
تعرّض الحق في التعليم إلى انتهاكات ممنهجة ومستمرة منذ بداية الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري في آذار/مارس 2011
يشكّل الحقّ في التعلّم محوراً أساسياً من حقوق الطفل التي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، لما لهذا الحق من أبعاد في حياة الطفل، وفي تحديد مستقبله، ولما له من أثرٍ على مجتمعه بصورة أكبر.
وقد تعرّض هذا الحق إلى انتهاكات ممنهجة ومستمرة منذ بداية الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري في آذار/مارس 2011 وحتى اليوم، حتى وصلت هذه الانتهاكات إلى درجات قياسية على مستوى العالم.
وسوف نعرض في هذا التقرير إلى أبرز هذه الانتهاكات، والأسباب التي أدّت إليها.
وقد أدّت الأحداث الميدانية التي تشهدها سورية منذ بداية عام 2011 إلى انقطاع عدد كبير من الطلبة عن التعليم، حيث أشارت منظمة اليونيسف في تقرير نشرته في 13/12/2013 إلى أنّ 2.2 مليون طفل في داخل سورية قد انقطعوا عن التعليم، مقابل حوالي نصف مليون طفل سوري في مناطق اللجوء، ومعظمهم في عامه الثاني أو الثالث من الانقطاع المدرسي.
أسباب الانقطاع المدرسي
ومن أبرز أسباب الانقطاع المدرسي وفقاً لتحليل فريق العمل لهذا التقرير:
1) الحالة الأمنية
أدّى القصف المستمر على كثير من المناطق، وبلا توقف نسبياً، لأكثر من عامين في بعض المناطق، إلى توقف معظم الخدمات العامة في هذه المناطق، بما في ذلك خدمات التعليم، حيث أصبح السكان يتجنّبون أي تجمّع في مكان واحد دون سبب ملح، وخاصة بعد استهداف عدد من المدارس والمخابز ومحطات الوقود أثناء تجمّع المدنيين فيها.
2) الحصار
شكّل الحصار في بعض مناطق سورية، وخاصة في الغوطة الشرقية وحمص سبباً رئيسياً لتوقف الخدمات بشكل كامل في هذه المناطق، حيث لم يعد من الممكن للطلبة والمعلمين الانتقال إلى مدارسهم إن كانت خارج المنطقة المحاصرة، كما لم يعد من الممكن حتى للمنظمات الدولية والمحلية تشغيل هذه المدارس وإيصال الدعم اللازم بها.
3) استهداف المدارس بشكل مباشر
أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والمقدم بتاريخ 27/1/2014 إلى أنّ أكثر من 3000 مدرسة تعرّضت للتدمير جزئياً أو كلياً، وهو ما يشكل حوالي 14% من إجمالي عدد المدارس في سورية، فيما تمّ تحويل أكثر من 1068 مدرسة إلى ملاجئ، فيما يعني أن أكثر من ربع المدارس السورية أصبحت خارج الخدمة عملياً.
4) اللجوء والنزوح: حيث أدّى الاستهداف المتواصل لمناطق المدنيين إلى نزوح ولجوء حوالي 10 ملايين سوري، وهو ما يعني بالضرورة انتقال الأطفال مع ذويهم إلى مناطق اخرى، دون توفّر الخدمات التعليمية في مناطق النزوح، وضعف الخدمات التعليمية في مناطق اللجوء أو تأخرها.
كما أشار تقرير صدر من منظمة اليونيسف في 10/10/2013 إلى وجود حوالي مليون طفل بين اللاجئين دون ذويهم.
5) الوضع النفسي والاجتماعي للأطفال: أدّت الأحداث التي تشهدها سورية إلى إصابة عدد كبير من الأطفال بحالة من الاكتئاب النفسي والصدمات العاطفية، نتيجة لأعمال العنف التي يشاهدونها بشكل يومي، أو بسبب فقدان بعض أفراد أسرتهم، بما يمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، بما في ذلك الالتحاق بالعملية التعليمية.
ولا يقتصر هذا الأمر على الأطفال الموجودين في المناطق الملتهبة في داخل سورية، بل يشمل الأطفال في دول اللجوء، حيث أشار تقرير أصدرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 29% من الأطفال الذين أجريت معهم مقابلات في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان يعانون من العزلة الإجتماعية ولا يغادرون خيمتهم إلا مرة في الأسبوع، ووصل عدد الأطفال الذين لا يلتحقون بالتعليم في مخيم الزعتري في الأردن إلى نصف عدد الأطفال في المخيم، فيما أشار التقرير إلى أن عدد الأطفال اللاجئين في لبنان الذين لا يحصلون على التعليم يفوق عدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة، حيث وصل عدد الذين هم في سن المدرسة دون تعليم حتى إلى ما يقارب مئتي ألف طفل سوري لاجئ حتى تاريخ إعداد التقرير الذي يعود إلى العام الماضي.
