في مثل هذا اليوم من عام 1982 بدأت قوات النظام السوري في عهد حافظ الأسد هجومها على مدينة حماة، لترتكب في 27 يوماً واحدة من أكبر الفظائع الإنسانية التي شهدتها سورية في القرن الماضي، حيث قُتل خلال هذه الفترة حوالي 30 ألف شخص، وفقاً لتقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان.
ولم تحظ مجزرة حماة وقت وقوعها بالكثير من المواقف الدولية، والتي اقتصرت على إشارات مقتضبة في تقارير لا يقرأها ولا يتداولها إلا المعنيون، ولم تنعكس في مواقف سياسية حتى في إطارها اللفظي، كما لم تحظ المجزرة بتغطية إعلامية تكافئ حجم الجريمة التي تمّ ارتكابها، حيث لم يكن من الممكن آنذاك نقل الصور والوقائع إلى العالم كما هو الحال اليوم.
ولم يقتصر الموقف الدولي من المجزرة على السكوت على الجريمة، بل تعدّاه إلى استقبال المجتمع الدولي للجناة وأبنائهم في عواصم أوروبا وأمريكا، وفي بناء المزيد من الجسور السياسية والأمنية والاقتصادية مع النظام الذي ارتكب المجزرة، وفي منحه الشرعية الدولية، وهي الشرعية التي ما زال يستند إليها هذا النظام إلى اليوم في تمثيل سورية في المحافل الدولية، وفي إصدار الوثائق الرسمية، رغم أنه لا يُسيطر اليوم إلا على أقل من 20% من الأرض السورية.
وقد منح الموقف الدولي من المجزرة آنذاك دروساً مهمة للنظام السوري، حيث أدرك أن بإمكانه قتل السوريين بالشكل الذي يُريد، وبالأسلحة التي يُريد، طالما أنه يراعي مصالح الدول الكبرى، وأنّ أحداً لن يُحاسبه على جرائمه، أو يسعى إلى تقديم الجناة إلى أي محاكمة، وهي دروسٌ أظهرت فعاليتها بعد عام 2011 إلى اليوم، حيث عجز المجتمع الدولي عن إصدار أي قرار دولي يُدين النظام السوري، واكتفى بإدانة الجرائم دون تسمية النظام كفاعل رئيسي في أي من قراراته!.
لقد مثّلت مجزرة حماة نقطة فاصلة في تاريخ النظام القمعي في سورية، حيث أظهرت استعداده لتدمير مدينة بكاملها، وقتل آلاف من أبنائها في أيام معدودة، بغض النظر عن أعمارهم أو جنسهم أو حتى موقفهم من النظام. وعكست المجزرة طبيعة نظام الأسد الأب، والذي لم يتورّع عن ارتكاب أفظع الجرائم بحق مخالفيه على كافة أشكالهم ومراتبهم، وقدّمت نموذجاً قابلاً للاستنساخ لكيفية التعامل مع المخالفين، وهو نموذج تمّ استحضاره واستنساخه على نطاق واسع، وبأشكال مضاعفة عن نموذج حماة، حيث قام هذا النظام بقتل قرابة 300 ألف شخص خلال خمس سنوات، ودمّرت عشرات الأحياء في حلب وحمص وريف دمشق بالشكل الذي جرى تنفيذه في عام 1982.
إن اللجنة السورية وإذ تحيي اليوم الذكرى الرابعة والثلاثين لمجزرة حماة الكبرى، والتي استمرّت طوال سبعة وعشرين يوماً، فإنّها تؤكّد أن ضحايا المجزرة لم يأخذوا حتى حقهم المعنوي إلى اليوم، بما في ذلك معرفة مصير عشرة آلاف من المختفين أثناء المجزرة، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
لقد شهد عام 2015 وفاة اللواء شفيق فياض أحد الجناة الرئيسيين في المجزرة وفي عدد كبير من المجازر الأخرى دون أن يُحاسب على الجرائم التي ارتكبها في حماة أو غيرها، كما توفي عدد آخر من الجناة الآخرين، بينما يتواجد أحد أبرز مرتكبي المجزرة في أوروبا، ويتمتع فيها بالحماية السياسية والقانونية الدولية.
لقد كانت مجزرة حماة نموذجاً لجريمة حرب ارتكبت بعلم المجتمع الدولي، وبقي الجناة في حمايته خلال هذه السنوات، وتكرر هذا النموذج بشكل كامل في (سلسلة مجازر حماة) التي شهدتها سورية منذ عام 2011 وحتى الآن.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
2/2/2016