
مليونا ونص لاجئ هم المسجلون في سجلات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في دول جوار سورية-الصورة لمخيم الزعتري في الأردن
في كثير من حالات اللجوء حول العالم، وخاصة طويلة المدى، يسعى اللاجئون للحصول على توطين في بلد آخر، نظراً لإدراكهم أن الأوضاع في بلدانهم قد لا تعود إلى وضعها الطبيعي لسنوات طويلة، أو لأنّ الظروف التي استدعت خروجهم ما تزال قائمة، خاصة إذا كانوا قد خسروا في الظروف التي استدعت لجوءهم معظم ممتلكاتهم، أو إذا كانت ظروفهم الاقتصادية صعبة أصلاً، حتى قبل وقوع الكارثة أو الأزمة التي استدعت هذا اللجوء.
وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإنّ من بين اللاجئين الذين ترعاهم في جميع أنحاء العالم، والبالغ عددهم 10.5 مليون شخص، هناك نحو 1% فقط من هؤلاء قد تم تقديم طلباتهم لإعادة التوطين من قبل المفوضية. وهناك عدد قليل فقط من الدول التي تشارك في برامج المفوضية لإعادة التوطين. تتربع الولايات المتحدة على رأسها، تليها دول كأستراليا وكندا وبلدان الشمال الأوروبي والتي توفر عدداً كبيراً من الحصص سنوياً. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة في عدد الدول المشاركة في إعادة التوطين في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
مخططات توطين اللاجئين الفلسطينين
ارتبط موضوع توطين اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير بقضية اللاجئين الفلسطينيين، والذين غادروا أرضهم في عامي 1948 و1967. حيث طُرح حلُّ التوطين كخيار دولي لأول مرة في قرار مجلس الأمن رقم 194 لعام 1948، والذي نص على وجوب “السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر”.
ورغم أن القرار تحدّث عن التوطين كخيار لمن يرغب من اللاجئين، إلاّ أن التطبيق العملي اللاحق جعل التوطين أمراً واقعياً من جهة، وخياراً مرغوباً من اللاجئين من جهة أخرى، نظراً لصعوبة الحياة اليومية دون وثائق رسمية تساعد على تأمين حقوق الإنسان، بشقيها السياسي والمدني أو الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
توطين اللاجئين السوريين
برزت فكرة توطين اللاجئين السوريين بشكل أولي في النصف الثاني من عام 2012، أي بعد مرور حوالي عام ونصف على بدء الحراك الشعبي المناهض للحكومة السورية.
وقد ظهرت أولى أشكال توطين اللاجئين من خلال مبادرات محدودة لبعض الدول الغربية التي قامت بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين باستقبال بعض الحالات المحدودة التي صُنّفت أنها “مُعرّضة للخطر”.
فعلى سبيل المثال، وفي 14/9/2012 أعلنت الحكومة الاسترالية أنها سوف تقوم بإعادة توطين حوالي ألف لاجئ سوري، وفي 19/9/2012 استقبلت سويسرا مجموعة من 36 لاجئاً سورياً من أجل إعادة توطينهم.
ولكن هذه الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الغربية لم ترقَ إلى مستوى السياسة الدولية، وبقيت سياسة محدودة استهدفت بعض الأقليات بصورة خاصة، وحالات فردية محددة.
وكان مكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلن في 18/6/2012 “أن معظم السوريين الذين وجدوا ملاذًا لهم في تركيا، والأردن، ولبنان أو العراق لا يريدون سوى العودة إلى منازلهم. ونأمل في أن تسمح الظروف لهم بالعودة إلى منازلهم في المستقبل غير البعيد جداً”، مستبعداً التوطين كخيار للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين.
وفي 26/7/2013 أعلنت الحكومة البريطانية على لسان متحدث باسمها أن لا خطط لديها لإعادة توطين اللاجئين السورين على أراضيها.
وحتى مع حلول منتصف عام 2013 لم تكن فكرة التوطين قد طُرحت بشكل جدي، فقد صرّح مُمثّل المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن أندرو هاربر في 29/5/2013 أن “ليس هناك من يرغب في أن يتدهور الوضع في سوريا الى الحد الذي يفرض إعادة توطين اللاجئين السوريين في أماكن بعيدة في العالم”، وأضاف إن “اللاجئين السوريين لا يرغبون بالضرورة في الاستفادة من إجراءات إعادة التوطين، فهم يفضلون العودة الى ديارهم على غرار كل اللاجئين، فلا أحد من السوريين يريد العيش داخل مخيم للاجئين، ولا يتمنى أي منهم أن يظل لاجئاً ليوم واحد أكثر مما يجب”.
