شهد البحر المتوسط يوم الأحد 19/4/2015 غرق قارب صيد يقل مهاجرين غير شرعيين، كانوا يحاولون الوصول إلى الشواطئ الإيطالية، مما تسبب بمقتل حوالي 700 شخص، فيما نجى 24 شخص فقط كانوا على متن القارب.
ويُعتقد أن كثير من المهاجرين على متن القارب كانوا من السوريين، والذين يحاولون البحث عن مكان آمن، وحياة كريمة.
ويُعدّ غرق قارب الصيد يوم الأحد المأساة الأكبر حتى الآن، ليبلغ عدد الذين قُتلوا في البحر المتوسط حتى الآن خلال عام 2015 حوالي 1500 شخص حسب المنظمة الدولية للهجرة. فيما يقدّر عدد الذين عبروا المتوسط عام 2014 بحوالي 218000 شخص، فيما قتل 3500 شخص تقريباً خلال هذه الفترة.
وكانت الأعوام السابقة قد شهدت ارتفاعاً في عدد القوارب الغارقة في البحر المتوسط، كان أبرزها غرق قارب أمام سواحل طرابلس الليبية يوم 6/7/2014، وكان على متنه حوالي 200 مهاجر، وغرق قارب أمام السواحل المالطية يوم 10/9/2014، مما أدّى لمقتل حوالي 500 مهاجر، وغرق قارب أمام سواحل قبرص التركية يوم 23/11/2014، وكان على متنه حوالي 300 مهاجر.
وكانت اللجنة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت تقريراً مفصلاً عن الهجرة غير الشرعية، والعوامل التي تدفع السوريين تحديداً إلى تعريض أنفسهم للخطر من أجل الوصول إلى السواحل الأوروبية، كما استعرض التقرير المخاطر التي يتعرّض لها المهاجرون، بالإضافة إلى خطر الموت غرقاً.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ تتابع النقاشات السياسية التي يشهدها الاتحاد الأوروبي الآن بخصوص الهجرة غير الشرعية، وكيفية التعامل معها، فإنّها تشعر بالقلق لغياب الحديث عن العامل الأساسي الذي يدفع السوريين على وجه الخصوص للمخاطرة بحياتهم، وحياة أسرهم، والتضحية بمواردهم المحدودة، من خلال التعامل مع تجار الموت، من أجل الوصول إلى دول اللجوء!.
إن التغافل عن الانتهاكات الجسيمة التي تجري في سورية، وتجاهل التعامل مع منفذي هذه الانتهاكات، لا يمكن أن يؤدّي إلاّ إلى المزيد من المأسي التي تمثّل الهجرة عبر المتوسط أحد أعراضها البسيطة فقط.
لقد أفضت السياسات المتواصلة للمجتمع الدولي إلى الوضع الإنساني المأساوي الذي نشهده اليوم في سورية، والذي لم يعد وضعاً سورياً فقط، حيث وصلت آثاه إلى مختلف دول العالم، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.
وسوف نذكر هنا أهمّ السياسات التي أدّت إلى الحالة الراهنة، وهي سياسات ينبغي مراجعتها قبل الوصول إلى أي حلّ جدّي لمسألة المهاجرين غير الشرعيين:
- تجاهل المجتمع الدولي المتكرر والممنهج لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية، ورفض تسميتهم، أو توجيه الاتهام لهم، بما يمنحهم التشجيع الكافي لارتكاب المزيد من هذه الأعمال. ويمثل قرارا مجلس الأمن 2118، بتاريخ 27/9/2013 و2209 بتاريخ 26/3/2015 نماذج لهذا التجاهل، وهو أمر غير مسبوق في القانون الدولي.
- عمل كافة الأجهزة الدولية على إحلال مبدأ الحوار السياسي مع مرتكبي الانتهاكات، بدلاً من مبدأ المحاسبة. حيث تركّز عمل المبعوثين الدوليين على ضرورة الحوار مع منفذي جرائم الحرب، دون أي ذكر لمحاسبتهم، وهو ما يشكّل انتهاكاً خطيراً لمبدأ سيادة حقوق الإنسان.
- امتناع المجتمع الدولي عن توفير مناطق آمنة في داخل سورية، تسمح بإيواء السوريين فيها، دون أن يتعرّضوا لخطر القصف بالطيران، بما في ذلك القصف بالبراميل، والتي أدّت إلى معظم حالات القتل داخل سورية خلال العامين الأخيرين، كما أدّت إلى تدمير مناطق واسعة في سورية، بحيث لم يعد لدى الأهالي ما يعودون لأجله، ولم يعد لديهم ما يخسرونه بالمجازفة للوصول إلى دول اللجوء عبر البحر.
- امتناع المجتمع الدولي عن إيجاد حل لمشكلة وثائق السفر، والتي يقوم النظام السوري باستخدامها كوسيلة لابتزاز السوريين، الأمر الذي ترك مئات الآلاف من السوريين بدون وثائق سفر، وأي وثائق ثبوتية أخرى، وحدّ من إمكانية عيشهم الكريم في دول الجوار.
إن حصر النقاش في مشكلة وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الأوروبية يمثّل تجاهلاً من الأطراف المختلفة للتعامل مع المشكلة الرئيسية، ولن يساعد إلا في إيجاد حلول آنية قاصرة.
كما أن الحديث عن استيعاب المهاجرين الذين يصلون إلى الدول الأوروبية، وغيرها من دول اللجوء، لا يشكل بدوره إلا مساهمة محدودة للغاية في حل مشكلة اللاجئين، والذين يبلغ عددهم اليوم حوالي 4 مليون شخص على الأقل، والذين لن يكون بمقدار أي دولة أو مجموعة من الدول استيعابهم جميعاً، كما أن المطلوب هو تأمين عودتهم إلى منازلهم، وتأمين الحماية لهم، وليس مساعدة النظام السوري على تنفيذ سياسته في إخراجهم من بلدهم.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ تأسف إلى العدد المتزايد من الضحايا، وآخرهم الغرق المأساوي لقارب الصيد أمام السواحل الإيطالية يوم الأحد، فإنّها تأمل أن يكون هذا الحادث دافعاً للمجتمع الدولي، وللاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، لإعادة النظر في سياساته الدولية تجاه المسألة السورية أولاً، ولإعادة حقوق الإنسان لتكون في صدارة معايير اتخاذ القرار بهذا الشأن، وفي قيادة الموقف الدولي نحو موقف جديد يتعامل مع المشكلة الحقيقية لا مع أعراضها، ويضع مصلحة الإنسان وحقوقه أولاً.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
20/4/2015