منظمة العفو الدولية 13 سبتمبر/أيلول 2001 رقم الوثيقة: MDE 24/014/2001 |
قائمة المحتويات:
المقدمة
تطورات حقوق الإنسان في سوريا
الضمانات النظرية والانتهاكات الفعلية
سجن تدمر العسكري
المحاكمات العسكرية وعمليات الإعدام والقتل في سجن تدمر العسكري
التوصيات
الهوامش
المقدمة
“الحياة في تدمر أشبه بالسير في حقل ألغام؛ فقد يفاجئك الموت في أية لحظة، إما بسبب التعذيب أو وحشية السجَّانين أو المرض أو الإعدام.“
سجين سابق في سجن تدمر
ويوصف عادة سجن تدمر في سوريا اليوم بأنه مكان “الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود” وقد اكتسب السجن هذه السمعة السيئة بسبب الأنباء المتواصلة على مدى سنوات عديدة حول ممارسة التعذيب وسوء المعاملة بصورة منهجية فيه. وفي سوريا كانت تدمر موقعاً لحضارة قديمة، ومثالاً على إنجاز وإبداع إنساني عظيم – وما زال آلاف السياح يتوافدون عليها كل عام. واليوم أصبح سجن تدمر مرادفاً للوحشية واليأس والتجريد من الإنسانية.
ويقاسي السجناء في سجن تدمر مستوى مروعاً من الوحشية. ومن الصعب التصديق بأن ضروب التعذيب والمعاملة السيئة التي يصفها هذا التقرير ما زالت تحدث في أيامنا هذه. ومع ذلك ترسم الشهادات التي أدلى بها السجناء السابقون والتي جمعتها منظمة العفو الدولية صورة ثابتة للتعذيب اليومي والأوضاع اللاإنسانية والتحطيم والإذلال المتواصلين. ويُحرم الضحايا الذين يجدون أنفسهم عاجزين إزاء هذا المسلسل من الانتهاكات من سلوك دروب العدالة أو الإنصاف.
وقد جمعت منظمة العفو الدولية شهادات من أشخاص ينتمون إلى مختلف الجنسيات اعتُقلوا بسبب صلاتهم بعدد من الجماعات السياسية المختلفة.(1) ويضم المعتقلون في سجن تدمر سجناء الرأي(2) وسجناء سياسيين آخرين معتقلين من دون تهمة أو محاكمة أو عقب محاكمات بالغة الجور، غالباً أمام محكمة عسكرية ميدانية. وتعود معظم الشهادات التي استعين بها في هذا التقرير لسجناء اعتقلوا في سجن تدمر بين العامين 1980 و1996. بيد أن الأنباء التي وردت خلال السنوات القليلة الماضية توحي بأن الأوضاع في السجن ما زالت مروعة.
ويبدو أن سجن تدمر يهدف إلى التسبب بأقصى قدر من الألم والمعاناة والإذلال والرعب للسجناء وإخضاعهم للسيطرة المطلقة من خلال كسر شوكتهم وتحطيمهم نفسياً. ولا يُعزل السجناء بشكل تام عن العالم الخارجي وحسب، بل أيضاً يُمنعون من الاتصال بعضهم ببعض. ويشكل كل جانب من جوانب الحياة في سجن تدمر تجريداً للمرء من صفة الإنسانية.
وتصدر منظمة العفو الدولية هذا التقرير الذي يرتكز على سجن تدمر كجزء من حملتها العالمية لمناهضة التعذيب.
تطورات حقوق الإنسان في سوريا
قامت منظمة العفو الدولية طوال عقدين من الزمن بتوثيق مجموعة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في سوريا وبحملات ضدها، ومن ضمنها الاعتقال التعسفي للخصوم السياسيين، والاعتقال طويل الأجل لسجناء الرأي والتعذيب والمعاملة السيئة وعمليات القتل السياسي.
وبموجب حالة الطوارئ التي تظل سارية المفعول من دون انقطاع منذ 8 مارس/آذار 1963، استطاعت مختلف شُعب أجهزة الأمن اعتقال المتهمين السياسيين بصورة تعسفية ساعة تشاء ولأطول مدة تحلو لها. وقُبض على عشرات الآلاف من الأشخاص في حملات متعاقبة من الاعتقالات الجماعية الموجهة ضد المتهمين بالانتماء إلى التنظيمات اليسارية أو الإسلامية أو القومية العربية أو الجماعات السياسية الكردية أو كل من يمارس أنشطة معارضة للحكومة والسياسات التي تنتهجها. وكان بين المعتقلين المئات من سجناء الرأي. وغالباً ما تعرض المعتقلون للتعذيب أثناء اعتقالهم بمعزل تام عن العالم الخارجي طوال أشهر أو سنوات من دون تهمة أو محاكمة. وأُخفي عن آلاف عديدة من العائلات مصير أقاربها. ويخشى بعض الذين “اختفى” أحباؤهم عقب اعتقالهم من حدوث الأسوأ لهم.
ومنذ بداية التسعينيات، أُطلق سراح أغلبية السجناء السياسيين في سوريا على دفعات بموجب مراسيم عفو رئاسية أو عند انتهاء محكومياتهم. وصدر آخر عفو من هذا القبيل عن الرئيس بشار الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني 2000 وشمل بحسب ما ورد 600 سجين سياسي ينتمون إلى مختلف جماعات المعارضة. ومنذ العام 1991 عندما أُعلن أول عفو، انخفض عدد السجناء السياسيين، ومن بينهم سجناء الرأي، من عدة آلاف إلى مئات. وقد رحبت منظمة العفو الدولية بعمليات الإفراج هذه باعتبارها خطوات مهمة نحو إتاحة سبل الإنصاف عن الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان في سوريا.
وفي مارس/آذار 2001، نظرت لجنة حقوق الإنسان – وهي هيئة الخبراء المكلفة بمراقبة تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في التقرير الدوري الثاني لسوريا الذي كان من الواجب تقديمه في العام 1984. ورحبت منظمة العفو الدولية علناً بقرار السلطات السورية تقديم تقريرها إلى اللجنة واعتبرت الخطوة تطوراً إيجابياً يشير إلى تزايد اهتمام السلطات السورية بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
بيد أن القلق يظل يساور منظمة العفو الدولية لأن الآليات، المنصوص عليها بموجب قانون الطوارئ للعام 1963 التي تسهل ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ماتزال قائمة بكاملها، بما فيها الصلاحيات الخاصة الواسعة الممنوحة إلى قوات الأمن خارج أي إشراف قضائي.(3) ونتيجة لذلك، يُعرِّض أي عضو أو شخص يشتبه بعضويته في أي جماعة معارضة، نفسه لخطر التوقيف والاعتقال والتعذيب. وعلاوة على ذلك، تشعر منظمة العفو الدولية بالقلق من عدم اتخاذ أي خطوات حتى الآن من جانب السلطات لتقديم تعويض عن الانتهاكات الماضية والمستمرة لحقوق الإنسان؛ فلم تُجرَ أي تحقيقات في حوادث “الاختفاء” أو عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو التعذيب والمعاملة السيئة، بما في ذلك حالات الوفاة في الحجز. ورغم ورود العديد من مزاعم التعذيب، التي ذكر بعضها الضحايا أنفسهم في المحكمة، لا يبدو أن السلطات السورية أجرت تحقيقات جادة. ورغم أن أغلبية هذه الانتهاكات جرت في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، إلا أن الضحايا وعائلاتهم وأصدقائهم ما زالوا يعانون آثارها.
وأشادت منظمة العفو الدولية بأجواء الحوار والنقاش التي سادت أوساط المسؤولين والمجتمع المدني في سوريا خلال العام الماضي رغم النكسات والقيود. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن مثل هذه الأجواء تمهد الطريق لإجراء الإصلاحات التي يجب أن تنفذ بهدف إلغاء الآليات التي تُسهِّل ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وإخضاع أنشطة أفراد قوات الأمن وسواهم من الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون للإشراف القضائي الفعال وتطبيق ضمانات حقوق الإنسان المنصوص عليها في القانون السوري، فضلاً عن المعايير الدولية.
وسيطوي الإنصاف الفعال عن الانتهاكات الماضية صفحة الممارسات الماضية ويعطي مؤشراً قوياً على تحمل السلطات السورية المسؤوليات المترتبة عليها في حماية حقوق الإنسان وإعلاء شأنها.
الضمانات النظرية والانتهاكات الفعلية
يُحظر الدستور السوري التعذيب (المادة 28) ويعاقب عليه قانون العقوبات بالسجن (المادتان 319 و391). ومنذ إبريل/نيسان 1969، أصبحت سوريا أيضاً دولة طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تحظر المادة السابعة منه ممارسة التعذيب.(4) بيد أنه رغم ورود مزاعم متكررة وثابتة حول ممارسة التعذيب، فإنه على حد علم منظمة العفو الدولية لا توجد أية حالات جرى فيها فعلاً تطبيق القوانين السورية المناهضة للتعذيب.
