
وصل عدد قليل من الصور للمدينة بعد المجزرة، بمقارنة مع حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، والعدد الكبير من الضحايا
في 2/2/1982 بدأت قوات الجيش السوري استهدافها لمدينة حماة، في هجوم استمرّ لمدة 27 يوماً، وشمل سلسلة متواصلة من المجازر في مختلف أحياء المدينة، مما أسفر عن مقتل حوالي 30 ألف شخص، وفقاً لتقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان، منهم نحو عشرة آلاف شخص لم يُعرف مصيرهم إلى الآن.
وقد قامت قوات الجيش والميليشيات المساندة لها بإغلاق المدينة بشكل كامل، وقطع الاتصالات الهاتفية معها، مما منع وصول أخبار المجزرة إلى العالم الخارجي إلا بعد انتهاء أعمال القتل بالكامل. واعتمد التوثيق الذي تمّ للمجزرة على شهادات الناجين في الفترات التالية، ولم تصل من المدينة إلى الآن سوى عدد محدود من الصور، حيث لم يكن من الممكن القيام بأعمال التصوير في الجو الأمني الذي شهدته المدينة أثناء وبعد المجزرة، وعدم وجود الكاميرات بشكل شعبي بالصورة الموجودة في الفترة الحالية.
وشملت المجزرة قصفاً بالمدفعية والدبابات لمعظم أحياء المدينة، مما خلّف دماراً واسعاً في أحياء المدينة، شبيه بذلك الدمار الذي خلّفه القصف على حمص القديمة وحلب في عام 2012 وما بعده.
كما شهدت المجزرة أعمال اعتقال واسعة، حيث يُعتقد أن معظم من تمّ اعتقاله في تلك الفترة قد تعرّض لأعمال التصفية في المعتقلات.
وقد خلّفت المجزرة عدداً غير محدد من الانتهاكات طويلة المدى، حيث لم تقم الدولة بالاعتراف بهذه المجزرة، وبالتالي فقد بقي الضحايا دون تعويض عن خسائرهم المادية، كما بقيت آلاف الأسر تواجه مشاكل اجتماعية وقانونية نظراً لعدم معرفتها بمصير أبنائها، أو لمقتل كامل الأسرة في المجزرة، وعدم تمكّن الأقارب من متابعة الأملاك، وحصر الإرث الخاص بهذه الأسرة، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالزواج والنسب، نتيجة لغياب الأب، وعدم معرفة زوجته بمصيره..الخ!.
ومن أهم المجازر التي شملتها فترة مجزرة حماة:
4/2/1982: مجزرة حماة الجديدة جنوب الملعب البلدي (1500 ضحية).
6/2/1982: سلسلة مجازر حي سوق الشجرة (50 ضحية)، ومجزرة دكان أحمد المسقع الحلبية (75 ضحية)، ومجزرة حي البياض (50 ضحية).
8/2/1982: سلسلة مجازر حي الدباغة، وكانت حصيلتها كالتالي: السوق الطويل 8 ضحايا، في دكان عبد الرزاق الريس 35 ضحية، في دكان عبد المعين مفتاح 20 ضحية، من آل دبور 6 ضحايا، من آل مغيزيل 4 ضحايا، من آل القرن 3 ضحايا.
8/2/1982: سلسلة مجازر حي الباشورة، وكانت حصيلتها كالتالي: من آل الدباغ 11 ضحية، من بيت السيدة آمين 5 ضحايا، من آل موسى 21 ضحية، من آل القياسة 3 ضحايا، من آل العظم ضحيتان، من بناية الدكتور مشنوق 39 ضحية، من آل الصمصام 13 ضحية، من آل كيلاني 4 ضحايا. وفي مجزرة جامع الخانكان عدد كبير من الضحايا لم يُعرف معظمهم.
12/2/1982: مجزرة آل المصري في حي العصيدة (40 ضحية).
13/2/1982: مجزرة آل الصحن في حي الدباغة (60 ضحية).
13/2/1982: مجزرة زقاق آل الزكار في الشمالية (6 ضحايا).
23/2/1982: مجزرة آل شيخ عثمان في حي البارودية (25 ضحية).
26/2/1982: مجزرة الجامع الجديد في جحي الفراية (16 ضحية).
ورغم ضخامة المجزرة، فإنّ المجتمع الدولي لم يقم باتخاذ أي إجراء لمحاسبة الجناة، أو حتى بأي إجراءات لتوثيق ما حدث، حيث لم تقم الدول الكبرى إلى اليوم بالكشف عن صور الأقمار الصناعية التي توثّق المجزرة، أو أي وثائق أخرى تساعد في عملية التوثيق.
كما أنّ رفعت الأسد، قائد سرايا الدفاع التي شاركت في المجزرة، وهو شقيق الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد ما زال إلى اليوم يحظى بالحماية في أوروبا حيث يُقيم منذ منتصف الثمانينيات، ولم تتمكن المنظمات الحقوقية من ملاحقته قانونياً نظراً لعدم قدرتها على جلب الضحايا إلى أوروبا، وامتلاك الأسد لمنظومة مالية ضخمة توفّر له الحماية القانونية في أوروبا، على خلاف المنظمات الحقوقية التي لا تمتلك الموارد المالية التي تحتاجها عمليات الملاحقة القانونية الشبيهة.
إن سياسة المجتمع الدولي في توفير المخرج الآمن للجناة للإفلات من العقاب منذ فترة الثمانينيات، أسّس وبشكل مباشر لجرائم الحرب الواسعة التي شهدتها سورية بعد عام 2011، حيث قام النظام بإعادة إنتاج نفس الاستراتيجية التي تمّ اتباعها في فترة الثمانينيات.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان في الذكرى الثالثة والثلاثين للمجزرة تؤكّد على أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، كما تؤكّد على أن تعطيل مبدأ المحاسبة، وعدم احترام المجتمع الدولي لقواعد حقوق الإنسان، بشكل تاريخي وممنهج، أسّس لموجات التطرف التي تشهدها سورية والمنطقة، كما سيستمر في دعم هذا التطرف في الفترات اللاحقة، ما لم يتم تغيير هذه السياسة.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
2/2/2015