في 21/8/2013 استيقظ العالم على الأخبار المفزعة للمجزرة التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية باستخدام الأسلحة الكيميائية، مما أدّى لمقتل حوالي 1400 شخص.
فقد شهدت الساعات الأولى من فجر ذلك اليوم إطلاق عشراتُ الصواريخ المحمّلة بالمواد الكيمائية على زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية ومدينة المعضمية في الغوطة الغربية، وبعد هذا الهجوم الكمياوي تعرّضت المناطق المستهدفة إلى قصف عنيف بالطائرات والصواريخ حتى الصباح، مما زاد في صعوبة إخلاء الضحايا وعلاجهم.
وجاءت هذه المجزرة في الوقت الذي تتواجد فيه لجنة الخبراء الخاصة بالكشف عن استعمال المواد الكيماوية على بُعد عدّة كيلومترات من مكان الجريمة، إلا أنّ اللجنة لم تقم بزيارة المكان إلا بعد عدة أسابيع على وقوع المجزرة.
وقد أدّت هذه المجزرة إلى ردّة فعل دولية واسعة، وأصبح الحديث عن جريمة الغوطة، وجريمة الغوطة على وجه الخصوص، حديثاً عالمياً، واستمر ذلك التركيز عدة أيام، بعد توصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق يقضي بسحب الأسلحة الكيميائية المحرمة التي يملكها النظام، دون بقية الأسلحة الكيميائية، وبطبيعة الحال دون المساس ببقية الأسلحة، وحتى دون تحديد المسؤولية عن مجزرة الغوطة. فقد أكّد تقرير بعثة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والمقدّم إلى مجلس الأمن بتاريخ 16/9/2013، أنّ أسلحة كيميائية استُعملت في 21/8/2013 ضد المدنيين، وعلى نطاق واسع نسبياً، إلا أنّه لم يشر إلى الجهة التي استخدمتها، لأنّ ذلك الاختصاص تم سحبه بتوافق دولي من مهام اللجنة.
وقد أسس ردّ الفعل الدولي تجاه الجريمة النكرار لعقد دولي قائم على شرعنة الجريمة، حيث أقرّ المجتمع الدولي ضمناً بأن الجريمة لا تستحق أي ردة فعل، بل على العكس، كرس المجتمع الدولي جهوده في الفترة التالية من أجل تنظيم مؤتمر جنيف، والذي كان يسعى إلى الوصول إلى حل سياسي مع مرتكب الجريمة، بما يعني ضمناً أن هذه الجريمة وكل ما سبقها من جرائم لا تستحق أي محاسبة، ولا تمثل أي إشكالية للمجتمع الدولي.
وانعكست ردّة الفعل الدولية في قرار مجلس الأمن رقم 2118 بتاريخ 27/9/2013، والذي أكّد ضمناً على أن النظام هو من قام بالجريمة، لكنه ركّز على ضرورة القيام بعملية حوار بين الضحية والجناة، وبرعاية الأمم المتحدة، وهو ما كان محور عمل المبعوث الأممي في الأشهر التي تلت قرار مجلس الأمن، كما كانت محور عمله قبله.
إن بقاء مرتكب هذه الجريمة -وما سبقها وتلاها من جرائم- طليقاً، وتوفير المجتمع الدولي لفرص الإفلات من العقاب، وغياب آليات المحاسبة الدولية، شكّلت وما تزال تشكّل عوامل أساسية في استمرار شلالات الدم في سورية، وفي زيادة مظاهر التطرف في سورية والمنطقة، وهي المظاهر التي انعكست في زيادة تأثير داعش في سورية خلال العام الماضي!.
كما أن الجرائم التي تبقى دون عقاب ستبقى وصفة مفتوحة لعنف مستمر لأجيال مقبلة، وهو ما لن يترك أثره على سورية فحسب، بل ينتقل إلى بقية المنطقة، ولن يكون في مصلحة أي طرف من الأطراف، بما في ذلك الأطراف الدولية التي تحاول تأمين الحماية لنظام الأسد.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
21/8/2014