6) الوضع الاقتصادي: أدّت الأوضاع الاقتصادية التي يُعاني منها السوريون في داخل سورية، وفي مناطق اللجوء إلى إجبار عدد كبير من الأطفال للالتحاق بسوق العمل، من أجل إعالة أسرهم، أو إعالة أنفسهم بعد أن فقدوا أسرهم، حيث يوجد مليون طفل لاجئ دون ذويهم، بينما قد يتواجد مثل هذا العدد في داخل سورية!.
وتنتشر عمالة الأطفال بصورة كبيرة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام في سورية، وفي مناطق اللجوء، وخاصة في لبنان وتركيا، حيث يعمل الأطفال كباعة متجولين، أو كمقدمي خدمات بسيطة، مثل خدمات النقل والتنظيف.
7) الحالة الصحية للأطفال: أدّت أعمال القصف والاستهداف المستمر للمناطق المعارضة للنظام السوري إلى ارتفاع حاد في عدد المعاقين جزئياً أو كلياً، ويشكّل الأطفال ما لا يقل عن 50% من هؤلاء المعاقين. وتُقدّر اللجنة السورية لحقوق الإنسان عدد الأطفال المعاقين جزئياً أو كلياً بحوالي 200 ألف طفل.
ونظراً لدمار معظم البنية التحتية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، وعدم ملاءمة المدارس أصلاً لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وضعف الخدمات الصحية في هذه المناطق، فإنّ معظم ذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكنهم التنقّل حتى للمسافات القصيرة دون مساعدة من مرافقين، وهو أمر لا يمكن توفيره لتأمين الذهاب اليومي للمدرسة.
الآثار المستقبلية لانتهاكات الحق في التعليم
مما لا شكّ فيه فإنّ انتهاكات حقوق الطفل هي من أوسع الانتهاكات أثراً على مستقبل المجتمع، وخاصة عندما تكون بالاتساع الذي تشهده سورية خلال السنوات القليلة الماضية.
ونظراً لمحورية الحق في التعلم ضمن منظومة حقوق الطفل فإنّ انتهاك هذا الحق بصورة واسعة وممنهجة سيترك أثره الكبير على الجيل السوري القادم.
ولابدّ من الإشارة إلى أن هذه الآثار المستقبلية سوى تتسع إذا استمرّ نطاق هذه الانتهاكات الحالي بالاتساع، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناسبة وكافية من أجل الحد منها.
ومن أهم الآثار التي يمكن توقعها للانتهاكات الحالية للحق في التعلم خلال السنوات العشرين القادمة:
1) ارتفاع مستوى الأمية بين السوريين: وهو المستوى الذي كان مرتفعاً حتى قبل بداية الأزمة الحالية، حيث كان يبلغ في عام 2011 ما معدله 15.9% من مجموع السكان ممن هم فوق سن 15 عاماً.
وفي حالة عدم انقطاع أي طفل سوري عن الدراسة في العام الدراسي الحالي، الذي بدأ قبل أسبوع تقريباً، فإنّ معدّل الأمية في سورية سوف يبلغ بعد عشرة سنوات حوالي 25-30% من مجمل السكان، لكن الواقع يشير إلى انضمام حوالي مليوني طفل إلى المنقطعين عن الدراسة في هذا العام، بما في ذلك حوالي مليون طفل لم يسبق لهم الدخول إلى المدرسة، ولم يتعلموا بالتالي القراءة والكتابة أصلاً.
2) الزيادة الحادة في حالات العنف المجتمعي والعنف الأسري، حيث أن معظم الأطفال المنقطعين عن الدراسة في الوقت الراهن لا يمتلكون برامج بديلة تمكنهم من ملء أوقات فراغهم بطريقة هادفة، كما أن جزءاً كبيراً منهم يتعرّض إلى مشاهد عنف بصورة كبيرة للغاية، وهي مشاهد تترك آثارها المباشرة على سلوكهم النفسي والاجتماعي الآني، وسوف تؤدّي إلى سلوكات اجتماعية سلبية ما لم تُقدّم لهم برامج تأهيلية خاصة، وهو ما لا يتوفر على الأقل في المدى المنظور.

