
رفض المجتمع الدولي البحث عن مرتكب مجزرة الغوطة، واكتفى بسحب أحد الأسلحة التي استخدمها، وأبقى معه بقية الأسلحة!
بُعيد مجزرة الغوطة التي ارتكبها النظام السوري في 21/8/2014 وجد المجتمع الدولي صعوبة في تجاهل الجريمة، مثلما فعل في كل المجازر السابقة، فقد كانت هذه المجزرة هي الأكبر من ناحية عدد الضحايا، كما أنها ترافقت مع وجود فريق للمفتشين الدوليين عن الأسلحة الكيميائية في العاصمة دمشق، على بُعد كيلومترات فقط من موقع الجريمة، كما أنها كانت باستخدام الأسلحة الكيميائية، والتي سبق وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن استخدامها هو خط أحمر!
لكن ردود الفعل الغاضبة والمنددة بالجريمة، والمتوعدة بعقاب النظام السوري الذي ارتكبها، سرعان ما خففت، بعد التوصل إلى اتفاق أمريكي روسي يستبدل محاسبة الفاعلين بسحب أداة الجريمة، وتجاهل الفاعل، وترك بقية الأسلحة بين يديه!
وقد يشكل هذا الاتفاق سابقة لم يُسجل لها مثيلاً في التعامل مع أي جريمة أخرى في العالم، فرغم أن المجتمع الدولي يتجاهل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إلاّ أنه لم يسبق أن تم اتخاذ قرار دولي إثر جريمة بعينها دون التعامل مع المجرم، أو حتى إجراء الخطوات الشكلية للتحقيق بشأنه وإدانته!.
وفيما يلي أبرز المحطات في تعامل المجتمع الدولي مع جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والتحوّل الذي طرأ على هذا التعامل، من الحديث عن الجريمة والفاعلين إلى الحديث عن السلاح الذي استخدم!
في 29/8/2013 اجتمع مجلس الأمن للوصول إلى قرار يدين الجريمة، ولكنه فشل في الوصول إلى قرار مشترك.
وفي اليوم نفسه، رفض البرلمان البريطاني مشروع قرار من الحكومة البريطانية للمشاركة في الضربة الأمريكية المحتملة على سورية. وهو الأمر الذي أثر على خطط الرئيس الأمريكي، الذي أعلن في 31/8/2013 أنه سيطلب موافقة الكونغرس على مشروع الضربة المحتملة.
في 9/9/2013 أُعلن عن التواصل لاتفاق روسي أمريكي للتخلص من الترسانة الكيميائية السورية، كبديل عن توجيه ضربة غربية محتملة، ولاقى الاتفاق ترحيباً دولياً واسعاً.
وفي 20/9/2013 أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تسلم لائحة من دمشق تتضمن جرداً لأسلحتها، وباشر بعدها خبراء المنظمة بالخطوات العملية لبدء تدمير المخزون الكيميائي السوري.
وفي 27/9/2013 صدر قرار مجلس الأمن رقم 2118 حول الأسلحة الكيميائية في سورية، والذي كان أول قرار متعلق بسورية يصدر بالإجماع، ولم يقم بطبيعة الحال بالحديث عن مرتكب جريمة الغوطة، واكتفى بإدانته بصيغة المبني للمجهول!.
وفي 3/10/2013 بدأ خبراء نزع الأسلحة الكيمياوية بوضع قائمة بترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية، والتحقق من لائحة المواقع التي قدمتها دمشق، وإجراء فحوص ميدانية، وهي المرحلة الأولى في مهمتهم قبل الانتقال إلى عملية التخلص من الترسانة الكيمياوية.
في 11/10/2013 تم منح جائزة نوبل لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فيما اعتبر محاولة لتضخيم الدور الذي ستقوم به المنظمة في تفكيك الترسانة الكيميائية السورية، وتصويره بمثابلة جهد لإحلال السلام، رغم أن جهود المنظمة لن تتطرق إلى بقية الأسلحة الأخرى التي يستعملها النظام، بما في ذلك بقية الغازات السامة غير المحظورة، والتي استمر النظام باستعمالها، وآخرها يوم أمس 20/8/2014، بالإضافة إلى أن المنظمة لن تحاسب مرتكبي الجريمة ولا تعاقبهم!.