وكما أشارت لجنة حقوق الإنسان في تعليقها العام 7(16) على المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
“... ليس كافياً لتنفيذ هذه المادة حظر التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو جعله جريمة. ولدى معظم الدول نصوص جزائية تنطبق على حالات التعذيب أو الممارسات المشابهة. وبما أن هذه الحالات تحدث مع ذلك، يستتبع من المادة 7 التي تُقر مع المادة 2 من العهد بأنه ينبغي على الدول ضمان الحماية الفعالة عبر آلية ما للإشراف.“
وتشير التقارير التي وثقتها منظمة العفو الدولية إلى أن المتهمين السياسيين قد تعرضوا في معظم الأحيان للتعذيب خلال الفترة الأولية التي تعقب إلقاء القبض عليهم أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي في السجون ومراكز الاعتقال في شتى أنحاء سوريا. واستُخدم التعذيب كوسيلة لانتزاع معلومات وكذلك كضرب من ضروب العقاب. فمثلاً، من الشائع تعرض المعتقلين للتعذيب عندما يصلون إلى السجن. وتختلف المعاملة التي يتلقونها في تلك المرحلة والمعروفة باسم “حفلة الاستقبال” من سجن إلى آخر ويمكن أن تتراوح الشتائم والركل واللكم إلى أساليب أكثر قسوة، مثل استخدام طريقة أو أكثر من الطرق المذكورة أدناه.
وتتضمن أكثر طرق التعذيب شيوعاً التي تناهت إلى علم منظمة العفو الدولية الضرب على جميع أنحاء الجسم؛ والضرب على باطن القدمين (الفلقة)، و”الإطار” (الدولاب) الذي يتضمن تعليق الضحية من إطار سيارة معلق وضربه بالعصي والكبلات؛ وصب الماء البارد بصورة متكررة على جسم الضحية. وهناك طريقة أخرى تعرف بالكرسي الألماني تتضمن استخدام كرسي معدني له أجزاء متحركة يربط بها الضحية من يديه وقدميه. وينحني ظهر الكرسي إلى الخلف مما يسبب تمدداً مفرطاً للعمود الفقري وضغطاً شديداً على عنق الضحية وأطرافه. وهذا ما يؤدي إلى صعوبة في التنفس تكاد تصل إلى حد الاختناق، ويقال إنها أدت إلى فقدان الوعي وفي بعض الحالات إلى كسر الفقرات.(5)
وفي تقرير صدر في إبريل/نيسان 1995(6) ذكرت منظمة العفو الدولية أن معظم المتهمين الذين يتجاوز عددهم الـ 500 والذين حوكموا أمام محكمة أمن الدولة العليا منذ يوليو/تموز 1992 قد شهدوا في المحكمة بأنهم تعرضوا للتعذيب. ولا يُعرف بأن أياً منهم أُجري له كشف طبي ولا يُعرف بأن أي تحقيق قد فُتح. وفي مارس/آذار 1997، أبلغ وزير الداخلية مندوبي منظمة العفو الدولية أن أي مسؤول مارس التعذيب أو سوء المعاملة سيمثل أمام المحكمة. وذكر أيضاً أن أي شخص تعرض للتعذيب يملك الحق في تقديم شكوى أمام قاضٍ يحيل القضية عندئذ إلى وزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات الضرورية. بيد أن مزاعم التعذيب التي قدمتها منظمة العفو الدولية إلى السلطات السورية ظلت من دون جواب. ولا يعرف بأن أي تحقيقات قد أجريت في هذه الحالات.
وأحياناً يبدو أن التعذيب يمارس بصورة أكثر نظامية كضرب من ضروب العقاب. وهذا ما ورد أنه يحصل في سجن تدمر حيث يعتقد حالياً أن ما بين 600 و700 سجين سياسي معتقلين فيه. ويبدو أن السلطات اختارت تدمر لأن بعد موقعه ونظامه القاسي يسمحان بعزل السجناء السياسيين كلياً عن العالم الخارجي أثناء تعذيبهم أو إساءة معاملتهم.
سجن تدمر العسكري
أشار تقرير هرَّبته في العام 1999 مجموعة من السجناء السياسيين السوريين السابقين إلى الوضع في سجن تدمر على النحو التالي :
“تدمر فريد من نوعه بين السجون السورية من حيث كونه مؤسسة عقابية في شكل معسكر اعتقال – وهو مثال حي على التخويف والرعب والتعذيب والقتل، فضلاً عن كونه مصدر إذلال نفسي ومعنوي وجسدي (وفي تدمر) واجهنا أحداثاً وفظائع لا تصدق على مدى سبعة عشر عاماً، اعتباراً من بداية العام 1980 وحتى نهاية العام 1996.“
ويقع سجن تدمر في صحراء حمص على بعد قرابة 250 كيلومتراً إلى شمال شرق دمشق. وبني سجن تدمر في البداية كثكنة عسكرية من جانب سلطات الانتداب الفرنسية في سوريا (1920-1946)(7). وفيما بعد استُخدم كما يبدو كسجن للأفراد العسكريين المتهمين بارتكاب جرائم جنائية عادية. ومنذ مطلع السبعينيات بدأ سجن تدمر يُستخدم لاعتقال السجناء السياسيين الذين عُزلوا كلياً عن العالم الخارجي، لكن لمدة أشهر في معظم الأحيان. وفي ذلك الوقت كانت المواصلات صعبة جداً، مما جعل من المستحيل على العائلات زيارة الأقارب الذين يُرسلون إلى سجن تدمر. واعتباراً من العام 1979 تقريباً بدأت السلطات بإرسال أعداد أكبر من السجناء السياسيين إلى سجن تدمر الذين فُصلوا عن العسكريين المحتجزين هناك بتهم جنائية عادية. ويخضع السجن لإدارة الشرطة العسكرية، وهي قوة أمنية مسؤولة أمام وزارة الدفاع وقيل إن قوة من الوحدات الخاصة مولجة بحراسة السجن. وبوصفه سجناً عسكرياً لا يخضع تدمر لإشراف وزارة العدل التي تجري عمليات تفتيش للسجون المدنية.
وبحسب المعلومات الواردة إلى منظمة العفو الدولية من سجناء سابقين، يوجد في سجن تدمر سبع باحات تضم فيما بينها نحو 40 إلى 50 مهجعاً (4×6 أو 8×12 متر) … و39 زنزانة أصغر حجماً (تتراوح أبعادها بين متر×1,5 متر و3,5×3,8 متر). وجمعيها فوق الأرض باستثناء حوالي 16 زنزانة تحت الأرض تُستخدم لاحتجاز السجناء الذين يواجهون إجراءات تأديبية في الحبس الانفرادي. ولا توجد في أي من الزنازين تهوية كافية، لكن المهاجع مزودة بنوافذ مغطاة بمشابك من الأسلاك الشائكة في السقف تسمح للحراس بوضع السجناء تحت المراقبة الدائمة. وبعض المهاجع تضاء بصورة دائمة ليلاً نهاراً، أما البقية فتُضاء طوال الليل. وبحسب معظم شهادات السجناء الذين احتجزوا هناك في الثمانينيات والتسعينيات، فإن متوسط عدد النـزلاء يتراوح بين 130 و150 في المهاجع الصغيرة وبين 200 و250 في المهاجع الكبيرة. ويبدو أن العدد انخفض بشكل ملموس في العامين أو الأعوام الثلاثة الأخيرة. وحتى عام 1989، كانت تحتجز أيضاً النساء المعتقلات لأسباب سياسية في سجن تدمر، في قسم معزول تماماً، ولا يُرى من قبل السجناء الرجال قط؛ ولا يُعرف ما إذا كان قد اعتقل فيه نساء في الأعوام الأخيرة.
وتفاوت العدد الإجمالي للسجناء السياسيين في سجن تدمر على مر السنين، لكن يُعتقد أن عدة آلاف مروا عبر سجن تدمر في مرحلة أو في أخرى خلال اعتقالهم. ويشير أحد السجناء السابقين إلى أن عدداً يصل إلى 20,000 سجين سياسي ربما مروا عبر سجن تدمر بين العامين 1980 و1990، وأن متوسط عدد السجناء المحتجزين هناك في أي وقت بعينه خلال تلك الفترة ربما بلغ نحو 6000 سجين. لكن منذ منتصف التسعينيات، يعتقد أن عدد السجناء السياسيين أصبح بالمئات.
وحالياً يحتجز في سجن تدمر حوالي 600 سجين سياسي كما ورد. ويعتقد أن أغلبيتهم من المواطنين السوريين المتهمين بإقامة صلات بالإخوان المسلمين أو حزب التحرير الإسلامي أو حزب البعث الموالي للعراق؛ أما الباقون فهم عرب غير سوريين، ومعظمهم من الفلسطينيين أو اللبنانيين. ويعتقد أن أغلبيتهم محتجزين منذ الثمانينيات. ومن بينهم خالد الشمسي، وهو سوري من حماه في العقد السادس من عمره كان قد قُبض عليه في أواخر 1981 أو مطلع 1982 وطريف حتاحت، وهو مهندس سوري من دمشق قُبض عليه في العام 1980. وكلا المعتقلين محتجزان كما يبدو لصلتهما بالإخوان المسلمين، لكن منظمة العفو الدولية لا تعرف ما إذا كانت قد وُجهت إليهما أي تهم أو قُدِّما للمحاكمة. وبحسب ما ورد نُقل طريف حتاحت إلى تدمر من سجن صيدنايا في مطلع العام 2001.
