
منشورات تحمل بنوداً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عرضتها الإخبارية السورية باعتبارها أدوات للجريمة!
ضمن سياسة عرض ما يسمى باعترافات المعتقلين على وسائل الإعلام، وهي السياسة التي تتبعها وسائل إعلام النظام السوري منذ بداية الأزمة السورية، عرضت قناة الفضائية السورية يوم أمس لقاءات مع معتقلين ذكرت بأنّ جريمتهم هي التظاهر، والتصوير، ونشر شعارات تتعلّق بحقوق الإنسان.
وفي هذا التقرير، يستعرض من يُفترض أنه المحقق المواد الجُرمية التي ألقي القبض عليها مع المتهمين، وتضمّنت هذه المواد قصاصات ورقية كتبت عليها بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل مختصر، وكتاب يُقدّم أدوات للحراك المدني السلمي (مثل الصبغ بالدهان، وإطلاق البالونات، وفقاً لما استعرضه المُحقق)، بالإضافة إلى الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر.
وفي المقابلات التي عرضها التقرير، ذكر المعتقلون في فرع الأمن الجنائي في دمشق بأنّهم شاركوا في مظاهرات، أو شاركوا في تنظيمها، أو تصويرها، أو الحديث عنها مع القنوات الإعلامية، بالإضافة إلى قولهم بأنّهم استلموا مبالغ مالية مقابل ذلك!
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ تُذكّر بالتقارير الدولية المتواترة عن الممارسة الممنهجة للتعذيب في مراكز الاعتقال والاحتجاز في سورية، وآخرها التقرير الدولي الذي أصدره مجموعة من المُحقّقين الدوليين بتاريخ 18/1/2014، واستعرض فيه 55 ألف صورة مسربة لجثث معتقلين قتلوا تحت التعذيب، وإذ تُذكّر أن عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام السوري ما زالوا يتعرّضون للتعذيب بشكل ممنهج، ولا يسمح لهم بمقابلة ذويهم، أو محاميهم، ولا توجه لهم أي تهم أمام القضاء، ولم يُعتقلوا أصلاً بناء على مذكرات قضائية، ولم ترعى أدنى القواعد الشكلية المتعارف عليها عند اعتقالهم التعسفي، أو أثناء وجودهم في السجن، وإذا تُشير إلى المخالفة القانونية الخطيرة، والمتمثّلة في عرض متهمين على وسائل الإعلام قبل عرضهم على المحاكم (مع تحييد جميع ما ذُكر آنفاً عن الوضعية القانونية لاحتجاز حرية هؤلاء الأفراد، وعن عدالة القضاء السوري)، فإنّها تشير إلى ما يلي:
- إن عرض المتهمين بتهمة القيام بأنشطة سلمية، والترويج لمفاهيم حقوق الإنسان، يُظهر وبصورة جليّة طبيعة النظام القمعي الذي يواجهه السوريون، وطبيعة العقلية الأمنية التي تحكمه، والتي تعتبر مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جريمة يُفترض أن تُبرّر اعتقال الأشخاص وقتلهم، وتعتبر الأدوات السلمية للاحتجاج أدلّة جرمية يمكن التباهي بإلقاء القبض على مستعمليها، على فرض صحة اعترافات المتهمين.
- إن إصرار النظام السوري على استعمال العنف والقوة غير المبررة تجاه الحراك السلمي الذي بدأه السوريون في 15/3/2014 أدّى إلى دفع الكثير من السوريين إلى اللجوء إلى القوة لمواجهة هذا العنف. ويظهر التقرير الذي نشرته قناة الإخبارية أن هذا النهج ما زال مستمراً من طرف السلطة.
- لقد أدّى صمت المجتمع الدولي على العنف غير المبرر الذي مارسته السلطات السورية تجاه المحتجين السلميين إلى تشجيع هذه السلطات على انتهاج سياسات أكثر عنفاً، وأدّى إلى تدمير أكثر من نصف مليون منزل، وتهجير ما يزيد على 6 ملايين لاجئ ونازح، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين، وأكثر من مائة وخمسين ألف ضحية.
- يُظهر التقرير، ضمن عشرات التقارير الأخرى، ما يتعرّض له الإعلاميون، والإعلاميون المواطنون بشكل خاص، من استهداف مباشر في سورية، نتيجة لتعامل السلطات مع الكلمة والصورة باعتبارها أدوات جرمية، واعتبار من يستعملها وينقلها وينشرها مجرماً يستحق القتل والاعتقال والتعذيب، وتُطالب اللجنة كافة المنظمات الدولية، وخاصة المعنية بحماية الصحفيين، ببذل كل الجهد الممكن لتسليط الضوء على معاناة هؤلاء الصحفيين، وانتهاكات حرية الرأي والتعبير والحق في الوصول إلى المعلومات بصورة عامة.
- تؤكّد اللجنة على أن الاعترافات التي يُدلي بها المختطفون أمام عدسات الكاميرات لا قيمة لها، نتيجة لاختطافهم أصلاً بطريقة غير قانونية، والاحتمال شبه الأكيد بتعرّضهم للتهديد والتعذيب، بما يجعلهم مستعدين للإدلاء بأي اعترافات، وتؤكّد أن أي اعترافات يُقدّمها هؤلاء المختطفون هي أدلّة إدانة للنظام ووسائل إعلامه، وليست للضحايا.
- تُشير اللجنة إلى الانتهاكات الكبيرة التي يُمارسها الإعلام السوري، والإعلام الموالي له في لبنان وغيرها من الدول، ومشاركته الممنهجة في الجرائم والانتهاكات التي تُمارس على السوريين.
- تدعو اللجنة إلى إيلاء مسألة المعتقلين أهمّية قصوى، سواء على مستوى الحكومات، أو على مستوى منظمات المجتمع المدني، لما لهذه المسألة من تعقيدات وتشابكات سياسية واجتماعية وقانونية كبيرة.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
6/3/2014