تمرّ اليوم الذكرى الثانية للمجزرة الأكبر في سورية خلال السنوات الخمسة الماضية، حيث أدّى استهداف زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية ومدينة المعضمية في الغوطة الغربية بصواريخ محمّلة بمواد كيميائية إلى مقتل حوالي 1400 شخص، وإصابة المئات باختناقات مختلفة.
ووقعت هذه المجزرة في الوقت الذي كانت تتواجد فيه لجنة الخبراء الخاصة بالكشف عن استعمال المواد الكيماوية على بُعد عدّة كيلومترات من مكان الجريمة، إلا أنّ اللجنة لم تقم بزيارة المكان، حيث لم توافق السلطات السورية على دخولها للغوطة، لأنّ الموافقة الممنوحة لها كانت للتحقيق في اتهامات سابقة باستخدام الكيماوي في مناطق أخرى، وليس في هذه المجزرة.
وقد قرر مجلس الأمن تشكيل بعثة دولية خاصة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والتي قدّمت تقريرها إلى مجلس الأمن في 16/9/2013، وأكّدت فيه أنّ أسلحة كيميائية استُعملت في 21/8/2013 ضد المدنيين، وعلى نطاق واسع نسبياً، إلا أنّه لم يشر إلى الجهة التي استخدمتها، لأنّ ذلك الاختصاص تم سحبه بتوافق دولي من مهام اللجنة.
وبناء على التقرير، أصدر مجلس الأمن بالإجماع قراره رقم 2118 في 27/9/2013، والذي أدان استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، وطالب الحكومة السورية بتسليم مخزونها من هذه الأسلحة.
وفي تحييد واضح لسير القانون الدولي، اعتمد القرار على تفاهم سياسي، هو “إطار عمل إزالة الأسلحة الكيميائية الموقع بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي” في 14/9/2013، والقاضي بتسليم ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية إلى المجتمع الدولي، كبديل عن التحقيق في الجريمة، وبالتالي لم يُشر القرار بأي شكل إلى الجهة التي قامت بتنفيذ المجزرة.
وفي 7/8/2015، أي بعد حوالي عامين من المجزرة، وافق مجلس الأمن بالإجماع على القرار رقم 2235، والذي يقضي بالبحث في إيجاد آلية للتحقيق في المجزرة، حيث طَلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة التنسيق مع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتقديم توصيات بخصوص هذه الآلية، لتُعرض لاحقاً على مجلس الأمن لإقرارها والبدء بتنفيذها.
* * *
لقد كشفت مجزرة الكيمياوي التي يمر عليها اليوم عامان عجز المجتمع الدولي عن الاعتراف بالقانون الدولي كمرجع للتحاكم، وأظهرت اتجاه المنظومة الدولية نحو تأمين الحماية لمجرمي الحرب من خلال الاتفاقات السياسية، بدلاً من تحويلهم للعدالة.
لقد عمل الاتحاد الروسي على وجه الخصوص كل ما بوسعه لتعطيل مجرى العدالة في هذه المجزرة، وفي كل الجرائم والانتهاكات الأخرى التي حصلت في سورية منذ بداية عام 2011 وحتى الآن، ولكن ردود فعل الأطراف الفاعلة الأخرى في المجتمع الدولي لم تتعدّ الإطار اللفظي، ولم تنعكس في مبادرات جديّة لتطبيق القانون الدولي بحق المتهمين.
ومما لاشكّ فيه فإنّ موقف المجتمع الدولي من هذه الانتهاكات انعكس في توسّع جرائم الحرب التي شهدتها سورية، إذ شهدت سورية توسّعاً في استخدام الغازات السامة منذ مجزرة الغوطة وحتى الآن، كما شهدت استخداماً مفرطاً للأسلحة العشوائية مثل البراميل المتفجرة والألغام البحرية، حيث أدّت هذه الأسلحة إلى مقتل حوالي 120 ضعفاً من ضحايا مجزرة الغوطة الشرقية!.
وأدّى غياب مبدأ المحاسبة، وتأمين المخارج السياسية للجناة للإفلات من العقاب، إلى توسّع دائرة التطرّف في سورية والمنطقة، حيث لم يعد لدى أهالي الضحايا أي أمل في تحقيق العدالة من خلال المنظومات القانونية! وهو ما انعكس في ظواهر خطيرة في سورية، تمدّدت إلى دول مجاورة، وسوف تستمر في هذا الانتشار ما لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية لتطبيق القانون الدولي.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
21/8/2015