لقد وثَّقت منظمة العفو الدولية نمطاً يتم بموجبه إرسال السجناء السياسيين إلى سجن تدمر كعقاب إضافي. وتلقت المنظمة آخر أنباء هذه الممارسة في العامين 1996 و1998 عندما نُقلت مجموعتان من السجناء السياسيين، ومن بينهم سجناء رأي، إلى سجن تدمر من سجون لديها أنظمة أقل قسوة، بسبب رفضهم على ما يبدو التخلي عن انتماءاتهم السياسية كشرط للإفراج عنهم. وقد أُفرج عن معظم هؤلاء السجناء بين العامين 1997 و2000.
ممارسة التعذيب وسوء المعاملة في سجن تدمر العسكري
“عندما يشكل الموت حدثاً يومياً يتربص بالمرء من خلف التعذيب وعمليات الضرب العشوائية وقلع العينين وكسر الأضلاع وسحق الأصابع … (عندما) يحدق بك الموت ولا يمكن تفاديه إلا بمحض الصدفة … أفلا ترحب بالخلاص عبر رصاصة الرحمة؟”
مقتطف من تقرير السجناء الذين هُرِّب من سوريا في العام 1999.
وعلى مدى سنوات عديدة، سجَّلت منظمة العفو الدولية نمطاً للتعذيب وسوء المعاملة يبدو أن سجن تدمر ينفرد به. وبحسب الأنباء التي تلقتها منظمة العفو الدولية، فإن “حفلات الاستقبال” في تدمر ليست إلا بداية لمحنة طويلة. وفيما يلي وصف “لحفلة استقبال” في تدمر في الثمانينيات أعطاه معتقل سابق إلى منظمة العفو الدولية.
“وصلت الحافلة إلى سجن تدمر حيث كانت الشرطة العسكرية بانتظارنا … وأنزلنا الحراس من الحافلة(1) وهم يجلدوننا بلا رحمة وبوحشية حتى أُنهكت قوانا. ففكوا قيود اليدين وعُصابات العينين، ثم اقتادونا إلى باحة تشرف عليها مكاتب السجن، حيث تم تسجيل أسمائنا. وطوال ذلك كنا نتعرض للجلد من جميع الاتجاهات. ثم اقتادونا عبر باب حديدي إلى باحة تُعرف بباحة التعذيب. وفتشت الشرطة العسكرية ملابسنا. ووُضعنا واحداً تلو الآخر في “دولاب” وتلقى كل منا ما بين 200 و400 ضربة على قدميه. وعندما انتهوا من ضربنا، أوقفونا في طابور واحد. وسرنا نحو السجن ونحن نمسك بملابس بعضنا البعض ومعصوبي الأعين ومطأطئي الرأس. ووصلنا إلى الباحة الرابعة، وفُتح باب الزنزانة ودخلنا. وظللنا نتعرض للجلد من كل حدب وصوب إلى أن أُغلق باب الزنزانة. وكان الجميع في حالة يرثى لها، وأرجلهم تنـزف ومغطاة بالجروح، إضافة إلى أجزاء أخرى من أجسادهم. وتوفي بعض السجناء خلال ‘حفلة الاستقبال’ …“
وأكد السجناء السابقون الذين نُقلوا إلى سجن تدمر بين العامين 1996 و2000 أنهم تعرضوا لهذا النوع من “الاستقبال”. وفيما يلي مثالان فقط على العديد من الأقوال المشابهة التي سمعتها منظمة العفو الدولية.
“بعد إجراءات التفتيش والمعاينة المألوفة، سمعت صوتاً يقول : هذا جاهز يا سيدي. وامتدت أيدٍ قاسية وجرجرتني ووضعتني في الباحة. ثم حُشرت في “الدولاب” وأمرت بأن أضع يديّ بين ساقيّ، ثم مُددت قدماي ورُبطتا بحبل متين إلى قضيب حديدي لمنعي من التحرك في أي اتجاه وكان ذلك مؤلماً. ثم فكوا عُصابة عينيّ وبدأت عملية الجلد. وكان حارسان يجلدانني في الوقت ذاته … أحدهما صعوداً والآخر نزولاً. ووسط صرخات الألم نبدأ بِعَد الجلدات؛ واحد اثنين … عشرة عشرين ثلاثين … ثم ينسى المرء العدد ويفقد تركيزه. وفي الواقع أُصيب العديد من الأشخاص بالإغماء. وبعد انتهائهم من الجلد، يفكون وثاقنا ويخرجونا من “الدولاب”. ثم يؤمر السجناء بالركض حول الباحة. وكنت أتصبب عرقاً وقدماي تلسعاني وأحس بآلام مبرحة في جميع أنحاء جسدي.“
شهادة أدلى بها سجين سابق اعتُقل في سجن تدمر بين العامين 1996 و1999.
“بعد نزولنا من الحافلة في سجن تدمر، أُمرنا بتغطية رؤوسنا بمناشف أو رفع قمصاننا فوق رؤوسنا. ثم سرنا عبر بوابة السجن ورؤوسنا مغطاة وأيدينا مكبلة خلف ظهورنا. وخلال اليوم الأول استكملنا إجراءات التسجيل. وفي اليوم التالي جُمعنا من أجل ‘حفلة الاستقبال’ الرسمية. وعندما جاء دوري. أمرت أن استلقي على بطني (بما أنني كنت ممتلئ الجسم تعذر حشري داخل “الدولاب”). ثم ربطوا قدميّ بقضيب حديدي بواسطة سلسلة ورفعوا قدميّ إلى الأعلى. وضغط أربعة حراس على ظهري بأقدامهم ليمنعوني من الحراك. ثم جُلدت ربما أكثر من 200 مرة بكابل إلى أن فقدت وعيي. ولم يستطع أحد زملائي النـزلاء – الذي تلقى عدد من الجلدات يفوق كثيراً ما تلقيته – المشي بعد ‘حلفة الاستقبال‘”
شهادة أدلى بها سجين سابق اعتُقل في سجن تدمر في العامين 2000 و2001.
ويظل المعتقلون يتعرضون للمعاملة السيئة طوال فترة سجنهم اللاحقة. وبحسب الأنباء، غالباً ما تمارس في سجن تدمر المعاملة السيئة التعسفية الرامية إلى تخويف المعتقلين وإذلالهم. وذكر السجناء السابقون لمنظمة العفو الدولية أنهم تعرضوا للضرب والجلد وخلاف ذلك من ضروب المعاملة السيئة طوال فترة مكوثهم في السجن.
“كانت العقوبات عديدة ومتنوعة في تدمر، ولا يحتاج المرء إلى اقتراف جرم معين كي يعاقب بقسوة. وإذا رأى الحراس عند سقف المهجع أن سجيناً يحرك يده أو ساقه أو يأتي بأية حركة أثناء النوم، يطلب من السجين المناوب “يعلِّم ذلك السجين (أي اختياره دون سواه للعقاب لاحقاً). وجرت العادة على توقيع العقوبات بعد طعام الفطور وتتراوح العقوبة عادة بين 50 و200 جلدة، تبعاً للأوضاع العامة في السجن. وأحياناً يطلب الرقيب المناوب من رئيس المهجع أو السجين المناوب أن يضع من دون سبب واضح أن “يعلِّم ” السجين الموجود أمامك والسجينين الموجودين خلفك مباشرة، والسجين الموجود على يمينك والسجين الموجود على يسارك. والمجموع خمسة. وأريد أن يكونوا جميعهم جاهزين غداً’. وأدركنا جميعنا أن الأوضاع قاسية جداً وأن العقوبات ستكون قاسية للغاية. والذين يجري تعليمهم سيتعين عليهم تحمل ليلة من الأرق المؤلم تحسباً لما – سيحصل لهم في الصباح. وفي اليوم التالي، حالما تنتهي وجبة الفطور، تُؤمر المجموعة التي جرى تعليمها بالخروج من المهجع. ثم نسمع حركة فريق التعذيب: وصوت قضبان الحديد والدواليب التي تسقط على الأرض والسياط والأسلاك التي تُجرّب على الجدران وصراخ الحراس الذين يصدرون الأوامر للنـزلاء. وسرعان ما نبدأ بسماع صرخات زملائنا ممزوجة بأصوات الجلدات.“
شهادة سجين سابق اعتقل في سجن تدمر بين 1996 و1999.
وفي أوقات معينة من الفترة الممتدة بين 1980 و1996 بلغت قسوة وشدة المعاملة المستخدمة في تدمر مستويات لا تطاق. ويبدو أن السجانين حصلوا على إذن بفعل أي شيء لفئات معينة من السجناء، بما في ذلك قتلهم عمداً. وفيما يلي وصف نموذجي للعديد من الشهادات على التعرض للتعذيب التي تلقتها منظمة العفو الدولية.
