
أدت العمليات العسكرية في عرسال إلى فرار آلاف من المدنيين السوريين واللبنانيين من المدينة بحثاً عن ملاذ آمن
شكّلت مدينة عرسال اللبنانية مركز أساسياً لتقديم الدعم الإنساني لداخل سورية، وخاصة محافظتي حمص وريف دمشق، وقد كانت مركزاً أساسياً لاستقبال اللاجئين السوريين إلى لبنان، حيث ضمت أكثر من أربعين مخيماً غير رسمي، تضمّ آلافاً من السوريين فيها.
ويعيش في عرسال حوالي 35,000 مواطناً لبنانياً، في حين تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنها سجّلت في المدينة نفسها 42,000 لاجئاً سورياً.
وقد بدأ الجيش اللبناني، مدعوماً بقوات من حزب الله وحركة أمل، أعمالاً عسكرية موسّعة في مدينة عرسال يوم 3/8/2014، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وأدّت لسقوط عشرات القتلى بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين، بالإضافة إلى القتلى الذين أعلن الجيش اللبناني عنهم من جنوده ومن المسلحين، وذلك بعد دخول مقاتلين من جبهة النصرة وداعش إلى المدينة.
ويُلاحظ أن أعداد اللاجئين السوريين في عرسال قد جرت المبالغة فيها من أطراف محلية ودولية عديدة، حتى أوصلت بعض المصادر عدد اللاجئين فيها إلى 200 ألف، بينما أظهرت الأزمة أن الأعداد أقل من ذلك بكثير.
استهداف اللاجئين السوريين في عرسال
شهدت العمليات العسكرية في المدينة استهدافاً موسعاً لمخيمات اللاجئين السوريين، دون أن تكون هناك أي عمليات لإطلاق النار من داخل هذه المخيمات ضد الجيش أو الميليشيات المتحالفة معه.
وقد أدّت عمليات الاستهداف المستمر لللاجئين السوريين في عرسال إلى نزوح اللاجئين عن عرسال، فقد نزح أكثر 2,000 لبناني وسوري، معظمهم من النساء والأطفال، باتجاه قرى البقاع مثل قرية المرج، وقرية بر إلياس، ومدينة بعلبك.
وقد تعرّض أحد المخيمات في المدينة يوم 4/8/2014 إلى قصف من طرف الجيش اللبناني، مما أدّى لمقتل طفلين بشكل مباشر، وجرح آخرين، فيما استقبل المشفى الميداني في المدينة أكثر من سبعين جريحاً يوم 6/8/2014.
وبالإضافة إلى الاستهداف العسكري للاجئين، فقد شهدت وسائل الإعلام اللبنانية، وحتى الأوساط السياسية، عدد من التصريحات التي تبث خطاب الكراهية ضد السوريين، حيث كتب الإعلامي طوني خليفة والإعلامية رحاب ضاهر تغريدات عنصرية بحق اللاجئين السوريين، فيما صرّح وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل يوم 3/8/2014 بأن “مشكلة عرسال بدأت تحديدا مع تغلغل النازحين والمسلحين السوريين اليها، واستعمالها قاعدة تموين للمسلحين، وتشجيع ذلك علناً من قبل مسؤولين لبنانيين، وهي مشكلة استعرت منذ يوم احتلالها”.
لجوء اللاجئين إلى الموت في بلدهم!
اضطر آلاف من اللاجئين السوريين في مدينة عرسال، ونتيجة الاستهداف المباشر لمخيماتهم، للنزوح عن المدينة، ولم يجد كثيرون منهم طريقاً إلى مدن لبنانية أخرى، فاختاروا التوجه إلى الحدود السورية، ليعودوا إلى المكان الذي خرجوا منه هرباً، رغم عدم تغير الظروف التي أجبرتهم على اللجوء أول مرة.
لكن السلطات السورية منعت دخولهم، بحجة عدم امتلاكهم لوثائق ثبوتية، أو عدم خروجهم القانوني من البلاد.
وقد أكّد السفير السوري في بيروت هذا المنع، وقال بأن حكومة بلاده تدرس اللوائح الإسمية للاجئين، بالتنسيق مع الأمن اللبناني، لإيجاد مخرج لعودتهم إلى سورية”.
