أولاً: التهجير في مدينة حمص
منذ بداية العام 2012 بدأ النظام عملية تهجير ممنهج في مدينة حمص بدأها بقصف حي بابا عمرو ومنطقة جوبر والسلطانية في بداية الشهر الأول (كانون ثاني/يناير 2012)، مما دفع سكانه البالغ عددهم آنذاك قرابة ثلاثين ألف نسمة لمغادرة هذه المناطق، ثم بدأت مرحلة جديدة هيمنت عليها المجازر على أساس طائفي في مناطق الاحتكاك بين العلويين والسنة، فكانت مجزرة كرم الزيتون والرفاعي وحي السبيل وغيرها من المجازر التي وقعت مع بداية العام 2012.
ومع شهر شباط/فبراير 2012 قصفت قوات النظام منطقة الخالدية (وهي منطقة مأهولة بالسكان) بقذائف الهاون لأول مرة منذ بدء الحراك الشعبي المناهض للنظام، مما أدّى آنذاك لمقتل العشرات، ودفع آخرين للنزوح إلى مناطق أخرى.
وفي بداية شهر آذار 2012 قامت قوات النظام باقتحام حي عشيرة (منطقة شرق جنوب مدينة حمص كان يقطنها آنذاك قرابة خمسة آلاف نسمة)، وقد غادر جميع سكانها باستثناء بضع عشرات من الأسر، والتي تعرّضت لاعتقال أبنائها أو مقتلهم، مما أثار رعباً في بقية المناطق، ودفعهم لمغادرة بيوتهم خشية أن يُصيبهم ما أصاب حي عشيرة.
وفي شهر نيسان،أبريل 2012 كانت أحياء كرم الزيتون والرفاعي وعشيرة في جنوب شرق حمص بالإضافة لأحياء البياضة ووادي العرب وحي السبيل في شرق شمال مدينة حمص قد أُفرغت بالكامل، ودخلتها قوات الجيش مرتكبة عدة مجازر.
ومع استمرار قصف بقية المناطق غادر عدد كبير من السكان المدينة وكان نصيب حي الوعر الهادئ نسبياً استقبال ما لايقل عن مائة وخمسين ألف نسمة من مختلف المناطق (تشير بعض المصادر إلى أن الحي استقبل أكثر من مائتين وخمسين ألف نسمة خلال عام2012).
ثانياً: النزوح إلى حي الوعر
مع بداية شهر حزيران/يونيو 2012 دخلت مناطق حمص القديمة في حصار تام استمر أكثر من سبعمئة يوم، وفي هذه الأثناء كانت وجهة جزء من السكان الذين نزحوا من أحياء مدينة حمص المختلفة، هي حي الوعر الواقع غرب المدينة.
ومع ارتفاع عدد سكان الحي إلى حوالي 300 ألف نسمة بسبب النزوح، بدأ النظام حصاره للحي في منتصف عام 2013، وقد دفعت سياسة الحصار لانحسار التدفق نحو حي الوعر، حيث كان هناك ثمة ما يجذب النازحين إلى حي الوعر أكثر من غيره، ونستطيع تلخيص هذه المزايا بالآتي:
- توافر المنازل والشقق السكنية حيث بُني حي الوعر وفق طراز معماري حديث يتألف من أبراج عالية تصل إلى أكثر من عشرين طابقاً في معظمها.
- وجود عدد كبير من الجمعيات الإنسانية والإغاثية العاملة في الحي، وبالتالي تقديم خدمات أكثر.
- وجود نسبة معقولة من الأمان من الخطف والاعتقال الراجع لانتشار افراد مسلحين من المعارضة المسلحة يشكلون منصات إنذار مبكر لمثل هذه الحالات، أو يمنعونها.
وقد سكن الناس في الأبراج والمدارس والأماكن العامة، بل وحتى المخازن التجارية، فانتعشت الحياة التجارية في الحي لعدة أشهر في مطلع عام 2013.