“أثبت الجنود والرقيب المسؤول أنهم أصحاب أفكار مبتكرة جداً في وسائل إذلال النـزلاء. وإلى جانب الاعتداء عليهم بالضرب، يلجأون (أحياناً) إلى وسائل تعذيب هزلية مؤلمة مثل إجبار السجين على أكل حشرة أو صرصار أو ذبابة الخ كبديل من إجباره على لعق حذاء الحارس أو الرمل والغبار في الباحة ‘لتنظيفها’. ومن وسائل التعذيب الأخرى إجبار سجينين اثنين على إمساك أحد النـزلاء بيديه وقدميه وهزه عالياً في الهواء ثم قذفه حتى يقع على الأرض. وعندما رفض أحد السجناء أن يفعل ذلك تعرض للضرب المتواصل على رأسه حتى فقد صوابه تماماً. وتحول الرجل المسكين إلى مهرج وتوفي بعد شهر. التصفية وهذه تصفية عن طريق التعذيب (كانت شائعة أيضاً في تدمر). فضربة واحدة على رأس السجين بقضيب حديدي أو كتلة خرسانية يلقيها أحد الحراس المرابطين على السطح على رأس السجناء الواقفين في باحة ‘التنفس (الفسحة)’ تكفي للقضاء عليهم.“
مقتطف من تقرير السجناء الذين هُرِّب إلى خارج سوريا في العام 1999.
وكان السجناء يتعرضون للضرب بشكل روتيني عندما يدخلون إلى زنازينهم أو يغادرونها، أحياناً بعد إجبارهم على التعري أو عند استعدادهم للاستحمام. وتقدم وجبتان للسجناء في اليوم – يحصل السجناء ظهراً على كل من وجبة منتصف النهار والمساء، ويوفر السجناء إحدى الوجبتين حتى فترة لاحقة من المساء. ومن الشائع أن يتعرض السجناء للإهانات والتهديد والجلد والركل واللكم والصفع ولإطفاء السجائر على أجسادهم وهم يتسلمون وجبات الطعام.
‘التنفس’ تجربة في القسوة
كذلك يتعرض السجناء لسوء المعاملة بصورة مألوفة خلال تمارينهم اليومية (التنفس). ويستغرق التنفس بين 30 دقيقة وساعة ويجري مرة أو مرتين في اليوم. ويُقتاد السجناء إلى باحات السجن ويؤمرون بالركض وهم حفاة القدمين بينما يقوم حراس السجن الذين يشرفون على التمرين بجلدهم في الوقت ذاته. وأحياناً يُجبر السجناء على الاستلقاء على ظهورهم ورفع أرجلهم التي تتعرض للضرب بعد ذلك، أحياناً حتى تنـزف. وفي أوقات أخرى يُجبر السجناء على الاستلقاء على بطونهم، بينما يدوس الحراس على رؤوسهم أو أعناقهم أو ظهورهم أو يجلدونهم. ويتعرض المعتقلون الذين يرفضون تنفيذ الأوامر خلال فترة التمرين لأشكال أخرى من التعذيب أو المعاملة السيئة مثل “الدولاب”.
“عندما حان موعد التنفس، أُخرجنا من المهجع في طوابير يضم كل منها خمسة. وعندما وصلنا إلى الباحة، يصدر إلينا الأمر ‘بالجلوس على الأرض’ فنجلس بسرعة على الأرض واضعين ساقاً فوق أخرى، ورؤوسنا مطأطئة وأيدينا خلف ظهرنا. وكان الذين لا يجلسون بالشكل ‘الصحيح’ يتعرضون للركل من السجانين كي يفعلوا ذلك. وبالطبع كان السجين يُعاقب بشدة على الإتيان بأدنى حركة. وأحياناً كنا نسمع الحارس يصرخ: ليقف فوراً الشخص الذي أتى بحركة’. وكنا عادة لا نحرك ساكناً ويأمل كل واحد منا ألا يكون الأمر موجهاً إليه. وفي النهاية يقترب الحارس من أحدنا ويركله ويضربه بعنف عقاباً له (عادة يضربه على باطن قدميه أو يضعه في ‘الدولاب’). وأحياناً يقرر السجانون توقيع عقاب جماعي على كامل المجموعة ويأمروننا بالزحف على مرافقنا وركبنا إلى أن تتخضب بالدماء.
سجين سابق اعتُقل في تدمر بين العامين 1988 و1992.
وتشير الشهادات الأخرى إلى أن التنفس استُخدم أيضاً لمعاقبة الذين يواجهون إجراءات تأديبية لارتكابهم ما يعتبره الحراس “مخالفات” أو لإخلالهم باللوائح (مثل التحرك أثناء الليل) أو من دون أي سبب على الإطلاق :
“يهدف وقت التنفس، أساساً إلى تنفيذ العقوبات. ويتعرف رئيس المهجع (سجين) على الذين جرى تعليمهم (للعقاب) ويُسلمهم إلى الحراس. وأحياناً عندما لا يتم تعليم أحد (في الليلة السابقة)، على رئيس المهجع أن يتحمل العقاب. وفي مرات أخرى يُطلب من رئيس المهجع إحضار أطول أو أقصر شخص في المجموعة أو إحضار شخص متزوج أو أعزب إلخ لمعاقبته. وفي معظم الحالات كانت العقوبات والتعذيب يقترنان بالإهانات والتخويف المركز على الحياة الخاصة للنـزلاء أو زوجاتهم أو قريباتهم. وفي مناسبات عديدة كان يُطلب منا ممارسة التعذيب ضد بعضنا البعض وشرب ماء قذر أو تناول طعام قذر، وكنا نتعرض عموماً لضروب مختلفة عديدة من الإذلال والتخويف. ولا يتعرض السجين الذي يأتي إلى تدمر للتعذيب الجسدي والنفسي الشديد وحسب، لكنه يغادر السجن شخصاً محطماً…“
سجين سابق اعتُقل في سجن تدمر بين العامين 1988 و1992.
ويبين وصف لسجين اعتُقل في سجن تدمر من العام 1996 إلى 1999 أن هذه الممارسات لم تتغير في الأعوام التي مرت خلال تلك الفترة :
“بعد الفطور كنا نُستدعى بسرعة لنيل “عقوبة ‘التنفس”. وكنا أحياناً ندرك أن تمرين التنفس وشيك من صوت التحركات الصادرة من المهاجع المجاورة، فكنا نهيئ أنفسنا. وعادة كان يُطلب منا تنظيف الباحة ورشها بالماء، ولذا كنا نحمل معنا دلاء مليئة بالماء ونغادر المهجع إلى الفناء. وكنا نقف بمواجهة الحائط حتى يصدر الأمر بالبدء برش الماء في الباحة. وكل من يلقي الماء قبل صدور أمر الحراس بالبدء أو يبقى لديه بعض الماء في دلوه بعد صدور الأمر بوقف الرش، يُعاقب عقاباً شديداً. وعلى الدوام كان الحراس يجلدون كل من يمر بالقرب منهم. وبعد أن ننهي أشغالنا، كنا نؤمر بالجلوس على الأرض المبللة (البادرة جداً في الشتاء والرطبة جداً في الصيف) وأيدينا خلف ظهورنا ورؤوسنا مطأطئة على ظهر السجين الموجود أمامنا أو بمواجهة الحائط. وكنا نؤمر عادة بأن نبقى في هذا الوضع إلى أن يأمروننا بالعودة إلى مهاجعنا.“
وتتضمن الأشكال الأخرى لسوء المعاملة في السجن الحرمان من النوم: إذ يجبر السجناء على الوقوف في زنزاناتهم ورؤوسهم مستقيمة وأذرعهم مرفوعة في بعض الحالات لمدة تصل إلى أربع ساعات.
‘الجميع إلى الحمام وبسرعة‘
غالباً ما تُستخدم جميع جوانب الحياة العادية المألوفة في سجن تدمر لممارسة التعذيب وسوء المعاملة ضد السجناء. والصحة الشخصية ليست استثناء. فمثلاً، عندما يحلق السجناء شعورهم، كل ثلاثة أو أربعة أسابيع تقريباً، يتعرضون للضرب أثناء انتظار دورهم للحلاقة، وغالباً ما تُشرط وجوههم، وبخاصة شفاههم وآذانهم وأنوفهم بموسى الحلاقة.
“في تدمر لا يجوز رؤية شعر أبداً على رؤوس النـزلاء أو وجوههم – وتحدث كارثة دورية كلما حان الوقت لقص الشعر بصورة جماعية في الباحة. والحلاقون هم ‘سجناء عسكريون’ (أفراد عسكريون يقضون عقوبات في سجن تدمر) ويحلقون شعر رأس كل نزيل بالكامل بسرعة واستهتار لدرجة أن عدداً ضئيلاً جداً من النـزلاء يفلت من الإصابة بجروح. وأدوات قص الشعر غير حادة و’تحرث’ الرؤوس حيث تُحدث شقوقاً عميقة بالطريقة ذاتها التي يحدثها نصل المحراث في قطعة أرض محروثة.
مقتطف من تقرير السجناء الذي هُرِّب من سوريا في العام 1999.