لكن هذه الفكرة بدأت تظهر بشكل متوالٍ مع منتصف عام 2013، ففي 9/6/2013 نشرت صحيفة لوس أنجلس تايمز تقريراً ذكرت فيه أنّ إدارة أوباما تدرس خيار إعادة توطين آلاف من اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة. وذكر التقرير أن وزارة الخارجية الأمريكية مستعدة لاعتماد الفكرة في حالة تلقيها طلباً من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
ومع نهاية شهر يوليو/تموز 2013 أصبح موضوع التوطين يُطرح بشكل رسمي كخيار للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين، فقد قال المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية إن الأمم المتحدة تتطلع لإعادة توطين عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في الدول الأكثر قدرة على تحمل أعباء استضافتهم في حال ازدادت الأمور في سورية سوءاً، وذلك بهدف تخفيف الضغوط على الدول المجاورة خاصة بعد استضافتها 1,8 مليون لاجئ منذ بداية الأزمة.
وقال إن “الأمم المتحدة سوف تعمل على إطلاق برنامج ضخم عندما يحين الوقت المناسب لإعادة توطين عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في البلدان الأكثر قدرة على تحمل تكاليف استضافتهم، في حال لم تحل الأزمة السورية في غضون أشهر”.
ومع نهاية شهر أغسطس/آب 2013، قال أندرو هاربر ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن إن عددا من الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن اهتمامها باستقبال لاجئين سوريين على أراضيها وإعادة توطينهم، مشيرا إلى أن ألمانيا كانت أول دولة أوروبية تعرض استضافة 5 آلاف لاجىء سوري، وإعادة توطينهم حتى انتهاء الأزمة في بلادهم، وليس بشكل دائم كما هو الحال لو تم استقبالهم في أمريكا. وشدد على أن الحل السياسي هو المطلوب للأزمة السورية ليتسنى للناس العودة إلى بلادهم ، معتبراً أن اللجوء وإعادة التوطين ليسا حلولا لهذه الأزمة.
ولم تلقَ دعوات التوطين التي أطلقتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تفاعلاً كبيراً من دول الاتحاد الأوربي، والتي لم تبد حماسة كبيرة لمثل هذه الدعوات.
وفي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في 13/12/2013 وحمل عنوان “أزمة اللاجئين السوريين: إخفاق دولي” قالت المنظمة إنه يتعيّن على قادة أوروبا أن يُحنوا رؤوسهم خجلاً إزاء العدد القليل المثير للأسف من النازحين من سورية الذين يستعد هؤلاء القادة لإعادة توطينهم في أوروبا. وأضافت أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تعرض فتح أبوابها إلا لعدد قليل يبلغ نحو 12 ألف نازح من سورية، من بين الفئات الأشد ضعفاً، ولا يُمثل هذا العدد سوى نصف بالمئة من مجموع الذين فروا من سوريا، والبالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة.
وبحسب التقرير فإنّ 10 دول فقط من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عرضت توفير أماكن لإعادة توطين النازحين من سورية، وكانت ألمانيا الأكثر كرماً، حيث تعهدت بإعادة توطين 10 آلاف نازح، أي ما يعادل 80 بالمئة من مجموع النازحين الذين تعهد الاتحاد الأوروبي بإعادة توطينهم، فيما تعهّدت بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 27 دولة، باستضافة عدد لا يزيد عن 2340 نازح من سورية، حيث عرضت فرنسا توفير أماكن لعدد لا يزيد عن 500 نازح، أي ما يعادل نحو 0.02 بالمئة من مجموع الذين فروا من سورية، ووافقت إسبانيا على استضافة 30 نازحاً، أي ما يعادل 0.001 من مجموع النازحين من سورية.
وفي 29/1/2014 أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية أن حكومتها وضعت خططاً طارئة لاستقبال مجموعة من اللاجئين السوريين الأكثر ضعفاً، وقالت بأن الأطفال والنساء والمعاقين وضحايا العنف الجنسي لهم الأولوية بالتوطين في بريطانيا. وقد أوضحت الحكومة البريطانية في وقت لاحق أن برنامج إعادة التوطين الذي أطلقته وزيرة الداخلية منفصل عن برنامج المفوضية العليا السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكنه يمضي بالتوازي معه.
وفي 21/2/2014 أطلقت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين دعوة إلى الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لتقديم التزامات بإعادة توطين نحو 100 ألف شخص من اللاجئين السوريين خلال عامي 2015 و2016، وقال المتحدث باسم المفوضية دان مارك نورتون في مؤتمر صحفي إن المفوضية تتوقع أن تتزايد في السنوات المقبلة أعداد اللاجئين السوريين الذين سيحتاجون إلى إعادة توطين، وحث الدول على النظر في عدد من الحلول التي من شأنها أن توفر حماية آمنة وعاجلة وفعالة للاجئين السوريين، لافتاً إلى أنه يمكن أن تشمل هذه الحلول إعادة التوطين، والقبول الإنساني، أو الرعاية الفردية.

