارير حقوقية وصحفية معظمها، ومنها مجزرة بحق أطفال من المدينة، ارتكبت في نهاية شارع الثامن من آذار، بعد أربعة عشر يوماً على بداية الحملة، حيث بدأ الناس يخرجون قليلاً إلى الشوارع، وطلب الجنود من الأهالي التوجه نحو سيارات الخبز في طرف الشارع، فأسرع عدد كبير من الأطفال وكانوا بالعشرات، حملوا الخبز وفي طريق العودة إلى بيوتهم اعترضهم جنود الجيش، وطلبوا منهم الدخول إلى الجامع الجديد، وهناك فتحوا عليهم النار، ليقتلوا جميعاً وتسيل دمائهم على الخبز الذي كان لا يزال في أيديهم.
ومن الصور الفظيعة أيضاً، قصة امرأة من آل السواس في منطقة الباشورة، اقتحم الجنود منزلها، فقتلوا الزوج ثم أرادوا الاعتداء عليها، فقاومتهم بشدة حتى يئسوا منها، فصبوا عليها مادة المازوت وفي أرجاء غرفتها، وأشعلوا النار فيها فقضت نحبها حرقاً.
كما حاول كثير من الجنود الذين اقتحموا المدينة الاعتداء على النساء، وسُجلت حالات كثيرة جداً قُتلت فيها نساء دافعن عن شرفهن، وكان الجنود يحاولون الاعتداء على النساء وهن في أسوأ حالة نفسية، بعد رؤية أزواجهن أو أبنائهن وآبائهن يُقتلون، ولكن كثيرات قاومن بشدة.
عن موقع سوريتنا