وقد أعادت السلطات السورية يوم 7/8/2014 قافلة من اللاجئين، كانت ترافقها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

إضافة إلى الاعتداءات من قبل الجيش اللبناني على المخيمات، حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بخطابات عنصرية مليئة بلغة الكراهية ضد اللاجئين
وقد قادت الراهبة اغنيس مريم الصليب، والمعروفة بولائها للنظام السوري، ما أُطلق عليه وساطة لتسيير عودة اللاجئين إلى بلادهم، حيث قالت يوم 7/8/2014 إن ثلاثة آلف سوري على أقل قد طلبوا منها قبل أزمة عرسال العودة إلى سورية، ولم تتمكن من تأمين عودتهم، نظراً للإجراءات المعقدة بخصوص الشباب الذين لم يقوموا بالخدمة العسكرية الإلزامية. لكن الأحداث في عرسال سهّلت من هذه الإجراءات بحسب قولها.
وأعلنت السلطات الأمنية اللبنانية يوم 7/8/2014 أن 1700 لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم طوعاً، في أكبر عملية عودة إلى سورية منذ بدء موجة النزوح من سورية في منتصف عام 2011.
أكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية يوم 9/8/2014 أنه تم اتخاذ كل الإجراءات والتسهيلات اللازمة لعودة الأسر السورية المهجرة والعائدة من بلدة عرسال اللبنانية إلى الأراضي السورية عبر معبر جديدة يابوس على الحدود السورية اللبنانية. وقالت بأن الوزارة تعمل بالتعاون مع محافظة ريف دمشق على تأمين حافلات لنقل الأهالي البالغ عددهم نحو ألفي شخص إلى مراكز إقامة مؤقتة مجهزة بكل الاحتياجات الضرورية “.
من جهته أكد سفير سوريا في لبنان علي عبد الكريم أن الحكومة السورية قامت بمعالجة موضوع المهجرين السوريين الذي توجهوا إلى منطقة المصنع على الحدود السورية اللبنانية بعد الاحداث في بلدة عرسال وذلك عبر ايجاد مقرات اقامة ملائمة لهم داخل الأراضي السورية.

ينبغي على السلطات اللبنانية إجراء تحقيق شامل في عملية استهداف مخيمات اللاجئين، رغم أنها لم تكن مصدراً لأي تهديد أمني
النتائج والتوصيات
إن المعطيات الخاصة باللاجئين السوريين في عرسال أظهرت وبصورة واضحة تعمّد الأطراف العسكرية التي استهدفت عرسال، وعلى رأسها الجيش اللبناني وحزب الله، استهداف مخيمات اللاجئين السوريين، وتعمّد قصف اللاجئين، بغية إيقاع خسائر بينهم، وإجبارهم على الخروج من عرسال.
كما أظهر المعطيات ضعف المواقف الإعلامية والمدنية اللبنانية التي تُسلّط الضوء على الانتهاكات التي حصلت بحق اللاجئين السوريين، أو بحق التصريحات والخطابات التي تبث لغة الكراهية تجاههم.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تستنكر الاستهداف المباشر الذي تعرّض له اللاجئون السوريون في عرسال، وإذا تُنبه إلى خطورة الأوضاع التي اضطرت اللاجئين للعودة إلى سورية، رغم عدم تغيّر الأوضاع الأمنية والسياسية في بلادهم، وإلى الانتهاكات التي تعرّضوا لها عند الحدود السورية اللبنانية من قبل السلطات السورية، من خلال منعهم من العودة إلى بلادهم، فإنّها تدعو إلى ما يلي:
ضرورة تركيز المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين لاهتمامها على أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان بصورة عامة، في ظل المضايقات المتزايدة التي يتعرّضون لها من طرف الميليشيات المؤيدة للنظام السوري في لبنان.
ضرورة الضغط على الحكومة اللبنانية للقيام بواجباتها تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، بما في ذلك حماية حقّهم في الحياة، وضرورة فتح تحقيق في الهجمات التي تعرّض لها اللاجئون، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن هذه الهجمات.
أهمية العمل على وقف الانتهاكات التي أدّت إلى لجوء السوريين إلى خارج دولهم، بعد قيام النظام السوري باستخدام كافة أنواع الأسلحة في ردّه على الاحتجاجات الشعبية المناهضة له، وتؤكّد اللجنة أنه طالما بقيت هذه الانتهاكات فإنّ مشكلة اللجوء سوف تستمر في التفاقم.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
10/8/2014