سجّلت كاميرات المصوّرين في هنغاريا يوم أمس الثلاثاء قيام مصوّرة بالاعتداء على المهاجرين الذين يحاولون الدخول إلى هنغاريا، مما أدّى إلى قيام القناة التي تعمل بها بفصلها من عملها.
وتعمل المصورة بيترا لازلو في في قناة N1TV، وهي قناة تتبع لحزب جوبيك اليميني المعارض للاجئين والأجانب.
ويظهر التسجيل الذي بثّه صحفي ألماني قيام المصوّرة وهي تحمل الكاميرا بعرقة لاجئ يحمل طفلاً، ثم قيامها بركل طفلة لاجئة لحظة مرورهم أمامها وهي تقوم بعملية التصوير.
وعكس القرار المباشر لإدارة القناة بفصل الصحفية التزاماً من طرف القناة بأخلاقيات مهنة الصحافة، وبأهمية الرقابة الذاتية التي يمكن أن تُمارسها وسائل الإعلام فيما بينها، بما يُساهم في فرض هذه الأخلاقيات، حيث معظم المؤسسات الإعلامية في العالم بتغطية الانتهاك على نطاق واسع، وبشكل يدينه بشدة، بما دفع القناة إلى اتخاذ قرارها بصورة عاجلة.
وتُعيد حادثة اعتداء المصورة الهنغارية على اللاجئين السوريين انتهاكات متواصلة من طرف الإعلاميين في العالم العربي، دون قيام وسائل الإعلام الأخرى بتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، ودون قيام المؤسسات الإعلامية التي يتبعون لها بأي إجراءات، بما يؤكّد أن هذه الانتهاكات كانت بالتنسيق مع مؤسساتهم أو على الأقل مع برضا إداراتها.
وسوف نعرض في هذا التقرير أهم الانتهاكات التي قامت بها وسائل الإعلام السورية والعربية فيما يتعلق بالأزمة السورية خلال السنوات الخمسة الماضية.
أولاً: التحريض العنصري وبث خطاب الكراهية
شهدت السنوات السابقة عدداً من الحالات التي قام فيها صحفيون في العالم العربي ببث خطاب تحريضي ضد اللاجئين السوريين.
وقد شهدت مصر ولبنان أوسع هذه الحالات، حيث تم تسجيل عشرات الحالات التي قام فيها إعلاميون ببث خطاب كراهية ضد السوريين المقيمين هناك، مع اتهامهم بما أسماه الإعلام المؤيد للنظام السوري بجهاد النكاح، ودعوا إلى ممارسة العنف ضد اللاجئين.
ففي عام 2013 دعى الإعلامي يوسف الحسيني إلى ممارسة العنف ضد اللاجئين والمقيمين السوريين في مصر، في محاسبة لهم خارج القانون على ما وصفه بتأييدهم للرئيس المعزول.
كما قام الإعلامي توفيق عكاشة بتهديد السوريين المقيمين في مصر، حيث قال بأنه تم إحضار عناوينهم جميعاً، وأنه سيتم تدمير بيوتهم خلال 48 ساعة إن تعاونوا مع جماعة الإخوان المسلمين.
ثانياً: التحريض على القتل وانتهاك حقوق الإنسان
وفي عدد غير محدد من الحالات، قام الإعلام الرسمي السوري ووسائل الإعلام القريبة منه بالدعاية لجرائم الحرب التي قام بها النظام السوري، حيث قام هؤلاء الإعلاميون باستعراض الجثث بطريقة غير لائقة. وفي حادثة شهيرة قامت الإعلامية في قناة الدنيا شبه الرسمية ميشلين عازر في إطار تغطيتها لمجزرة داريا في 25/8/2013 باستنطاق طفلة تحتمي بجثة أمها التي قتلت في المذبحة.
وفي سياق الأعمال العسكرية التي قام بها الجيش اللبناني على مخيم عرسال في شهر آب/أغسطس 2014، قام عدد من الإعلاميين اللبنانيين بكتابة تغريدات تدعو لطرد اللاجئين السوريين من لبنان (كما فعل الإعلامي طوني خليفة) أو حتى قتلهم، كما فعلت الإعلامية رهاب ضاهر.
وفي عدد غير محدد من المقابلات والبرامج التلفزيونية والمواد المكتوبة، طالب إعلاميين باستخدام القوة بأقصى درجة، وبقتل المتظاهرين.
وعلى سبيل المثال، وفي مقابلة مع قناة العربي في 18/2/2015 قال المحلل السياسي الموالي للنظام طالب إبراهيم بأن على النظام استخدام السلاح النووي في مواجهة معارضيه:
وفي مقابلة تعود لعام 2011، قال نفس المتحدث بأن قتل المتظاهرين فرض وواجب، ويجب استخدام الرصاص الحي معهم.
ثالثا: انتهاك حقوق الطفل والمرأة
قامت العديد من وسائل الإعلام السورية خلال السنوات الماضية ببث اعترافات لأطفال ونساء، جنباً إلى جنب مع اعترافات لرجال بالغين، اعترفوا فيها بارتكاب جرائم وأعمال مناهضة للنظام، بما في ذلك اعترافات بقيام الأطفال بمارسات جنسية.
