
أدّى الصمت الدولي عن الانتهاكات التي حصلت في الثمانينيات إلى تعزيز سياسة الجناة في ممارسة التعذيب والقتل خارج نطاق القانون
يُعدّ سجن تدمر واحداً من أسوأ السجون سمعة على مستوى العالم، وشهد لعقدين على الأقل فظائع غير مسبوقة، لم يتم توثيقها جميعاً، ولم يُقدم مرتكبوها إلى العدالة إلى الآن.
وقد عملت اللجنة السورية لحقوق الإنسان منذ تأسيسها عام 1997 على متابعة ملف سجن تدمر، ونشرت خلال السنوات الماضية عدداً كبيراً من التقارير والشهادات حول السجن، كما كانت المصدر الرئيسي، وربما الوحيد لكل المنظمات الدولية التي تناولت الانتهاكات.
وقد أدّت سيطرة تنظيم داعش على مدينة تدمر في 22/5/2015، وسيطرتها على السجن، إلى إعادة الحديث عن السجن والمآسي التي حصلت فيه، وعلى مصير المعتقلين فيه، وهو ما دفعنا في اللجنة إلى إصدار هذا التقرير الخاص عن السجن.
سجن تدمر: المأساة
وفقا ًلتقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في عام 2001 فإنّ “سجن تدمر العسكري أصبح مرادفاً للمعاناة والألم، وتُجرّد الأوضاع فيه الإنسانَ من إنسانيته وتهبط به إلى مستوى بهيمي”.
وفي تقرير هرَّبته مجموعة من السجناء السياسيين السوريين السابقين في عام 1999، تم وصف السجن بأنّه “فريد من نوعه بين السجون السورية من حيث كونه مؤسسة عقابية في شكل معسكر اعتقال – وهو مثال حي على التخويف والرعب والتعذيب والقتل، فضلاً عن كونه مصدر إذلال نفسي ومعنوي وجسدي، وواجهنا فيه أحداثاً وفظائع لا تصدق على مدى سبعة عشر عاماً، اعتباراً من بداية العام 1980 وحتى نهاية العام 1996.”

تولّت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد ارتكاب مجزرة سجن تدمر، وحصل بعدها على الحماية الدولية في أوروبا منذ خروجه منذ سورية في عام 1984 وحتى اليوم
مجزرة سجن تدمر 1980
شهد يوم 27/6/1980 مجزرة دامية في قلب صحراء تدمر، نفّذتها ميليشيات سرايا الدفاع بحقّ المعتقلين في سجن تدمر، مما أدّى لمقتل ما يزيد عن 1000 معتقل، تم إعدامهم رمياً بالرصاص وبالقنابل اليدوية.
وجاءت المجزرة بعد تعرض الرئيس السابق حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة في 26/6/1980، أي قبل يوم من المجزرة، من قبل أحد عناصر حرسه الجمهوري.
وقد تمكّن منفّذ المحاولة من الفرار خارج سورية، ولكن أجهزة الأمن اعتقلت 56 فرداً من أفراد أسرته وأقاربه، وتم إعدامهم جميعاً.
وأدّت هذه المحاولة التي اتُهم فيها الإخوان المسلمين إلى صدور القانون 49/1980، والذي أقرّ بعد 11 عشر يوماً، كما أدّت إلى وقوع المجزرة في اليوم التالي.
وكانت المجزرة المروعة في اليوم التالي 27/6/1980 انتقاماً من المعتقلين الإسلاميين في سجن تدمر الصحراوي
وقد بقيت أنباء مجزرة تدمر غامضة، كما معظم المجازر التي تمّ ارتكابها في سورية في فترة الثمانينيات، إلى أن تمّ اعتقال المجموعة التي نفّذت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران في عمّان في عام 1981. حيث كان بعض عناصر المجموعة المنفّذة ممن شاركوا في المجزرة، فقدّموا تفاصيل المجزرة والمسؤولين عنها في التحقيقات التي عرضها التلفزيون الأردني آنذاك.
وبحسب شهادة الرقيب عيسى إبراهيم فياض، والذي تم اعتقاله في الأردن وأدلى بشهادته المتلفزة، فإن المجموعة التي ذهبت إلى سجن تدمر في فجر يوم 27/6/1980 كانت من اللواء 40 (والذي يقوده معين ناصيف زوج ابنة رفعت الأسد) واللواء 138 (الذي يقوده المقدم سليمان مصطفى) التابعين لسرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، وكانت المجموعة بقيادة المقدم سليمان مصطفى. وقد انتقلت بالطائرات المروحية إلى باحة السجن في حوالي السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم، وتم توزيع عناصر المجموعات إلى ستة أقسام، كل منها توجّهت إلى أحد المهاجع.
ورغم أنّ فترة الثمانينات قد شهدت عدداً كبيراً من المجازر، إلا أنّ هذه المجزرة كانت الأولى التي يتمّ توثيقها من خلال شهادات الجناة وباعترافاتهم المسجلة، كما أنّها قدّمت نموذجاً واضحاً للطبيعة الجرمية لنظام الأسد، والتي لا تتورّع عن ارتكاب مجزرة وحشية بحق المختطفين العزل.

كانت مجزرة سجن تدمر الأولى التي يتمّ توثيقها من خلال شهادات الجناة وباعترافاتهم المسجلة، كما أنّها قدّمت نموذجاً واضحاً للطبيعة الجرمية لنظام الأسد
من هم المتهمون بمجزرة سجن تدمر؟
حسب الاعترافات التي أدلى بها بعض المشاركين في مجزرة سجن تدمر، وبحسب الهيكلية السياسية والعسكرية في الوحدات التي شاركت في المجزرة، فإنّ المتهمين في المجزرة الذين عُرفت أسماؤهم هم:
1. حافظ أسد (رئيس الجمهورية وقت المجزرة).
