قامت كتائب المعارضة المسلحة في مدينة بصر الحرير في درعا خلال اليومين الماضيين بإلقاء القبض على مقاتلين آسيويين في صفوف القوات الموالية للنظام السوري، ويُعتقد أن المقاتلين الذين تم إلقاء القبض عليهم ينتمون إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
وكانت كتائب المعارضة المسلحة منذ عام 2012 وحتى الآن قد ألقت القبض أو قتلت مرتزقة إيرانيين وأفغان وروس وباكستانيين وأفارقة، بالإضافة إلى مقاتلين من الميليشيات اللبنانية والعراقية، ومعظم هؤلاء المقاتلين هم من الطائفة الشيعية.
ويشكل الأفغان الهزارة والباكستانيون الشيعة النسبة الغالبة من المقاتلين الشيعة من غير العرب والإيرانيين، ويتم تجنيدهم من بين اللاجئين الأفغان تحت مظلة ميليشيات عراقية أو مختلطة مثل “أبو الفضل العباس” و “سرايا طليعة الخراساني” خاصة، أو ضمن تشكيلات أفغانية خالصة لكن بقيادة إيرانية مثل “لواء فاطميون”.
ولا تتوفر إحصاءات دقيقة لعدد المقاتلين الشيعة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن عدد مقاتلي الميليشيات العراقية هو حوالي 20 ألف مقاتل، وعدد مقاتلي ميليشيا حزب الله اللبناني حوالي 10 آلاف مقاتل، مع حوالي 10 آلاف مقاتل من الأفغان والإيرانيين.
ويُلاحظ أن المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين يُقاتلون ضمن مجموعات محدودة ومنظمة، فيما يُقاتل العراقيون تحت أكثر من عشرين مجموعة، فيما يُقاتل المرتزقة الآسيون والأفارقة تحت ألوية بقية المجموعات، ما عدا لواء فاطميون، والذين يتكوّن في معظمه من مقاتلين أفغان.
وترتبط كل هذه المجموعات بإيران، والتي يُعتقد أنّها من يتكفّل بأجور المقاتلين، وبتسليحهم وانتقالهم إلى سورية.
وتُشير الاعترافات التي قدّمها عدد من المقاتلين الأجانب الذين تم اعتقالهم من قبل كتائب المعارضة المسلحة إلى أن كثيراً من المقاتلين الإيرانيين والأفغان هم من المعتقلين الجنائيين الذين تم الإفراج عنهم مقابل القتال في سورية، أو لاجئين أفغان يتم إحضار مقابل مبلغ مالي، يُقدّر بحوالي 600$ شهرياً، بالإضافة إلى التعبئة المعنوية، والتي ترتكز على الأفكار الطائفية والعقائدية.
كما تُشير الاعترافات إلى أن قيادات من الحرس الثوري الإيراني ومن ميليشيا حزب الله تتولى قيادة المعارك التي تُشارك فيها الميليشيات الأجنبية الأخرى.
انظر: اعترافات أحد الأسرى الإيرانيين، 13/10/2014
الموقف الدولي من الميليشيات الأجنبية الموالية للنظام
يتّسم الموقف الدولي تجاه الميليشيات الاجنبية الموالية للنظام بالتجاهل التام، ولا يحظى بأي اهتمام، وهو ذات الموقف الذي اتخذه المجتمع الدولي تجاه المقاتلين الأجانب الموالين لتنظيم القاعدة حتى نهاية عام 2013، حيث لم يُسجّل آنذاك أي موقف يذكر لمنع انتقال المقاتلين من الدول الغربية والعربية إلى الأراضي السورية.
ولا تتواجد أي من المنظمات المذكورة في الشكل السابق في قائمة الإرهاب الأمريكية، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يصنّف هذه المنظمات كمنظمات إرهابية إلى الآن، وهي تشترك في ذلك مع تنظيم داعش، والذي لم يصنف هو أو قادته ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية بعد!.
وقد تجاهلت القرارات الدولية وجود هذه الميليشيات، بمقابل تخصيص قرار خاص لمجلس الأمن للحديث عن المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش والنصرة، وهو القرار رقم 2178، والذي صدر بتاريخ 24/9/2014، والذي لم يتناول وجود المقاتلين الأجانب خارج إطار هذه المجموعات.

رغم المشاركة المعلنة للميليشيات الأجنبية لمشاركتها في أعمال القتال في سورية، إلا أن المجتمع الدولي تجاهل مشاركتها بالكامل
الميليشيات الأجنبية: مشاركة فاعلة في الجريمة
شاركت الميليشيات الأجنبية بفعالية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تم ارتكابها في سورية خلال السنوات الماضية، حيث تضمّنت هذه الأعمال المشاركةَ في أعمال قصف المدنيين، وأعمال الحصار، بالإضافة إلى ارتكاب المجازر بالأسلحة البيضاء والأسلحة الصغيرة.
وتقوم الميليشيات الأجنبية، وخاصة العراقية منها، بتوثيق مشاركتها في أعمال الإبادة الجماعية التي تُمارس على السوريين، وتقوم بنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، سواء تلك الخاصة بالمجموعة المقاتلة نفسها، أو الصفحات الشخصية للمقاتلين أنفسهم.
كما توفّر المواد الفلمية والصور المتوافرة في هواتف المقاتلين القتلى أدّلة دائمة على المشاركة الفاعلة للمقاتلين الأجانب في صفوف القوات الموالية للنظام، ومشاركتها في الجرائم التي تُرتكب في سورية بحق السوريين.
وتقوم ميليشيا حزب الله اللبناني بتوثيق مشاركتها في الأعمال القتالية من خلال نشر أسماء بعض القتلى وصور جنائزهم، وإعلان أنّهم قتلوا في سورية، بعد أن كانت تكتفي نهاية عام 2012 بالإعلان أنّهم قد “قتلوا أثناء أداء واجباتهم الجهادية”، دون تحديد مكان قتلهم، وهو ما كان يُفهم ضمناً أنه خلال المشاركة في القتال في سورية، قبل أن يقوم الحزب بالإعلان رسمياً عن مشاركته في القتال في شهر آذار/مارس 2013.