ثالثاً: حصار حي الوعر وبدء عملية التجويع والتهجير
مع منتصف العام 2013 رُفعت لافتة على مدخل حي الوعر الغربي الجنوبي (قرب دوار المزرعة) كتب عليها عبارة: “الجوع أو الركوع”، وقد انتشرت هذه العبارة كثيراً في عموم أنحاء سورية بعد هذا الموقف، وخلال أيام قصيرة من هذه الحادثة تم إغلاق مختلف المعابر مع الحفاظ على معبر واحد يسمح من خلاله بالخروج والدخول لحي الوعر، وقد منعت قوات النظام دخول المواد الغذائية والطبية وحليب الأطفال وبقية مستلزمات الحياة، كما أغلق الطريق باتجاه الدخول للحي، سامحاً لأولئك الراغبين بالخروج فقط ودون عودة.
لقد خرجت أعداد كبيرة من حي الوعر نتيجة هذا التصرف لأن الناس في حمص لديها تجربة في حصار حمص القديمة ولا تريد أن تتكرر عمليات التجويع والقصف، وبالفعل بعد عدة أشهر بدأت قذائف الهاون تتساقط على الحي، ثم تطورت باتجاه أكبر لتصبح صواريخ أرض-أرض، وقد غادر عشرات الآلاف حي الوعر خلال ستة أشهر نتيجة هذه الأحداث المؤلمة.
مع بدء شتاء العام 2014 قطع النظام الكهرباء عن الحي واستمر منع دخول المواد الغذائية كما لم يسمح بدخول أي أحد سوى الموظفين الحكوميين وطلاب الجامعات، واستمر انقطاع الكهرباء ثلاثة أشهر تقريباً (طيلة فترة الشتاء) مما دفع سكان أخرين للخروج خارج الحي، ليصبح عدد الموجودين داخل حي الوعر مع منتصف العام 2014 أقل من مائة وخمسين ألف نسمة.
شهدت بداية العام 2015 تصعيداً غير مسبوق من خلال قصف الحي باسطوانات صاروخية وتوجيه ضربات جوية مستمرة ومتتابعة، كذلك قذائف مدفعية وصواريخ شديدة الانفجار واستمر الأمر عدة أشهر مع ارتباطه بمنع دخول المواد الغذائية والطبية، مما دفع المزيد من السكان للمغادرة.
رابعاً: الحواجز والنقاط العسكرية المحيطة بحي الوعر والتي تفرض الحصار
تُحيط بالحي قطعٌ عسكرية تابعة لقوات النظام، كمباني الكليات العسكرية (كلية المشاة، الكلية الحربية، كلية الرياضة، كلية الدفاع الجوي، كلية المعلومات….وغيرها) وهي مباني تقع شمال وشمال شرق الحي، وتحيط بالحي من جهة الشرق والجنوب الشرقي بساتين زراعية يتمركز على أطرافها قوات مايعرف بالشبيحة، يمنع النظام زراعة أغلب هذه المناطق حالياً بسبب استهدافها بالقذائف الحارقة مما يؤدي إلى إحراق المحاصيل ومقتل المزارعين، كما يحد الحي من الغرب قرى موالية لحزب الله اللبناني -بأغلبية شيعية- قرب مصفاة حمص، وتمتلك هذه القرى وحدات قتالية تقصف الحي وتشتبك مع ثوار مرابطين على الحدود الغربية للحي بشكل دائم، وتعتبر الجهة الغربية هي الجهة الأكثر اشتعالاً.
وهناك مدخل وحيد لحي الوعر حالياً (عند تقاطع طريق مصياف مع حدود الحي) يخرج منه الطلاب والموظفون الحكوميون.
خامساً: استمرار عملية التهجير
تفاقم أثر الحصار على حي الوعر بشكل تدريجي، وفي شهر أيار/مايو 2016 توفي فيه طفلان نتيجة فقدان المواد الطبية اللازمة لعلاجهما ضمن الحي، وظهرت حالات تشوه خلقي يرجح أنها تعود لاستخدام مواد طبية منتهية الصلاحية من قبل الأمهات، وكذلك ظهور عشرات الحالات الحادة لفقر الدم ونقص الوزن غير مشاهدة من قبل.