وبالإضافة إلى عدم قانونية عرض المتهمين على الإعلام قبل صدور أحكام بحقّهم، وعدم قانونية عرض اعترافات الأطفال حتى لو صدرت أحكام بإدانتهم، فإنّ جميع المعتقلين الموجودين في السجون السورية لم يُعتقلوا بشكل قانوني، كما يُمارس التعذيب على نطاق واسع وممنهج، مما يجعل أي اعترافات متلفزة أو غير متلفزة موضع رفض قانوني.
وتالياً بعض النماذج لاعترافات أطفال على شاشات القنوات الرسمية السورية لأطفال تم اختطافهم من قبل الأجهزة الأمنية، ولم يُعرف مصيرهم بعد ظهورهم على الإعلام:
اعترافات الطفل عمران عدنان قدور، من مواليد عام 1999، من طريق السلمية في حماة. واعترف في مقابلته بمشاركته في تنظيم مجموعة مسلحة وقيامه باختطاف أشخاص وتعذيبهم وقتلهم! وتمّ بث المقابلة على قناة الإخبارية السورية الرسمية بتاريخ 9/10/2013:
اعترافات الطفل شعبان عبد الله حميده (13 عاماً بتاريخ بثّ الاعترافات)، والذي قال في اعترافاته التي عرضت على قناة الفضائية السورية في 5/10/2013 بأنّه قام بقتل 23 شخصاً.
اعترافات الطفلة سارة خالد العلو (15 عاماً بتاريخ بثّ الاعترافات): والتي قالت في اعترافات تمّ بثها بتاريخ 11/8/2013 بأنها كانت تمارس علاقات جنسية غير مشروعة مع المقاتلين، وأنها أميرة جبهة النصرة في البوكمال!.
اعترافات الطفلة روان ميلاد قدّاح (16 عاماً بتاريخ بثّ الاعترافات)، والتي قالت في مقابلتها على قناة الإخبارية السورية بتاريخ 22/9/2013 بأن والدها كان يُحضِر المقاتلين من أجل ممارسة علاقات جنسية غير مشروعة معها، وكانت الطفلة روان قد تمّ خطفها من الأمن السوري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012
رابعاً: بث المعلومات الكاذبة وعدم الاعتذار عنها
وشكّلت ادعاءات جهاد النكاح مادة خصبة للعديد من الإعلاميين، حيث قاموا ببث أخبار كاذبة، بناء على ما قالوا إنها فتوى للشيخ السعودي محمد العريفي، بناء على تغريدة مفبركة تم نشرها آنذاك.
ففي مصر قام الإعلامي محمد الغيطي باتهام اللاجئات السوريين في مصر بممارسة البغاء (أو ما أسماه جهاد النكاح) مع المحتجين في ميدان رابعة آنذاك (في عام 2013)
وقامت العديد من وسائل الإعلام باستخدام صور من الشيشان باعتبارها صوراً من سورية، دون الاعتذار لاحقاً عن استخدامها لمثل هذه الصور، كما في هذا التقرير من قناة الميادين اللبنانية
نتائج وتوصيات
يُلاحظ من النماذج السابقة أن وسائل الإعلام السورية، والعديد من وسائل الإعلام المتحالفة معها، وبعض وسائل الإعلام العربية قد شهدت خلال السنوات الماضية انتهاكات خطيرة من طرف إعلاميين، أو من طرف المؤسسات الإعلامية نفسها.
وفي كل الحالات التي تم ذكرها، لم يقم الإعلاميون حتى بالاعتذار عما قاموا به (ما عدا الإعلامي يوسف الحسيني، والذي قدّم اعتذاراً جزئياً في حلقة تالية)، ولم تقم مؤسساتهم باتخاذ أي إجراءات بحقّهم.
كما يلاحظ أن وسائل الإعلام، في دولهم أو في الدول العربية الأخرى، لم تقم في إطارة عام بإدانة هذه الانتهاكات، حيث اقتصرت الإدانات على وسائل الإعلام المخالفة سياسياً لتلك التي ارتكبت الانتهاكات، بما يعكس غياباً لقواعد السلوك المهني لدى معظم وسائل الإعلام في المنطقة.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ تنتهز حادثة إقالة المصوّرة الهنغارية بعد سلوكها المشين يوم أمس بالاعتداء على اللاجئين السوريين في هنغاريا، فإنّها تدعو وسائل الإعلام العربية لالتزام قواعد السلوك المهني، والالتزام بالقواعد الدنيا لاحترام حقوق الإنسان، كما تدعو لمحاسبة الإعلاميين الذين يقومون ببث خطاب الكراهية والخطاب العنصري، والحض على القتل، وتتمنى أن تبدأ هذه المحاسبة من وسائل الإعلام التي يعملون بها، قبل أن تتم من وسائل الإعلام الأخرى، ومن قبل القنوات القانونية المعروفة.