لا يملك الأطفال السوريون المنقطعون عن التعليم برامج بديلة تساعدهم في تجاوز الآثار النفسية والاجتماعية للعنف الذي يعيشونه
وتنبغي الإشارة إلى غياب أو ضعف دور الوالدين في التأهيل التربوي للطفل، إما لغياب الوالدين أو أحدهما بالنسبة لكثير من الأطفال، أو الدور السلبي لمؤسسة الوالدين، نتيجة لتعرضهم هم أيضاً لآثار العنف والتهجير.. وبشكل أقسى من أن يتمكّنوا من تخفيف آثاره على الأطفال، بما يؤدّي دوراً إضافياً في تعميق الآثار السلبية في حياة الطفل.
3) تراجع دور المرأة في المجتمع، نتيجة لارتفاع نسبة الانقطاع المدرسي بين الإناث مقارنة مع الذكور، وهي النسبة التي كانت مرتفعة أصلاً قبل الأحداث الراهنة، حيث كانت تبلغ نسبة الأمية بين الإناث في عام 2011 ما معدّله 22.3% من مجموع السكان ممن هم فوق سن 15 عاماً ، مقارنة بـ 9.7% للذكور في العام نفسه.
4) ارتفاع الضغط على قطاع التعليم، ما لم يتم استهدافه بحملة استثنائية لإعادة تأهيل بنيته التحتية، وتعويض النقص الحاد في كوادره. فهناك أكثر من 1500 مدرسة تحتاج إلى إعادة إعمار جزئي أو كلي، وهي لن تكون موضع الأولوية في الغالب لأي حكومة مستقبلية، نظراً لارتفاع حجم الدمار في كل القطاعات، بما في ذلك المناطق السكنية، والتي فقدت أكثر من مليون منزل، كما أنّ قطاع التعليم فقد عدداً كبيراً من كوادره المؤهّلين، بين الضحايا الذين زاد عددهم عن مئتي ألف شخص على الأقل، أو الذين اضطروا للهجرة بشكل نهائي خارج سورية، وقد لا يعودون لها مرة ثانية.

رغم جهود عدد من المنظمات الدولية والمحلية لتقديم خدمات التعليم للاجئين، لكن كثيراً من الأطفال اللاجئين لا تتوفر لهم خدمات التعليم أو لا يرغبون بالالتحاق بها
التوصيات
وبناء على ما سبق، فإنّ اللجنة السورية لحقوق الإنسان تؤكّد على الأهمية البالغة للحق في التعلم كحق أساسي من حقوق الطفل، وكحق محوري في الجيل الأول من حقوق الإنسان، وتذكّر بالإبعاد الخطيرة المستقبلية لانتهاك هذا الحق، مقارنة مع انتهاكات الحقوق الأخرى، وتؤكّد على ما يلي:
1) ضرورة عمل كافة الحكومات المعنية والمنظمات الدولية على وقف التسرب المدرسي للأطفال، وخاصة في دول اللجوء، والعمل على إلحاق الطلبة المنقطعين عن العملية التدريسية من الأعوام السابقة، وتوفير برامج تؤمّن للأطفال ولو الحدود الدنيا المتمثّلة في تعليمهم القراءة والكتابة.
2) ينبغي على منظمات المجتمع المدني السورية والدولية جعل الحق في التعلم من ضمن أولوياتها الأساسية، في مشاريعها وبرامجها القادمة، بما في ذلك إعادة تأهيل المدارس، وتأهيل المعلمين.
3) ضرورة تأهيل عدد كبير من المرشدين النفسيين والاجتماعيين المؤهّلين للتعامل مع الأطفال الذين يُعانون من آثار الحروب، بما في ذلك آثار العنف واللجوء والتمييز العنصري، وضرورة تشجيع الطلبة السوريين للالتحاق بتخصصات ذات علاقة، لما لها من أهمية في المستقبل.
4) ضرورة عمل جميع الأطراف على وقف الانتهاكات الأساسية التي أدّت إلى انقطاع الأطفال عن التعلّم، بما في ذلك أعمال القصف المستمر والممنهج من طرف النظام السوري باستخدام الطائرات، والقصف بالغازات السامة والأسلحة الكيميائية، وأعمال القتل المباشر، والاعتقال التعسفي، وأعمال التعذيب. وهي الانتهاكات التي أدّت إلى بقية الانتهاكات التي تناولنا جزءاً منها في هذا التقرير.