كما أن الاستحمام الذي يجب أن يكون مصدر راحة وفائدة للسجناء، يُحوَّل أيضاً إلى شكل آخر من أشكال التعذيب في سجن تدمر كما تبين الشهادتان التاليتان:
“تقع الحمامات في الباحة الأولى بينما كنا في الباحة السادسة. وكنا نخرج مرتدين السراويل القصيرة من الباحة السادسة إلى الباحة الأولى التي تبعد نحو 500 متر، وكنا نسير كالبط ونحن نتعرض باستمرار للضرب على الرأس حتى نصل إلى الحمامات. وكنا نذهب إلى الحمامات في مجموعات تضم كل منها 12 نزيلاً. وكانت كل مقصورة استحمام تستوعب ثلاثة أو أربعة سجناء. وكان المشرف يأتي ويقول ‘سأعد حتى 20 وبانتهاء العد يجب أن تكونوا جميعاً قد انتهيتم من الاستحمام’. أي كامل مجموعة الـ 12 سجيناً. وحالما نبدأ بالاغتسال يبدأ بالعدد ‘1 2 3 5 7 13 20، انتهى وقتكم أخرجوا جميعاً.’ ثم يضعونا بجانب الجدار ويبدأون بضربنا بينما تستحم المجموعات الأخرى إلى أن ينتهي الجميع من الاستحمام – ربما 100 أو 120 أو 150 نزيلاً. ثم نعاد إلى مهاجعنا ونتعرض للضرب ونحن في طريقنا إليها.“
شهادة سجين سابق اعتُقل في سجن تدمر بين العامين 1985 و1995.
“عند ذكر كلمة الحمام يربط المرء بينها وبين الماء الدافئ والصابون والاسترخاء. ليس الأمر كذلك في تدمر، فالاستحمام هناك ضرب آخر من ضروب التعذيب. وفي أحد الأيام دعينا إلى أخذ حمام وأُمرنا بأن نخرج ونحن مرتدين سراويلنا القصيرة وحالما خرجنا من المهجع وجدنا الحراس بانتظارها لمرافقتنا إلى حيث توجد الحمامات في الباحة الأولى. وكنا طوال الطريق نتعرض للجلد والركل واللكم إلى أن وصلنا إلى الباحة الأولى. ثم قُسِّمنا إلى مجموعتين، أُمرت الأولى بالركوع على الأرض والأخرى بالتوجه إلى الحمامات. وكنت ضمن المجموعة التي أُخذت إلى الحمامات ودُفع ما بين ستة وسبعة منا إلى مقصورة واحدة مزودة بدش واحد. وكان الماء شديد البرودة، لكن هذه كانت المعاناة الأقل نظراً إلى زعيق الحراس وصرخات زملائنا الذين كانوا يتعرضون للضرب أثناء انتظار دورهم للاغتسال. وحالما غادرنا مقصورات الاستحمام، جاء دورنا للتعرض للجلد على جميع أنحاء أجسادنا. وعندما انتهى زملاؤنا من الاستحمام، بعدما شعرنا أنه استغرق ردحاً طويلاً من الزمن، كان علينا تحمل رحلة العودة بالطريقة ذاتها وسط الضرب ومختلف أشكال المعاملة السيئة وكان في الحقيقة ‘حمام دم’.“
سجين سابق اعتُقل في سجن تدمر بين العامين 1980 و1991.
ونتيجة للمعاملة الروتينية السيئة، يقال إن معظم المعتقلين في سجن تدمر يعانون كثيراً من تورم اليدين والقدمين والوجوه وانسلاخ البشرة (وبخاصة على الظهر) وتكسر الأسنان ونوبات إغماء. ويقال إن حالتهم الصحية النفسية سيئة للغاية، نتيجة المعاملة المهينة المستمرة ومشاهدة الآخرين وهم تساء معاملتهم أو سماع صراخهم وهم عاجزون عن التدخل لمساعدتهم.
أنماط التعذيب في سجن تدمر العسكري
في الملاحظات الختامية التي أبدتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عقب النظر في تقرير الحكومة السورية، لاحظت بقلق شديد “المزاعم الثابتة والمؤيدة حسب الأصول لانتهاكات المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمنسوبة إلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون. وتلاحظ بقلق المزاعم العديدة حول ممارسة التعذيب في السجون السورية وبخاصة في سجن تدمر”.(11)
رغم أن الصورة الإجمالية لسجن تدمر هي لسجن يمارس فيه التعذيب وسوء المعاملة بصورة روتينية، فإن التقارير التي تلقتها منظمة العفو الدولية من عدد من المصادر توحي بأنه كانت هناك فترات حصل فيها بعض التحسن في معاملة السجناء. فقد اتفقت جميع الشهادات على أن الثمانينيات شهدت مشاهد التعذيب الأكثر وحشية ورعباً ووفاة ربما مئات السجناء، معظمهم نتيجة التعذيب. لكن الأنباء توحي أن التسعينيات شهدت انخفاضاً تدريجياً لكن ملموساً في ممارسة التعذيب، وأنه في النصف الثاني من العام 1991، توقف التعذيب مؤقتاً عندما تم الإفراج عن عدة آلاف من السجناء السياسيين نتيجة عفو رئاسي أصدره الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وبدا أن معاملة السجناء في تدمر كانت تتغير تبعاً لتغير التركيز في الأوضاع السياسية وسياسات الدولة تجاه مختلف فئات خصومها السياسيين. وقد وصلت المواجهات بين الحكومة السورية والجماعات المعارضة إلى ذروتها في الثمانينيات. وشهدت هذه الفترة انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الحكومية، جاء بعضها رداً على انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها جماعات المعارضة المسلحة، مثل الجناح العسكري للإخوان المسلمين. بيد أن انتهاكات حقوق الإنسان طاولت أعضاء مختلف الجماعات والعقائد السياسية والمتعاطفين معها وأقاربهم الذين غالباً ما كانوا يحتجزون كسجناء بديلين لإجبار هؤلاء الأعضاء على تسليم أنفسهم. وخلال التسعينيات، وفي إطار التخفيف من حدة النـزاعات والمواجهات السياسية بين الدولة والجماعات المعارضة، تمثل الاتجاه العام في عمليات إفراج شبه منتظمة عن السجناء السياسيين.
كذلك سلطت شهادات السجناء السابقين الضوء على حقيقة تفاوت معاملة النـزلاء والأوضاع العامة في السجن بين إدارة سجن وأخرى. وقيل إن بعض مديري السجون روَّجوا لسياسات أقسى من سواهم تجاه السجناء. وتشير شهادات السجناء بوضوح إلى أنه بين العام 1980 والعام 1998 اعتمد جميع مديري سجن تدمر باستثناء واحد (تولى المنصب بين العامين 1982 و1984) نظاماً قاسياً جداً على صعيد معاملة السجناء في تدمر، وفي هذه الفترة اكتسب السجن صورته السيئة كمكان للتعذيب وسوء المعاملة المستشريين. وخلال هذه الفترة كان أي اختلاف في المعاملة يتعلق بمجرد التركيز أو التشديد. فمثلاً في مطلع الثمانينيات كان السجناء يموتون كل يوماً تقريباً نتيجة طرق التعذيب العنيفة جداً، بينما واجه السجناء في فترات أخرى المجاعة الفعلية في أوضاع معيشية متدهورة أدت إلى انتشار الأمراض المعدية مثل داء السل الذي حصد أرواح العديدين من نزلاء السجن.
واستؤنف التعذيب في العام 1992 كما ورد واستمر بلا هوادة طوال معظم فترة التسعينيات. وكما توضح شهادات السجناء الذين اعتقلوا في تدمر خلال التسعينيات، ظل نمط التعذيب، وإن يكن بدرجة أقل من الشدة عنه في الثمانينيات، سمة بارزة في حياة السجناء في تدمر.
وأشار السجناء السياسيون الذين أفرج عنهم في سجن تدمر خلال السنوات الثلاث الماضية إلى أن التعذيب ما زال يُمارس بصورة مألوفة. وأكد بعض هؤلاء السجناء أن المعتقلين ما زالوا يتعرضون للضرب بصورة منتظمة كلما غادروا مهاجعهم – مثلاً لتسلم وجبات الطعام أو الذهاب إلى المرحاض، أو خلال فترة التنفس. وعلاوة على ذلك ما زال السجناء يتعرضون للعقوبات القاسية لدى قيامهم بأدنى فعل غير مصرح به، مثلاً الذهاب إلى الحمام خلال الليل، أو النظر دون قصد إلى أحد الحراس. وأشارت إحدى الشهادات إلى أن العقوبات على مثل هذه “المخالفات” تتراوح عادة بين 50 و200 جلدة لكل “مخالفة” تبعاً لما إذا كان نظام السجن يمر بمرحلة أكثر تساهلاً أو أكثر صرامة.
وتشير الشهادات الأخرى إلى أنه بينما تظل الأوضاع العامة قاسية في سجن تدمر، إلا أن المعاملة تختلف من قسم إلى آخر، تبعاً لفئات السجناء وانتماءاتهم السياسية كما يبدو. ويقال إن المحتجزين بسبب صلتهم بالجماعات الإسلامية أو حزب البعث الموالي للعراق يتحملون العبء الأكبر من أشكال التعذيب الشديد والمنهجي.
أوضاع الاعتقال
يبدو أن سجن تدمر يدار بطريقة تهدف إلى توقيع أقصى العقوبات بالنـزلاء وزيادة معاناتهم. وكما هو موضح أعلاه، فالأنشطة اليومية المألوفة – مثل الاستحمام والحلاقة وتناول وجبات الطعام – تقترن بممارسة التعذيب ويترقبها السجناء بذعر وخوف شديدين. ويُحتجز السجناء في زنازينهم من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً.
