
أظهرت تسريبات القيصر، بالإضافة إلى عدد كبير من الشهادات الأخرى، أن عمليات إعدام ميدانية وإعدام تحت التعذيب، تجري بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع في كل مراكز الاحتجاز التابعة لفروع أمن النظام المختلفة
تُشكّل جريمة الاختفاء القسري واحدة من السمات التي طبعت نظام الأسد الأب والابن، حيث شكّل ملف المختفون قسرياً في عهد حافظ الأسد واحداً من أبرز الجرائم التي ما زالت معلقة إلى اليوم، فيما شكّلت هذه الجريمة سمة عامة لمرحلة ما بعد عام 2011، وأدّت الظروف الأمنية والسياسية الخاصة التي شهدتها سورية منذ ذلك الحين إلى جعل عملية متابعة هذه الجريمة أمراً معقداً، وشبه مستحيل في معظم الأحيان.
ويُقصد بالاختفاء القسري بحسب “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”: “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
ووفقاً لتقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان، فإنّ عدد المختفين قسرياً في سورية في مرحلة الثمانينيات يتراوح بين 17 – 25 ألف شخص، اختفى معظمهم بين عامي 1980 و1981، وما زال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.
ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، تقدّر اللجنة عدد المختفين قسرياً في سورية بحوالي 100 ألف شخص، اختفى معظمهم في الفترة ما بين عام 2011 و2014.
ورغم أن جريمة الاختفاء القسري ترتبط قانونياً بالدولة، إلا أن عدداً كبيراً من الفاعلين ممن هم دون مستوى الدولة ساهموا في هذه الجريمة بشكل كبير، وأبرز هؤلاء الفاعلين “تنظيم الدولة الإسلامية”، والذي تولّى عملية اختطاف عدد كبير من الأشخاص في مرحلة ما قبل سيطرته، وتولى عملية الإخفاء المنظّم بعد سيطرته على معظم المناطق الشرقية والشمالية من سورية.
ويُعتقد أن معظم من تم اختطافه من قبل أجهزة النظام السوري والميليشيات الشعبية المحلية والأجنبية المؤيدة له، ومن تم اختطافهم من قبل تنظيم الدولة، قد تعرّضوا للإعدام تحت التعذيب أو الإعدام الميداني.
وقد أظهرت الشهادات المتواترة لمفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة للنظام أو التنظيم أن عمليات الإعدام كانت تجري على نطاق واسع، وخاصة في الفترة ما بين 2011-2013.
ونظراً لانتفاء قدرة المنظمات المحلية أو الدولية على زيارة مراكز الاحتجاز، ورفض النظام والتنظيم تقديم أي معلومات عن المحتجزين لديه، فإنّ المصدر الوحيد الذي تبقى لمعرفة مصير المختطفين هو قيام الجهات المختطفة بتسليم جثث من تمّ إعدامه، وهو أمر يتم على نطاق محدود جداً، أو من خلال معلومات يتم الحصول عليها من خلال مفرج عنهم.
كما شارك فاعلون آخرون في عمليات الإخفاء القسري، وإن كان على نطاق أضيق بكثير من أجهزة النظام والتنظيم. ومن أهم هؤلاء الفاعلين تنظيم جبهة النصرة وفصائل المعارضة المسلحة. ويضاف إليهم العصابات الجرمية التي نشطت بشكل كبير في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الفترة من 2011-2013، وقامت بخطف عدد كبير من الأشخاص لابتزاز ذويهم، واستخدمت في كثير من الأحيان لافتة الفصائل المسلحة، وبالتالي لم يعد من السهل تمييز حالات الإخفاء القسري المرتبطة بالعمل السياسي، وتلك المرتبطة بأهداف جرمية.
ويضاف إلى التعقيد الذي يكتنف جريمة الإخفاء القسري في سورية تعدّد الأسباب التي يمكن أن يختفي الأشخاص بسببها، وبالتالي فإنّ من غير المتيسّر معرفة ما إذا كان اختفاء شخص ما هو نتيجة لتوقيفه على أحد الحواجز الكثيرة التي انتشرت في كل منطقة في سورية، أو نتيجة لأسباب أخرى.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تؤكّد على أهمية متابعة ملف المعتقلين والمختفين قسرياً في سجون النظام وسجون تنظيم الدولة، وفي كل السجون ومراكز الاحتجاز الأخرى، فإنّها تدعو كافة الفاعلين السياسيين إلى إدراج قضية المختفين قسرياً كبند أساسي في أي تسوية مفترضة للحل السياسي.
كما تدعو اللجنة أهالي المختفين إلى توثيق اختفاء أبنائهم لدى المنظمات السورية المتخصصة، وعدم التوقف عن متابعة قضية اختفاء أبنائهم، حيث أن هذه الجريمة هي مما لا يسقط بالتقادم.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
30/8/2017