أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع اليوم 19/12/2016 قراراً تاريخياً من حيث أبعاده وأثره على منظومة حقوق الإنسان في العالم، لما مثّله من شرعنة غير مسبوقة لجرائم الإبادة الجماعية، واهتمام بالمشاركة في إخراج الجريمة بصورة لائقة بدل الانشغال بمنع الجريمة أو حتى إدانتها!.
وينصّ القرار رقم (2328) على نشر مراقبين دوليين في حلب، ويطلب القرار من الأمم المتحدة أن تضطلع بالمراقبة المباشرة لعمليات الإجلاء من الأحياء الشرقية في حلب والأحياء الأخرى من المدينة، ويطالب جميع الأطراف بإتاحة المجال لهؤلاء المراقبين للوصول الآمن والفوري ودون عائق. ويعود الأمين العام للأمم المتحدة إلى المجلس خلال 5 أيام لتقديم تقريره حول تعاون الأطراف المعنية على الأرض حول القرار. ويشمل إعادة توزيع الموظفين الدوليين للإشراف والمراقبة ويعطي الأمم المتحدة إمكانية العمل بشكل مباشر، بالتنسيق وموافقة الأطراف المعنية على الأرض، على عمليات إخلاء المناطق المحاصرة كما مراقبة وضع المدنيين، كما أكّد القرار على أن تجري “عمليات الإجلاء للقانون الدولي والإنساني ومبادئه، وأن تكون طوعية وإلى وجهات نهائية يختارونها، وأنه يجب توفير الحماية لجميع المدنيين الذين يختارون الإجلاء أو الذين اضطروا إليه ولأولئك الذين يختارون البقاء في منازلهم”.
جاء القرار قبل أقل من يومين تقريباً على النهاية المفترضة لخروج آخر المدنيين المحاصرين من أحياء حلب الشرقية، وتهجيرهم إلى الريف الغربي، بعد سنوات من قصف البراميل والصواريخ على المناطق السكنية، واستهداف كل الأماكن الحيوية في هذه المناطق، وهي جرائم حرب موصوفة، بالتوازي مع الحصار الخانق، وهو جريمة إبادة جماعية، لا تميّز بين شخص وآخر.
عَجِز مجلس الأمن خلال الفترات التي كانت حلب تتعرّض فيها للقصف والإبادة عن اتخاذ أي فعل حقيقي، رغم أن بعض الدول فيه حاولت أكثر من مرّة طرح قرارات للإدانة أو لمحاولة وقف الجريمة. لكن الوصول إلى القرار (2328) شكّل استخفافاً بقيم القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث خلا من عبارات الإدانة للجرائم التي أدّت إلى تهجير سكان هذه الأحياء، وشرعن هذه التهجير من خلال محاولة توصيفه بأنه طوعي، طالما أنه يتم بالتوافق ما بين من يتم إخراجهم ومن يقوم باستهدافهم وحصارهم وإبادتهم!.
إن وصول المراقبين الدوليين إلى حلب خلال أسابيع من اليوم، بعد أن تكون الأحياء المحاصرة قد أُخليت من سكانها، سيكون خالياً من أي معنى أو دلالة، إلا أنه سيساعد الدول المشاركة في صناعة القرار على الادعاء بأنها فعلت ما أمكنها لتخفيف المعاناة، رغم أنها ستصل بعد انتهاء المعاناة كلها!.
إن الانشغال بتفاصيل إخراج الجريمة، ومحاولة التأكّد أن قتل الضحايا يتم بشكل رحيم، يُشكّل انهياراً حقيقية لمبادئ حقوق الإنسان في القانون الدولي، وتشريعاً لعصر جديد لا يشعر فيه مرتكبو جرائم الحرب بالعزلة والاستبعاد وهم يمارسون أعمالهم الفظيعة!.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
19/12/2016