“يُحضر الوجبات إلينا بعض ‘السجناء العسكريين’ (الأفراد العسكريين الذين يقضون عقوبات بالسجن في تدمر) الذين يضعون أوعية الطعام أمام المهاجع تحت مرآى الحراس الواقفين. ثم يؤمر اثنان أو ثلاثة منا بتسلم الطعام من دون النظر إلى الحراس أو ‘السجناء العسكريين’. ثم نؤمر بالجلوس قرب أوعية الطعام بانتظار أمر الحراس الذين يبدؤون بجلدنا فوراً قبل السماح لنا بأخذ الطعام إلى مهاجعنا.“
وفي جميع الأوقات الأخرى يُحتجز السجناء في مهاجعهم حيث عليهم الجلوس صامتين ومن دون حراك. ويخضع السجناء للمراقبة الدائمة؛ ويرابط الحراس ليلاً نهاراً على النوافذ الموجودة في سقف المهجع لمراقبة السجناء الذين يُحظر عليهم القيام بالأشياء اليومية المعتادة جداً مثل المشي في المهجع، والذهاب إلى المرحاض خلال الليل والتحدث مع الزملاء السجناء أو مع الحراس، والنظر إلى الحراس أو عبر النافذة أو الباب. كذلك مُنعت الصلاة اليومية والصوم- على الأقل حتى العام 1999 – كذلك كان حال المطالعة أو إعطاء دروس للزملاء السجناء.(12) ولا يُسمح لأغلبية السجناء بزيارات عائلية. وفي الواقع لم يُبلَّغ العديد من عائلات السجناء السياسيين في تدمر بمكان وجود أقاربهم؛ ولم يعرف بعضهم بوجودهم إلا بعد عدة سنوات.
وتُقصِّر الأوضاع العامة في تدمر جداً عن الوفاء بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والتي اعتمدتها الأمم المتحدة في العام 1977. وهي تخالف جميع نصوص المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن. وفي الواقع تصل الأوضاع في سجن تدمر إلى حد المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. فالمهاجع قذرة ورطبة وباردة في الشتاء وحارة جداً في الصيف ومليئة بالصراصير وغيره من الحشرات. ولا توجد فيها أسرة، ويُعطى كل سجين بساطاً رقيقاً وبطانيتين رثتين وقذرتين وملاءة. ويكون حيز النوم عادة ضيقاً جداً لأن المهاجع مكتظة جداً. وأشارت بعض الشهادات إلى أنه في بعض الأحيان لم يتوفر حيز كاف للسجناء للاستلقاء على ظهورهم.
المرافق الصحية في السجن فظيعة. وفي وقت ما أُجبر أكثر من مائة نزيل على المشاركة في استعمال مرحاض واحد وحنفية واحدة (13) ولا توجد أي مرافق لغسل الثياب وأواني الطعام.(14)
ويقال إن الطعام غير كاف ورديء النوعية جداً. وبحسب ما ورد تتألف حصة الطعام أحياناً من بيضة واحدة مسلوقة فقط لما بين ثمانية و10 أشخاص وحبتين أو ثلاث حبات من الزيتون كطعام فطور لكل شخص؛ وبعض الحساء للغداء وبطاطا أو حمص مسلوق للعشاء؛ وحصة يومية مؤلفة من رغيف أو رغيفين من الخبز اليابس. أما الحصة من الشاي فهي ربع فنجان من الشاي البارد كل 24 ساعة. وعند تقديم الطعام، عادة ما يكون غير مطهو جيداً؛ وتكون عادة الأدوات والأطباق (جميعها من البلاستيك) قذرة جداً، لأنه لا يتم غسلها بشكل صحيح أبداً وغالباً ما يحتوي الطعام على “أتربة”(15) ووصف أحد السجناء الطعام بأنه في الواقع يسبب الجوع وليس الشبع.
ويقال إن الرعاية الطبية الرسمية غير موجودة بالمرة في سجن تدمر. وبحسب ما ورد فإن المعتقلين الذين يحتاجون إلى معالجة طبية، بمن فيهم أولئك الذين أصيبوا بجروح أو إصابات ناجمة عن التعذيب، لا يخضعون إلا لكشف طبيب واحد على فترات يفصل بينها عدة أشهر. وتُصاب الجروح التي تنجم عن “حلقة الاستقبال” التي تقام عند الوصول إلى السجن أو عبر إساءة المعاملة الروتينية اللاحقة بالالتهاب نتيجة الإهمال المزمن. وبالتالي، أقدم المعتقلون الذين تلقوا تدريباً طبياً على معالجة زملائهم النـزلاء، كما ورد، معرضين أنفسهم و”مرضاهم” لخطر شديد، لأنه تُنـزل بهم عقوبات شديدة إذا اكتُشف أمرهم. وبسبب الافتقار إلى الأدوية والمعدات، اضطر السجناء إلى ابتكار أساليب تتميز بسعة الخيال. وبحسب أحد الأطباء الذين احتجزوا في تدمر، كانت الجروح المتقيحة تعالج بالخل المستخرج من التفاح أو العنب المتخمر. وتشير بعض الشهادات إلى أن الأطباء السجناء كانوا أحياناً يجرون عمليات جراحية طفيفة بأدوات مبتكرة.
كما ورد أن النـزلاء في تدمر عانوا أيضاً من ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض الخطيرة مثل داء السل والكوليرا. وساهم الافتقار إلى المرافق الصحية الكافية وإساءة المعاملة وسوء التغذية والإهمال الطبي الذي تعرض له السجناء في تفشي العدوى. وكان السجناء المصابون بالعدوى يفصلون عادة عن الآخرين ويوضعون في مهاجع خاصة حيث تقدم لهم معالجة طبية أساسية، لكن معدلات الشفاء كانت بطيئة جداً. ويقال إن عشرات السجناء الذين أصيبوا بالمرض توفوا نتيجة عدم كفاية الرعاية الطبية والإهمال وسوء الأوضاع في السجن.
وبالنسبة للأغلبية العظمى من السجناء يتضاعف انهيار المعنويات الناجم عن الأوضاع الفظيعة وسوء المعاملة المستمرة بغياب الزيارات العائلية. ويترك الأغلبية العظمى من النـزلاء، المحرومين من الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه لهم هذه الزيارات، لمواجهة الإذلال والتحقير اليوميين اللذين يعاملهم بهما النظام في تدمر دون أن يجدوا من يواسيهم.
حالات الوفاة في الحجز
توفي العديدون في الحجز، أما نتيجة التعذيب أو الأوضاع القاسية أو المرض الخطير. فمثلاً، ورد أن زاهي عبادي، وهو طبيب سوري من حلب توفي في سجن تدمر في العام 1990. وكان قد قُبض عليه مع أكثر من مائة مهني طبي في العام 1980 عقب إضراب مدته يوم واحد قامت به في مارس/آذار 1980 مختلف المجموعات المهنية ومن ضمنها نقابة الأطباء.(16) وبوصفه طبيباً، دأب الدكتور عبادي على فحص زملائه النـزلاء ومعالجتهم كلما أمكن في مختلف باحات سجن تدمر والرواية الرسمية هي أن زاهي عبادي توفي بعد أن نُقل للمعالجة الطبية خارج سجن تدمر، لكن زملاءه السجناء يعتقدون أنه ربما توفي نتيجة التعذيب أو أنه قُتل عمداً..
وفي فترة أحدث عهداً توفي عطية دياب عطية، وهو فلسطيني عمره قرابة 31 عاماً، في سجن تدمر في فبراير/شباط 2000. ويبدو أن السبب الأكثر احتمالاً لوفاته عدم توافر الرعاية الطبية له والأوضاع اللاإنسانية في سجن تدمر. وكان كما يبدو بحالة صحية سيئة عندما نُقل إلى سجن تدمر في العام 1996. وكان عطية دياب عطية، وهو عضو في حركة فتح الفصيل الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية التي يتزعمها ياسر عرفات، قد قُبض عليه في العام 1989 بجنوب لبنان ونُقل إلى سوريا(17) ولا تعرف منظمة العفو الدولية ما إذا كانت قد وُجهت إليه تهم أو جرت محاكمته، لكنه كان ضمن عشرات الفلسطينيين الذين اعتقلوا لأسباب سياسية في السجون السورية.
وتشكل عدة شهادات شاهداً على اللامبالاة المطلقة التي تنظر فيها إدارة السجن إلى حالات الوفاة في الحجز. وتزعم معظم الشهادات أن الحراس لم يستدعوا طبيباً قط للكشف على سجين يحتضر أو اشتد عليه المرض. وعوضاً عن ذلك، يأمرون النـزلاء الآخرين باستدعائهم لتسلم الجثة عندما يفارق السجين الحياة. وعندما يُتوفى سجين نتيجة التعذيب، لا تجري سلطات السجن أي تحقيق أو تشريح للجثة. وعوضاً عن ذلك فكما يشير تقرير السجناء الذين هُرِّب من سجن تدمر في العام 1999، تسعى الإدارة إلى التستر على السبب الحقيقي للوفاة :
“كلما حدثت وفاة نتيجة التعذيب، تستدعي إدارة السجن طبيباً ومشرفاً مساعداً لتسجيل تقرير طبي قد يتضمن إحدى الصيغ التالية : ‘سقوط فجائي إلى الوراء في غرفة مظلمة’، أو ‘نوبة قلبية’ أو ‘تناول عقاقير لم يصفها الطبيب أو المسؤول الصحي'”.
