شهدت مدينة حمص يوم 18/4/2011 دعوة لاعتصام شعبي يتم بثّه مباشرةبواسطة عدد من القنوات الفضائية، وكان الاعتصام هو الأول الذي يشهد مثل هذه الدعوة، حيث سبق ذلك بثُ مظاهرات بشكل مباشر، لكن دون أن يتم الإعلان المسبق عنه.
بدأ الاعتصام في ساحة الساعة وسط المدينة بعد العصر وامتلأت الساحة بشكل كامل بعد غروب يوم 18/4/2011، وكان مقرراً له أن يستمر حتى اليوم التالي.
وفي حوالي منتصف الليل، تحدّث الشيخ محمود الدالاتي للمعتصمين، وقال بأنّه تلقى اتصالاً من ضابط في القصر الجمهوري تدعوه إلى فض الاعتصام، وإلا فسيتحمّل المعتصمون النتيجة. ودعا المتحدث المعتصمين إلى إنهاء الاعتصام ومغادرة الساحة، وبالفعل غادر عدد كبير من المتظاهرين، وبقي في الساحة حوالي 3000 شخص.
وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً، تحدّث الشيخ الدالاتي مع المعتصمين، وقال بأن المنظمين حريصون على حياة المعتصمين، وقال بأن المنظمين تلقوا تطمينات من القصر لترتيب لقاء لتلبية مطالب المتظاهرين.
وبعد انتهاء كلمته مباشرة، قام مئات العناصر من الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية باقتحام الساحة، وبدأوا بإطلاق النار على المعتصمين الموجودين في الساحة.
وفي شهادة نقلتها منظمة هيومن رايتس ووتش، قال جندي منشق شارك في فض الاعتصام: “جلس المتظاهرون في الساحة. قيل لنا أن نفرقهم باستخدام العنف إذا لزم الأمر. كنا هناك مع فرع أمن القوات الجوية والجيش والشبيحة. حوالي الثالثة والنصف صباحاً وصلنا أمر من العقيد عبد الحميد إبراهيم من أمن القوات الجوية بإطلاق النار على المتظاهرين. رحنا نطلق النار نحو نصف ساعة. كان هناك العشرات والعشرات من القتلى والمصابين. بعد 30 دقيقة، وصلت آليات حفّارة وعربات إطفاء. رفع الحفارون الجثامين ووضعوها على ظهر شاحنة. لا أعرف إلى أين أخذوهم. تم نقل المصابين إلى المشفى العسكري في حمص. وبدأت عربات الإطفاء في تنظيف الساحة”.
وقال أحد المشاركين في الاعتصام في شهادته: “حوالي الساعة 2:15 صباحاً، سمعنا فجأة إطلاق نار كثيف. في البداية بدا كأن قوات الأمن تطلق النار في الهواء. بدأ الناس في الركض. بدأت أركض، وسمعت الناس يصرخون بأن هناك من أصيب. حاولت قلة منّا نقله لكن الآخرون صاحوا وقتها أنه مات. لمدة 20 دقيقة لم نسمع إلا إطلاق النار بلا توقف. احتميت ببناية في شارع دبلان حتى الصباح. في السابعة والنصف صباحاً غادرت البناية ورأيت بقع الدم على الأرض. كانت هناك طواقم لتنظيف الشارع، وكأن شيئاً لم يحدث”.

خريطة تظهر النقاط التي بدأت منها قوات الأمن هجومها على المتظاهرين، والشوارع التي استخدمها المعتصمون للخروج من منطقة الاعتصام
وبعد انتهاء قوات الجيش والأمن والشبيحة من تفريق الاعتصام ورفع الجثث، تجمّع الجنود والشبيحة في وسط الساحة، وقاموا بالهتاف للرئيس، وهم بسلاحهم الكامل.
لم يُعرف عدد ضحايا فض الاعتصام إلى اليوم لاعتبارين أساسيين:
الأول: أن قوات الأمن التي اقتحمت الاعتصام قامت باعتقال عدد كبير من المشاركين، كما قامت بسحب جثث القتلى، ولم يكن من الممكن لأي من المعتصمين العودة إلى الساحة للتعرف على جثث القتلى وإجراء التوثيق الذي يتم بعد المجازر التي شهدتها سورية لاحقاً، وبالتالي لم يتمكن ذوو الضحايا من معرفة مصيرهم، وما إذا كانوا في عداد المختطفين أو القتلى، وتعرّف بعضهم على مصير أبنائهم بعد سنوات من فض الاعتصام.
الثاني: أن هذه المجرزة كانت من أوائل المجازر التي شهدتها سورية خلال الاحتجاجات الشعبية، وبالتالي فإنّ مهارات التوثيق التي تطوّرت لاحقاً بشكل كبير لم تكن متوفرة في ذلك الوقت.
أهمية المجزرة
شكّلت مجزرة ساحة الساعة مفصلاً أساسياً في طريقة تعامل الحكومة السورية مع الاحتجاجات الشعبية، فرغم أن المجزرة سُبقت بعدد من المجازر الأخرى، إلا أنها تمّت بشكل منظم ومدروس، لأن الاعتصام كان قد بدأ قبل إطلاق النار على المعتصمين بسبع ساعات على الأقل، وبالتالي فإنّ من الواضح أنّ المجزرة كانت بنيّة مبيّتة، ولم تكن انفعالاً من مسؤول أمني ميداني.
كما أن من الواضح أن المقتحمين كانت لديهم تعليمات باستخدام القوة المفرطة لتفريق الاعتصام بأي ثمن، من أجل إرسال رسالة واضحة إلى الجمهور في مدينة حمص وفي المناطق الأخرى بأن الحكومة لا يمكن أن تتسامح مع الأنشطة المدنية السلمية، وهو بالفعل ما حصل لاحقاً في حمص نفسها وفي مدن أخرى.