كانت ميليشيا حزب الله تكتفي بالإشارة إلى أن القتلى سقطوا أثناء أداء واجبهم الجهادي المقدس-الصورة من موقع قناة المنار التابعة للميليشيا، بتاريخ 22/2/2013
فعلى سبيل المثال، وأثناء هجوم الميليشيات الأجنبية الموالية للنظام على مدينة النبك في ريف دمشق في 19/11/2013، قامت صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للميليشيات الأجنبية المشاركة في الهجوم معه، بتوثيق صور الجناة وأفلامهم وهو يقومون بإطلاق النار على المدنيين، أو يقومون بتعذيبهم، أو وهم يُدلون بتصريحات يتفاخرون فيها بمشاركتهم في أعمال القتل في مدينة النبك، ويُتفاخرون برسم الشعارات الطائفية على جدران المدينة، أو الهتاف بها.
وقد قام المدعو أبو شهد الجبوري، عراقي الجنسية، وهو قائد ميليشيا ذو الفقار، بنشر صورٍ له في نفس اليوم وهو يقود مسنّاً خمسينياً مُكبّلاً بحبل، عُرف لاحقاً أنه المواطن منير عبد الحي، وصورٍ له وهو يقوم بضربه بعد قتله.
استخدام الخطاب الديني لتحريك المرتزقة
بالإضافة إلى المبالغ المالية، استعملت الميليشيات الموالية للنظام الخطاب الديني الطائفي كضمان لدفع المقاتلين للمشاركة بفعالية في المعارك.
وقد تولّى أمين عام ميليشيا حزب الله اللبنانية حسن نصر الله المسؤولية الرئيسية في إعداد الخطاب الديني للمعارك، من خلال صياغة فكرة الدفاع عن المراقد الشيعية المقدّسة التي تتعرّض للتهديد بزعمه من قبل كتائب المعارضة المسلحة، وخاصة مرقد السيدة زينب، والتي تأسس حولها الخطاب الديني للميليشيات المقاتلة، حيث تحمل هذه الميليشيات شعارات من قبيل: لن تُسبى زينب مرتين، ولبيك يا زينب!
وقد اعترف أمين عام حزب الله لاحقاً بأن الخطاب الديني قد تم استخدامه بشكل سياسي، من أجل تأجيج الصراع.
وقامت الميليشيات الأجنبية المقاتلة بإنتاج مواد دعائية مليئة بالشحن الطائفي، من أجل الحصول على الدعم من الحواضن الشعبية لهذه الميليشيات، وخاصة في العراق ولبنان، حيث تستحضر هذه المواد تعبيرات من قبيل الحرب على الأمويين وأحفاد يزيد، ولبيك يا زينب.. الخ.
وأظهرت الموجودات التي تم العثور عليها مع قتلى من الميليشيات الأجنبية بوجود وثائق تُسمى “بجواز سفر للجنة”، يحصل عليه المقاتل عند الذهاب للقتال في سورية.

ميليشات حزب الله ترفع راية طائفية فوق مئذنة مسجد في مدينة القصير في ريف حمص بعد السيطرة عليها، في 5/6/2013
المسؤولية القانونية
تشير الأدلة المتوفرة حتى الآن إلى مشاركة فاعلة من طرف الميليشيات الأجنبية في الجرائم التي تم تنفيذها في سورية، وبوجود رغبة من طرف المقاتلين للقيام بالمهام التي تُطلب منهم، كما توفّر الخطابات السياسية لقيادات هذه الميليشيات (وخاصة ميليشيا حزب الله اللبناني) أدلة يقينية حول هذه المشاركة ومدى فاعليتها.
ولا تنحصر المسؤولية القانونية في المقاتلين المباشرين الموجودين على الأرض السورية، بل تتعدّاها إلى الأطراف الداعمة لهم، والأطراف التي سهّلت عبورهم.
ومن أبرز هذه الأطراف:
– الحكومة الإيرانية، والتي تتولى عملية تمويل هذه الميليشيات، ودعمها لوجستياً، كما تُشارك قوات تابعة لها بشكل مباشر في أعمال القتال، وفي قيادة هذه الميليشيات.
– الحكومة العراقية، والتي سهّلت عملية انتقال الميليشيات العراقية إلى الأراضي السورية، كما أن عدداً من قيادات هذه الميليشيات هم أعضاء في الحكومة العراقية أو في البرلمان العراقي، أو هم شخصيات معروفة بأسمائهم وعناوينهم.
– كما تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن مشاركة ميليشيا حزب الله اللبنانية، فهي وإن لم تستطع أن توقف حركة هذه الميليشيات، فإنّها مسؤولة قانوناً بقبولها تحمّل المسؤولية السياسية أثناء فترة مشاركة الميليشيا في الحرب على السوريين.
وبالإضافة إلى الأطراف السابقة، فإنّ المجتمع الدولي يتحمّل المسؤولية من خلال تجاهله المستمر حتى الآن لوجود هذه الميليشيات، وعدم تجريم هذه المشاركة، كما فعل متأخراً مع الميليشيات الأجنبية الموالية لتنظيم القاعدة.