المحاكمات العسكرية وعمليات الإعدام والقتل في سجن تدمر العسكري
تجري محاكمة السجناء السياسيين في تدمر في محاكم عسكرية ميدانية لا تتقيد إجراءاتها بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة. ويمكن للمحاكم العسكرية الميدانية أن تفرض عقوبات بالإعدام وحتى العام 1989 أو 1990 كانت عمليات الإعدام تنفذ أيضاً بصورة منتظمة في تدمر. ويشير أحد التقارير إلى أن المحاكم العسكرية الميدانية ظلت تعمل في تدمر حتى العام 1999.
ولا تخضع أحكام المحكم العسكرية الميدانية لأي استئناف ولا يستفيد الذين يمثلون أمام هذه المحاكم من الضمانات المحددة في قانون الإجراءات الجنائية.(18)
وتتألف عادة المحاكمات أمام المحكمة العسكرية الميدانية في تدمر من جلسة واحدة يتم خلالها تلاوة بضع فقرات على السجين من محضر الاستجواب الذي أجرته الشعبة الأمنية المختصة – أي من جانب أولئك الذين أجروا الاستجواب الأولي للمعتقل عقب القبض عليه – ومن إفادة المعتقل التي غالباً ما تُنتزع نتيجة التعذيب. وعادة لا يُسمح للمعتقلين بتقديم أي شكل من أشكال الدفاع سواء بأنفسهم أو عبر محام. وذكر معتقل لبناني سابق أنه عندما مثل أمام المحكمة العسكرية الميدانية، أُبلغ أن محامياً حضر لتمثيله. لكنه قال إنه لم يعرف من هو محاميه من بين الحضور. وقال : “شعرت بأنهم جميعهم كانوا ضدي” وفي الواقع لم يتفوه المحامي الذي “يمثله” بكلمة واحدة طوال المحاكمة بأكملها.(19)
وأبلغ طبيب سوري قُبض عليه في العام 1980 منظمة العفو الدولية أنه مثل أمام محكمة عسكرية ميدانية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1981. وعُقدت المحكمة في القسم الإداري بسجن تدمر. وقال في روايته :
“أحضرتني الشرطة العسكرية وأنا معصوب العينين إلى قاعة المحكمة وأمرتني بالجلوس على كرسي أمام هيئة المحكمة. وعندما فكوا عصابة عينيّ، سألني الضابط الذي ترأس الجلسة عن اسمي ووظيفتي، ثم نظر في بعض الأوراق الموجودة أمامه وهز رأسه وشتمني. ثم أمر الكاتب بأن يدون بأن “المتهم كرر شهادته السابقة قائلاً إنه عالج طبياً شخصاً مريضاً من “عصابات” الأخوان المسلمين”. وعندها قال لي إنه سيسجنني مدة 15 عاماً وأمر الشرطة بإخراجي. ولم أنبس ببنت شفة أمام المحكمة ولم تتح لي أي فرصة لقول أي شيء.“
وتتراوح العقوبات بين بضع سنوات في السجن والإعدام. ولا “يُبلَّغ السجناء عادة بالحكم الذي صدر عليهم، حتى وإن كان عقوبة بالإعدام. ويُعرف عن المحاكم العسكرية الميدانية أنها أصدرت عقوبات عديدة بالإعدام؛ ولا يُعرف الرقم الدقيق للسجناء الذين أُعدموا في تدمر. بيد أن بعض الأنباء تشير إلى أنه ربما أُعدم الآلاف هناك.
وبحسب العديد من الشهادات، عندما أدرك السجناء لأول مرة أن عمليات إعدام قد نُفِّذت في السجن، أصيبوا بالذهول الشديد. وتكونت لدى عدة سجناء قناعة، لا سيما الذين اعتقلوا لصلتهم بالإخوان المسلمين – أنهم سيُعدمون لأنهم سجنوا من دون تزويدهم بأية معلومات حول الأحكام الصادرة عليهم. ولاحظ السجناء أن متوسط الوقت الممتد بين المحاكمة والإعدام بلغ زهاء الشهرين. وذكر سجين سابق أنه عاش طوال أربع سنوات في خوف من إمكانية إعدامه في أي وقت. ويمكن اعتبار هذا الخوف الدائم من الإعدام بحد ذاته ضرباً من التعذيب.
وفي العام 1980 كان سجن تدمر مسرحاً لمذبحة أُعدم فيها مئات السجناء خارج نطاق القضاء. ووقعت المذبحة في 27 يونيو/حزيران 1980، بعد يوم على محاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد في دمشق. إذا نُقل أكثر من 100 عنصر من سرايا الدفاع عن الثورة التي كانت في حينه تحت قيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس وأفراد من لواء الأمن الـ 138 بطائرات الهليكوبتر إلى تدمر. وتُرك بعض منهم على أهبة الاستعداد ولحراسة الطائرات المروحية، فيما انقسم 80 رجلاً إلى وحدات تتألف كل منها من 10 رجال ودخلوا السجن لقتل السجناء في زنازينهم ومهاجعهم. ويتراوح عدد القتلى بين 500 و1000 سجين وفق مختلف التقديرات؛ ومعظم الضحايا كانت لهم صلة بالإخوان المسلمين. ثم دُفنت جثثهم في قبر جماعي خارج السجن، وفي محاولة للتستر على المجزرة، ذكرت السلطات أنهم أُعدموا. وذكر جنديان سوريان اعتُقلا في الأردن في فبراير/شباط 1981 للاشتباه بمحاولتهما اغتيال رئيس وزراء الأردن، ذكرا على شاشة التلفزيون أنهما شاركا في مجزرة تدمر وأعطيا تفاصيل “العملية” وقد طلبت منظمة العفو الدولية بصورة متكررة من السلطات السورية تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث المحيطة بالمجزرة.
وبين العامين 1980 و1990 ورد أن جثث الذين توفوا في تدمر لم تُسلَّم قط إلى العائلات التي يبدو أنها لم تتلق أي معلومات حول مصير أقاربها ومكان وجودهم. وتشير المعلومات التي تلقتها منظمة العفو الدولية مؤخراً إلى أنه بعد العام 1990 بدأت السلطات تقدم معلومات إلى عائلات الذين ماتوا في تدمر نتيجة المرض، لكن ليس إلى عائلات الذين أُعدموا أو توفوا تحت وطأة التعذيب. ولم تستطع منظمة العفو الدولية التحقق من صحة هذه المعلومات، أو الأنباء التي تحدثت عن استمرار عمليات الإعدام في تدمر بعد العام 1990. بيد أن بعض الأنباء توحي بأن عمليات الإعدام نُفِّذت في السجن في فترة لا تعود إلى أبعد من العام 1994.
الخلاصة
أصبح سجن تدمر العسكري مرادفاً للمعاناة والألم. وتجرد الأوضاع في سجن تدمر الإنسان من إنسانيته وتهبط به إلى مستوى بهيمي. وهي تنتهك المبادئ المحددة في المعايير الدولية مثل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، وتشكل بحد ذاتها تعذيباً أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وعلى الرغم من المزاعم الخطيرة العديدة حول ممارسة التعذيب وسوء المعاملة في سجن تدمر، تقاعست السلطات السورية عن الاستجابة للدعوات المتكررة التي أطلقتها منظمة العفو الدولية وسواها من منظمات حقوق الإنسان(19) لإجراء تحقيق مستقل وحيادي في هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في إبريل/نيسان 1995 سلطت الضوء على تمكن قوات الأمن السورية الإفلات من العقاب على اعتقال المتهمين السياسيين وتعذيبهم بصورة تعسفية، وهي مطمئنة إلى أنها لن تخضع للمساءلة عن أفعالها. وجرت إشارة خاصة إلى انعدام التحقيقات من جانب السلطات في أنباء التعذيب وحالات الوفاة في الحجز وحوادث “الاختفاء”. وتكرر منظمة العفو الدولية دعوتها إلى السلطات لمحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب بتقديم المسؤولين، على جميع المستويات، عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان إلى المساءلة وبخاصة أولئك المسؤولين طوال عقود عن ارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان اصطبغ بها سجن تدمر.
ومن الضروري جداً أن تأمر الحكومة السورية بإجراء تحقيق كامل وحيادي ومستقل في مزاعم التعذيب وأنباء الوفيات في الحجز في سجن تدمر. ويجب إيلاء اهتمام خاص أيضاً بنظام السجن القاسي جداً وأوضاع الاعتقال الفظيعة السائدة في سجن تدمر.
ولجميع أولئك المحتجزين في سجن تدمر الحق في احترام حقوقهم الأساسية. ويُنكر عليهم هذا الحق إلى أن تتخذ الحكومة السورية خطوات حقيقية تكفل تقديم المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان إلى العدالة.