وفي 31/10/2013 صدر تقرير بعثة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والذي أكّد استخدام غاز السارين، وإطلاقه عبر صواريخ أرض أرض، وأن منفذيه تقصّدوا إيقاع أكبر عدد من الضحايا، لكنه قيّد الجريمة ضد مجهول، ولم يبحث فيمن قام بهذه الجريمة، استناداً إلى قرار التكليف الممنوح للبعثة.
وفي 14/10/2013 انضمّت سورية إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1992، والتي كانت قد وقّعت عليها في 14/9/2014.
وفي 11/2/2014 قالت واشنطن ان كميات محدودة من الاسلحة الكيميائية السورية غادرت ميناء اللاذقية حتى الآن، وأن هذه الكميات تقل كثيراً عن 700 طن، والتي كان من المفترض أن يتخلّص منها النظام مع نهاية 2013.
وفي 19/8/2014 أعلن البنتاغون عن تدمير كل عناصر الأسلحة الكيميائية التي سلمتها سورية، بتأخير مقداره خمسين يوماً عن الموعد المقرر!.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي بُعيد ذلك “اليوم نحتفل بإنجاز مهم في سياق جهودنا المتواصلة لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل بتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية المعلن لدى سورية”. ووصف هذه الخطوة بأنها “إنجاز كبير” يأتي ضمن الجهود الدولية لتدمير الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.
وقال إن فريقاً على متن السفينة “إم/في كيب راي” في البحر المتوسط، والتي تعمل على تفكيك الأسلحة الكيميائية، أكمل عمله قبيل الموعد المحدد، وأوضح اوباما أن إن هذا التطور يدفع نحو تحقيق الهدف الدولي المتمثل في ضمان أن “نظام الأسد لا يمكنه استخدام الترسانة الكيمائية ضد الشعب السوري، وأن ذلك يرسل رسالة واضحة مفادها ان استخدام هذه “الأسلحة البغيضة له عواقب ولن يتسامح معها المجتمع الدولي”.

مثل التوافق الدولي لتجاهل الفاعل في هذه الجريمة سابقة على المستوى الدولي ، وانتكاسة لخطيرة في الجهود العالمية لإقرار مبدأ المحاسبة لمرتكبي جرائم الحرب وجرائم الإبادة
استخدام الغازات السامة لم يتوقف!
رغم محاولة المجتمع الدولي حفظ ماء الوجه من خلال العمل على سحب الأسلحة الكيميائية التي تشملها معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، فإنّ النظام السوري لم يتوقف عن استخدام بقية الغازات السامة غير المشمولة في الاتفاقية.
فقد نصّت “اتفاقية حظر استحداث وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة”، على أن الموارد الكيميائية السامة، فيما عدا المواد المُعدّة منها لأغراض غير محظورة بموجب هذه الاتفاقية، ما دامت الأنواع والكميات متفقة مع هذه الأغراض.
ويُعدّ الكلور من ضمن المواد الكيميائية غير المحظورة من حيث المبدأ، فهو يُستخدم في كثير من المنتجات الصناعية، كما أن غاز الكلور لا يدخل ضمن الاتفاق مع الحكومة السورية لتسليم أسلحتها الكيميائية.
وقد قامت طائرات النظام السوري منذ مجزرة الغوطة الشرقية وحتى مساء أمس (20/8/2014) باستخدام الغازات السامة في أكثر من 40 مرة على الأقل، وفقاً لتوثيق اللجنة السورية لحقوق الإنسان، فيما ترجّح تقديرات أخرى وصول عدد الهجمات إلى أكثر من مائة.
وكان شهر نيسان/أبريل 2014 قد شهد أعلى نسبة لاستخدام غاز الكلور منذ بداية استهداف النظام السوري للمدنيين بعد الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في آذار/مارس 2011، حيث وثّقت اللجنة عشرة هجمات في ذلك الشهر وحده.
وقد استدعت الهجمات المكثفة بغاز الكلور آنذاك إلى إثارة ردود فعل دولية، إلا أن ردّة الفعل الدولية لم تتجاوز مطالب بفتح تحقيقات، أو الحديث عن تحقيقات تجرى للتأكد من أنباء استخدام هذه الأسلحة، دون أن يُعلن عن أي نتائج في ذلك.