2. رفعت أسد (قائد سرايا الدفاع).
3. المقدم فيصل غانم (مدير سجن تدمر).
4. المقدم علي ديب ـ قائد اللواء (138) من سرايا الدفاع (من محافظ اللاذقية).
5. الرائد معين ناصيف ـ قائد اللواء (40) من سرايا الدفاع.
6. المقدم سليمان مصطفى ـ قائد أركان اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة حماة).
7. الملازم أول ياسر باكير ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (محافظ حماة).
8. الملازم منير درويش ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (محافظ اللاذقية).
9. الملازم رئيف عبد الله ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (محافظة اللاذقية).
10. الرقيب محمد عمار ـ من حراس منزل معين ناصيف (من محافظ اللاذقية).
11. الرقيب علي موسى ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظ حمص).
12. الرقيب همام أحمد ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من جبلة).
13. الرقيب نزيه بلول ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع ( من محافظة حمص).
14. الرقيب طلال محي الدين أحمد ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة اللاذقية).
15. الرقيب عيسى إبراهيم فياض ـ من حراسة منزل معين ناصيف (من محافظ اللاذقية).
16. الرقيب بدر منصور ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من جبلة).
17. العريف أكرم البيشاني ـ من حراسة منزل معين ناصيف (من محافظة طرطوس).
18. العريف إبراهيم يونس ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (محافظة حمص).
19. العريف إبراهيم مكنا ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من جبلة).
20. العريف طاهر زباري ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من جبلة).
21. العريف علي صالحة ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع ـ منطقة مصياف.
22. العريف عبد الرحمن هدلان ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع.
23. العريف ناصر عبد اللطيف ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة طرطوس).
24. العريف غسان شحادة ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة اللاذقية).
25. العريف حسين عيسى ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة حمص).
26. العريف بشير قلو ـ من اللواء (40) من سرايا الدفاع (من محافظة حمص).
التعذيب في سجن تدمر
شملت الشهادات المتواترة التي قدّمها السجناء السابقون في سجن تدمر قائمة طويلة من وسائل التعذيب التي كانت تُستخدم على مدار السنوات في داخل السجن، والتي أدّت إلى مقتل آلاف من الأشخاص بشكل يومي.
وتُظهر الشهادات أن بعض أنماط التعذيب في سجن تدمر لم يسبق أن استُخدمت في أي مكان آخر حول العالم، وتُظهر نمطاً وحشياً غير مسبوق في التعامل مع السجناء.
وقد كان السجانون في تدمر يمتلكون صلاحية مطلقة في قتل السجناء أثناء التعذيب، بل كانت إدارة السجن تتأكّد من قيام كل السجانين بالمشاركة في أعمال القتل.
وتتضمن أعمال التعذيب التي كان يتم ممارستها في السجن الضرب بالأسلاك الكهربائية والسياط وكل ما يقوم مقامها، بالإضافة إلى رمي المعتقلين من ارتفاع حتى تتكسّر عظام السجين، وتكسير العظام والجمجمة بالضرب المباشر بالحذاء العسكري وأخماص البندقية، بالإضافة إلى أساليب التعذيب الأخرى المتعارف عليها في سجون النظام الأخرى، مثل الكرسي الألماني والصعق بالكهرباء.. الخ.
وإلى جانب التعذيب الجسدي، مُورست في سجن تدمر أصناف وحشية من التعذيب المعنوي، والمتمثّل في شتم المعتقل بشكل مستمر، ومنعه من مشاهدة سجانيه ومعذبيه طيلة فترة سجنه، ومنعه من التحدّث مع زملائه.. الخ من الأساليب التي كانت تهدف إلى الحط من الكرامة الإنسانية للسجناء.
شهادات حول سجن تدمر
قام الكثير من المعتقلين السابقين في سجن تدمر بتسجيل شهاداتهم عن فترة السجن التي قضوها، حيث صدرت عدد من الكتب التي توثّق شهادتهم هناك، كما قام معتقلون بتقديم هذه الشهادات عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
ومن أبرز هذه الشهادات رواية القوقعة لكاتبها مصطفى خليفة، والذي وثّق يوميات سجين مسيحي في سجن تدمر لمدة 13 عاماً.
ومن الشهادات المهمّة أيضاً، شهادة المعتقل الأردني محمد سليم حماد، والذي وثّق شهادته في سجن تدمر في كتابه “تدمر شاهد و مشهود 1980 – 1991”.
كما وثّق السجين السابق عبد الله الناجي شهادته في كتابه “حمامات الدم في سجن تدمر”، والتي وثّق فيها تجربته كسجين عربي في سجن تدمر، وكان قد اعتقل بعد أن ذهب لزيارة شخص في بيته في دمشق، وتبين أنه كان مطلوباً للأمن، فاعتقل من أجل تلك الزيارة أحد عشر عاماً!.
ويعدّ كتاب “في القاع: سنتان في سجن تدمر الصحراوي” من أوائل الكتب التي وثّقت لمعاناة السجناء في سجن تدمر، حيث يروي الكتاب الذي صدر باسم مستعار وقائع عامين من حياة سجين إسلامي في سجن تدمر في بداية الثمانينيات.