“وأسوة بغيرهم لدى (سجناء تدمر) مشاعر وأحلام؛ ولديهم قصص حب، بعضها ناجح وبعضها الآخر فاشل؛ وجميعهم يتوقون إلى حياة هانئة وادعة والعودة إلى زوجاتهم وأطفالهم الذين يكبرون من دون آبائهم وإلى أمهات توفي بعضهن وفي قلوبهن حسرة لعدم رؤية أبنائهن مرة أخرى، بينما تنتظر أخريات عودتهم.“
سجين سابق
التوصيات
1. يجب على الحكومة السورية أن تفرج من دون قيد أو شرط عن جميع سجناء الرأي من سجن تدمر. ويجب أن تفرج فوراً عن جميع السجناء السياسيين الآخرين الذين صدرت عليهم دون استثناء أحكام في محاكمات جائرة، إذا لم تكن هناك نية في تقديمهم بسرعة إلى محاكمات عادلة بتهم جنائية معترف بها. وعلى أية حال يجب الإفراج فوراً عن جميع السجناء الذين ليسوا أفراداً في أجهزة الأمن أو نقلهم إلى سجون مدنية معترف بها.
2. تدعو منظمة العفو الدولية الحكومة السورية إلى أن :
– تتأكد من عدم ممارسة أفراد أجهزة الأمن السورية للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة ضد أي معتقل؛
– تُخضع إدارة سجن تدمر العسكري وغيره من السجون لرقابة قضائية صحيحة وفعالة؛
– تنفذ المعايير الدولية المتعلقة بمعاملة السجناء وأوضاع السجون مثل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكل الاحتجاز أو السجن؛
– تتخذ تدابير عاجلة لإنشاء هيئة مستقلة مؤهلة لتلقي الشكاوى للقيام بعمليات تفتيش لسجن تدمر وغيره من السجون وتقديم توصيات تتعلق بتحسين أوضاع السجون؛
– تفصل بشكل تام السلطات المسؤولية عن الاستجواب عن إدارة السجن وتقدم للأجهزة الأمنية وحراس السجون تدريباً في مبادئ حقوق الإنسان ومعاييرها؛
– تكفل لجميع السجناء الزيارات العائلية المنتظمة والمتكررة ومقابلة الأطباء والمحامين والاتصالات الأخرى بالعالم الخارجي.
3. تدعو منظمة العفو الدولية الحكومة السورية إلى إجراء مراجعة عاجلة وكاملة لسجل سجن تدمر بهدف :
– إجراء تحقيق قضائي شامل – يُفضل عن طريق لجنة تحقيق متخصصة – في جميع مزاعم التعذيب والمعاملة السيئة. وينبغي أن تتمتع هذه الهيئة بصلاحية التحقيق في جميع الوفيات في الحجز وفي مصير جميع الذين “اختفوا” في سجن تدمر العسكري، ومراجعة المحاكمات العسكرية وعمليات الإعدام التي جرت خلال العقدين الأخيرين في تدمر. ويجب أن تنشر على الملأ النتائج التي تتوصل إليها والتوصيات التي تقدمها. ويجب تقديم الذين تثبت مسؤوليتهم عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة؛
– إبلاغ عائلات أولئك الذين توفوا في الحجز أو أُعدموا في سجن تدمر العسكري بمكان دفن أقربائها أو كلما أمكن إعادة رفاتهم إلى تلك العائلات لدفنها؛
– ضمان تأهيل وتعويض ضحايا التعذيب والاعتقال المطول من دون محاكمة أو بعد محاكمات في محاكم عسكرية ميدانية أو غيرها من المحاكمات الجائرة.
4. تدعو منظمة العفو الدولية الحكومة السورية إلى المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من دون أية تحفظات وتطبيق موادها.
الهوامش
1. إضافة إلى المواطنين السوريين، اعتُقل في سوريا أيضاً مواطنون عرب آخرون – مثل اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين – لأسباب سياسية.
2. تشير عبارة “سجين رأي” إلى الأشخاص الذين سجنوا أو اعتقلوا أو فرضت قيود أخرى على تحركاتهم بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية أو غيرها من المعتقدات النابعة من ضمائرهم أو بسبب أصلهم العرقي أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو أصلهم القومي أو الاجتماعي أو وضعهم الاقتصادي أو مولدهم أو أي وضع آخر، شريطة أنهم لم يستخدموا العنف أو يدعوا إلى استخدامه.
3. للمزيد من التفاصيل حول قانون الطوارئ المعمول به في سوريا، راجع تقرير منظمة العفو الدولية المقدم إلى حكومة الجمهورية العربية السورية (رقم الوثيقة : MDE 24/04/83 )، نوفمبر/تشرين الثاني 1983.
4. لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر. (المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لا يجوز إخضاع أي شخص معرض لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.* ولا يجوز الاعتداد بأي ظرف من الظروف لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المبدأ السادس من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن).
5. تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في أكتوبر/تشرين الأول 1987 تحت عنوان، سوريا : التعذيب الذي تمارسه قوات الأمن (رقم الوثيقة : MDE 24/09/87 )وثَّق نحو 38 طريقة من طرق التعذيب الذي كانت تمارسه قوات الأمن السورية في ذلك الحين.
6. راجع سوريا : القمع والإفلات من العقاب : الضحايا المنسيون (رقم الوثيقة :MDE 24/02/95 ) إبريل/نيسان 1995.
7. تقرير مراقبة حقوق الإنسان، “سجن تدمر في سوريا: ما زالت المعارضة أسيرة تركة الإرهاب”، إبريل/نيسان 1996، المجلد 8 الرقم 2(هـ).
8. عادة تُعصب أعين السجناء خلال نقلهم من سجن إلى آخر.
9. تبنت منظمة العفو الدولية العديد من المهنيين السوريين الذين قُبض عليهم بعد إضراب مدته يوم واحد كسجناء رأي محتملين وقامت بحملات نيابة عنهم طوال سنوات عديدة؛ كما تبنت منظمات مهنية دولية أخرى قضاياهم.
10. من المعروف أن القوات العسكرية السورية العاملة في لبنان قامت باعتقال اللبنانيين والفلسطينيين ونقلتهم إلى سوريا خارج أي إطار قانوني. انظر تقرير “ضحايا نزاع إقليمي : المعتقلون اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون في سوريا (رقم الوثيقة : MDE 24/001/1999 )، يناير/كانون الثاني 1999.
11. الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان، الجمهورية العربية السورية، الدورة الحادية والسبعون، مارس/آذار 2001، CCPR/CO/71/SYR.
12. بيد أن بعض الشهادات تشير إلى أنه في الأعوام الأخيرة سمحت إدارة السجن للسجناء بقراءة نسخة واحدة من صحيفة البعث الرسمية بالتناوب في كل باحة.
13. يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة (القواعد النموذجية الدنيا للمعاملة السجناء، 12)
14. يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بالدش بحيث يكون في مقدور كل سجين ومفروضاً عليه أن يستحم أو يغتسل، بدرجة حرارة متكيفة مع الطقس، بالقدر الذي تتطلب الصحة العامة، تبعاً للفصل والموقع الجغرافي للمنطقة على ألا يقل ذلك عن مرة في الأسبوع في مناخ معتدل (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، 13). “يجب أن تكون جميع الملابس نظيفة وفي حالة مرتبة. ويجب تغيير الملابس الداخلية وغسلها كلما دعت الضرورة حفاظاً على الصحة الشخصية (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، 17(2)) يجب أن تكون جميع الأماكن التي يتردد عليها السجناء بانتظام في المؤسسة مستوفاة الصيانة والنظافة في كل حين (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، 14).
15. توفر الإدارة لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، 20(1))
16. تُشكَّل المحاكم العسكرية الميدانية التي أُسست بموجب المرسوم التشريعي رقم 109 الصادر في 17 أغسطس/آب 1968 من جانب القائد العام للقوات المسلحة وتضم عادة رئيساً (من رتبة لا تقل عن رائد) وعضوين (المادة 3). وبينما تنص المادة 4(أ) على تعيين القائد العام لمدعٍ عام في هذه المحاكم، إلا أن المرسوم يلتزم الصمت إزاء حقوق المتهم في الدفاع. ولا تتقيد المحاكم العسكرية الميدانية بالمبادئ والإجراءات الواردة في التشريع الحالي (المادة 5)، ولا تخضع الأحكام الصادرة عنها لأي شكل من أشكال الاستئناف (المادة 6). بيد أن أحكام المحكمة العسكرية الميدانية تخضع لموافقة رئيس الدولة و/أو القائد العام للقوات المسلحة الذي يتمتع بالحق في إلغاء الحكم أو تخفيضه أو وقف تنفيذه أو إصدار أمر بإعادة المحاكمة أمام محكمة عسكرية أخرى (المادة 8)
17. لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية. (المبدأ 1 من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين).
18. راجع تقرير منظمة العفو الدولية المقدم إلى حكومة الجمهورية العربية السورية (رقم الوثيقة : MDE 24/04/83 )، الصفحة 35.
19. راجع مراقبة حقوق الإنسان، سجن تدمر في سوريا، العام 1996.