وقامت النظام في 27/5/2016 بقصف الوعر بأربعة عشر إسطوانة متفجرة وعشرات قذائف الهاون بالإضافة لصاروخين أرض- أرض، مما أدّى إلى مقتل ثمانية أشخاص على الأقل (بينهم ثلاثة أطفال)، وإصابة أكثر من ثلاثين شخصاً، واستهدفت الصواريخ مبنى جمعية عون للإغاثة والتنمية وملجأ للنازحين وأبراج سكنية.
بتاريخ 28/5/2016 أبلغ حاجز النظام الموظفين والطلاب الخارجين من الحي أنهم لن يتمكنوا من العودة ثانية لأن الحي سيتم اقتحامه عسكرياً بعد فترة قريبة، وأن عليهم أن يخرجوا أسرهم من الحي بأسرع وقت مما أدى لنزوح عشرات الأسر خارج الحي خلال اليومين التاليين وقد تم اعتقال مايزيد عن خمسين شخصاً من الخارجين من الحي نتيجة هذا النزوح.
بتاريخ 1/6/2016 قام النظام بقصف حي الوعر من جديد بالاسطوانات المتفجرة وقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة مما أدى لوقوع إصابات في صفوف المدنيين.
واستمرت عملية النزوح خارج الحي، نتيجة التضيق والتهديدات التي يتعرض لها السكان بالإضافة لوضع إنساني سيء على المستوى الطبي، وكذلك منع دخول الخبز والمواد الغذائية (دخل جزء من قافلة مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة بتاريخ لكنها غير كافية سوى لنصف السكان لمدة شهر).
ولايزال النظام يستمر في عملية التهجير حتى تاريخ نشر هذا التقرير، وذلك عن طريق خلق مناخ مهيئ للنزوح وكذلك إعطاء موافقات أمنية للأسر الراغبة بالخروج دون السماح لأي أسرة أو فرد بالعودة إلى الحي.
سادساً: التوصيات
لقد انخفض عدد سكان حي الوعر من قرابة ثلاثمائة ألف نسمة إلى قرابة مائة ألف نسمة خلال عامين، ولا يزال هذا النزيف مستمراً بسبب ممارسات نظام الأسد، ومحاولاته لتغير البنية الديمغرافية في مدينة حمص، وإن حمص القديمة وماحصل فيها خير شاهد على نوايا النظام، حيث لم يعد إلى تلك المنطقة سوى عشرات الأسر من أصل أكثر من سبعمئة ألف مدني غادروا أحياء حمص، حيث يتابع النظام مسيرته في عملية التهجير من خلال افراغ المناطق ذات الأغلبية السنية في حمص، كما حصل في منطقة الأوراس (شرق حمص) بداية شهر أذار الجاري2016حيث طلب النظام من سكان منطقة معينة إخلاء منازلهم وقد غادر المنطقة أكثر من خمسة ألاف مدني، كذلك هناك ضغوطات كبيرة على السكان السنة في الأحياء التي تقع تحت سيطرته، حيث لا يمر يوم بدون اعتقال أو اقتحام لمنزل، أو تعرض المواطنين لعمليات ابتزاز وسرقة على الحواجز التابعة لنظام الأسد، وبناءً عليه:
- على المجتمع الدولي أن يكلف لجنة تحقيق دولية مختصة بجرائم التهجير القصري في حمص.
- كسر الحصار المفروض على حي الوعر هو المهمة الأساسية التي يجب أن تعمل عليها المؤسسات الإنسانية حالياً من أجل وقف النزيف السكاني من حي الوعر والذي يهدف إلى تغير التركيبة الديمغرافية في حمص.
- إنشاء مكتب للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن حي الوعر من أجل متابعة الأحداث المختلفة، ورغبةً في تحسين الوضع الإنساني داخل الحي.
- ينبغي أن تكون قضية الإفراج عن المعتقلين في الأفرع الأمنية والسجون، والسماح بحرية التنقل من وإلى حي الوعر دون أي قيود بنوداً أساسية في أي خطط إنسانية تقوم الأمم المتحدة بتنفيذها في حمص.