تواترت التقارير منذ بداية الأزمة السورية عن قيام القوات الحكومية السورية بسرقة ممتلكات الأهالي، وخاصة في المناطق التي قام سكانها بالنزوح، حيث تتم عمليات السرقة بشكل منظم، وبما يبدو أنه موافقة رسمية من المؤسسات الرسمية التي تتبع لها هذه القوات. وأصبحت هذه الظاهرة تُعرف باسم “التعفيش”، وهي كلمة مشتقّة من “العفش”، وهو المصطلح الشعبي المقابل للأثاث المنزلي.
وبالإضافة إلى الأثاث المنزلي، فإنّ قوات الجيش والأمن تقوم بسرقة المحال التجارية التي تقع في المناطق المعارضة للنظام، حيث تمّ سرقة أسواق تجارية بالكامل، مثل مجمّع City Center في جورة الشياح في حمص، والذي نُهب بالكامل، قبل أن يتم إحراقه يوم 16/5/2012، كما تعرّضت مدينة سقبا في ريف دمشق، والتي كانت تشتهر باعتبارها أكبر مركز لبيع المفروشات في سورية، إلى عملية نهب منظمة من قبل قوات الجيش والشبيحة.
أسواق معلنة للمواد المسروقة
ومع انتشار ظاهرة سرقة أثاث المواطنين في المناطق المعارضة للنظام من قبل الجيش وقوى الأمن والميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها، ظهرت أسواق خاصة للأثاث المسروق في المناطق الموالية للنظام، وخاصة في حص واللاذقية وطرطوس.
ولا يُخفي الباعة في هذه الأسواق مصدر السلع الموجودة في السوق، كما أن المشترين يعرفون ذلك، كما أن هذه الأسواق تحمل أسماء تُظهر طبيعة المواد التي يتم تداولها فيه!.
سرقة ممتلكات المعارضين: سياسة مستمرة
استخدم النظام السوري سياسة سرقة ممتلكات الأشخاص المعارضيين له، ومن يُشتبه في التعاون أو التعاطف معهم، بصورة منظمة عبر العقود الماضية، فقد قامت أجهزة الأمن السورية بمصادرة آلاف المنازل والأراضي التي تعود ملكيتها لأشخاص معارضيين للنظام، وقامت بتوزيع البيوت المصادرة على ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية والجيش.
ولم يتمكن مالكو هذه المنازل والأراضي عبر العقود الماضية من إعادة الحصول على أملاكهم، إذ أن المطالبة بها يشكل جريمة يمكن أن تؤدّي لملاحقة من يقوم بمحاولة تحصيل الأملاك المصادرة.
كما تشير التقارير التي أعدّتها اللجنة السورية لحقوق الإنسان في سنوات سابقة عن تعرّض البيوت المدنيين في حماة على وجه الخصوص للنهب من قبل قوات الجيش وميليشيا سرايا الدفاع أثناء مجزرة حماة عام 1982 وما بعدها، كما تعرّضت قبلها آلاف المنازل في مدينة حلب للنهب في التمشيط الشهير الذي استهدف المدينة آنذاك.
التعفيش: سياسة تحفيز لمؤيّدي النظام
تُظهر التقارير والشهادات التي جمعتها اللجنة السورية لحقوق الإنسان على مدار الأعوام الثلاثة الماضية أن سرقة الممتلكات هي سياسة ممنهجة تُمارسها المؤسسة العسكرية والأمنية السورية، وتتم بموافقة رسمية من الجهات العليا في هذه المؤسسة.
وتشير شهادات أدلى بها ضباط منشقون عن الجيش السوري إلى أن استباحة الممتلكات وتوزيعها على الجنود والعناصر الأمنية تُشكّل أحد الحوافر الاقتصادية الأساسية التي يتم استخدامها لتعويض الرواتب المنخفضة التي يحصل عليها هؤلاء العناصر، سواء الموظفين في المؤسسات الأمنية، أو المرتزقة الذين يتم الاستعانة بهم في الميليشيات المحلية والأجنبية.
كما تشمل سياسة التحفيز توفير السلع المسروقة بأسعار زهيدة لأهالي الجنود والعناصر الأمنية في المناطق الموالية، حيث رصدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أربعة أسواق شبه دائمة في حمص واللاذقية وطرطوس.
وتأتي جريمة “التعفيش” ضمن سياسية توزيع المكاسب على المؤيدين، حيث دأب النظام السوري على توفير موارد اقتصادية متاحة للرتب الصغرى، بما يضمن استمرارهم في خدمة وحماية الرتب العليا، الذين يحصلون على المكاسب الكبيرة.
ويقوم أفراد الجيش والميليشيات التابعة له بسرقة كل ما يمكن حمله، وخاصة الأدوات الكهربائية، وقطع الأثاث المنزلي الأخرى، بالإضافة إلى الماشية، كما يقومون في بعض بفك الأبواب والنوافذ، والتي أصبح لها قسم خاص في الأسواق المخصصة للمواد المسروقة.
التعفيش جريمة مركبّة ترتكبها الدولة!
تشكّل عملية سرقة الممتلكات الشخصية، أو حتى استعمالها دون إذن صاحبها جريمة جنائية في كل القوانين الوطنية والدولية، بما في ذلك القانون السوري، حيث تناول قانون العقوبات السوري في المواد من 621 إلى 534 هذه الجريمة، وأركانها وعقوبتها.
ووفقاً لتعريف “السرقة” في المادة 621، فإنّ اللجنة تلاحظ أن ما يقوم به أفراد الجيش السوري والميليشيات الأمنية المحلية والأجنبية التابعة لها يحمل كل أركان الجريمة، فهو يشمل نقل لأملاك الآخرين المنقولة، دون رضاهم، وبعلمهم المسبق بعدم امتلاكهم الحق لنقل هذه الممتلكات.
لكن عملية السرقة الجماعية والمنظمة من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية، والتي يتوقع منها أن تقوم بحماية القانون تشكّل جريمة تتجاوز “الجريمة المنظّمة”، حيث لم يقم القانون الوطني ولا القانون الدولي بالتعامل مع جريمة السرقة الجماعية التي تتم من قبل قوات الأمن والجيش، خاصة وأنّها تأتي دائماً بعد ارتكاب عدد من جرائم الحرب بحقّ المالكين الذين يتم سرقتهم!
إن جريمة السرقة الجماعية التي تنظّمها القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها في سورية تُشير إلى تحوّل الجيش وقوى الأمن السورية إلى جهاز جرمي غير مسبوق، بما يُشير إلى أهمية تدخّل المجتمع الدولي لوقف مسلسل الجرائم والانتهاكات الواسعة التي تجري في سورية.