أدى عجز المجتمع الدولي عن وقف انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان إلى أزمة النزوح الواسعة وغير المسبوقة
التوطين: حلول جزئية لمشكلة عميقة
مما لا شكّ فيه فإنّ معظم اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في الصحراء أو في الجبال القاحلة، دون توفّر المقومات الأساسية للحياة، سوف يختارون التوطين كخيار، خاصة إنّ كان في بلد غربي، حيث يسعى الكثير من سكان العالم الثالث، حتى دون وجود أزمات، إلى الانتقال والعيش هناك.
لكن التوطين، حتى ضمن التصوّر الذي تُقدّمه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لا يرقى لمستوى الحل الطبيعي للأزمة، بقدر ما يُشكل تعاملاً جزئياً محدوداً مع مخرجاتها السلبية، والتي شارك المجتمع الدولي في إفرازها.
فالتوطين المطروح حالياً يمكن أن يساعد في حل مشكلة ما لا يزيد عن 1%-2% في أفضل الحالات، وفقاً للتصور الجديد المقدّم من المفوضية بتاريخ 21/2/2014، علماً بأن هذه النسب هي وفقاً للأعداد المسجّلة رسمياً في المفوضية، والتي يبلغ العدد الإجمالي فيها للاجئين 2466011 شخصاً (حتى يوم 26/2/2014)، بينما يُقدّر العدد الكلي للاجئين خارج سورية بحوالي 4 ملايين شخص، فيما يُقدّر عدد النازحين داخل سورية بحوالي 6.5 مليون شخص، وفقاً لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والمقدّم لمجلس الأمن بتاريخ 27/1/2014.
ومن الواضح أنّ مثل هذه الحلول الجزئية لا يُمكن بحال أن تُخفّف الضغوط على الدول المجاورة كما اقترح المفوض السامي لشؤون اللاجئين، إذا أن أعداد اللاجئين الذين تمّ تسجيلهم في الشهر الفائت تزيد عن كل الأعداد التي تم الإعلان عن قبول توطينها حتى الآن!.
إنّ قيام المجتمع الدولي بتركيز الجهود على خيار التوطين، يُشكّل اعترافاً من جهة بعجز هذا المجتمع عن حل الأزمة السورية، ودعوة للسوريين إلى إلغاء خيار العودة إلى سورية كخيار واقعي على المستوى المنظور، كما أنّه يُشكّل هروباً من التزامات المجتمع الدولي الحقيقية تجاه السوريين.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تنظر بعين القلق إلى الطروحات المتزايدة فيما يخصّ مسألة توطين اللاجئين، فإنّها تدعو إلى ما يلي:
- ضرورة تكاثف جهود الدول والمنظمات من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في سورية منذ ثلاثة سنوات، والتي كانت السبب الرئيسي في تدفّق الملايين من اللاجئين، وما زالت تتسبّب في ذلك حتى الساعة، وبدون وقف هذه الانتهاكات فإنّ المشكلة سوف تستمر في التفاقم، ولن يتمكن المجتمع الدولي بطبيعة الحال من حلها من خلال مزيد من طروحات التوطين!.
- دعوة المجتمع الدولي إلى تأمين الحماية للمدنيين داخل سورية، من خلال تأمين مناطق حظر جوي تمنع الهجمات الصاروخية والغارات الجوية للنظام، وبالتالي توفّر مكاناً آمناً للسوريين داخل بلدهم، بدلاً من البحث عن أماكن لتوطينهم خارج بلدانهم.
- إن اللجنة وإذ تُقدّر الحاجة الملحّة لكثير من اللاجئين للانتقال إلى أماكن آمنة، فإنّها تؤكّد على أنّ معظم الملايين من اللاجئين السوريين لم يُغادروا بيوتهم ترفاً، وبالتالي فإنّها تدعو كل المنظمات الحكومات إلى التركيز على الحلول التي تتعامل مع قضية اللاجئين بشكل متكامل، لا تلك التي يمكن أن تحل مشكلة آلاف منهم وتُغفل مشكلة ملايين!.
- ضرورة تكثيف التبرعات التي تُقدّمها الجهات المانحة لتوفير متطلبات الحياة الضرورية في داخل وخارج سورية، من أجل التخفيف من انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يُعاني منها اللاجئون داخل المخيمات وفي المناطق المحاصرة، وتدفعهم للبحث عن أي مكان آمن خارجها.