تمرّ اليوم الذكرى الخامسة والخمسين على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وهو اليوم الذي اعتُمدِ لاحقاً ليكون اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
لقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة حقوقية يتم التوافق عليها عالمياً، لتؤسّس لحلم عالمي بعصر جديد تُحترم فيها الحقوق، وتكون هي المرجع الذي تستند إليه أفعال الدول والمجموعات.
وقد أطلقَ هذا الإعلان مراحل شاقة من العمل لكل نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات المعنية، من أجل تحويل روح الإعلان إلى آليات عمل ووسائل إجرائية تضمن تنفيذ الحقوق التي تَوافقَ عليها المجتمعُ الدولي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما انعكس في مئات المؤتمرات واللقاءات حول العالم، وعشرات الاتفاقيات التي وجدت طريقها إلى النور منذ ذلك التاريخ، لتعكس كل واحدة منها روح واحدة من مواد هذا الإعلان.
وقد أسّست لقاءاتُ الخبراء حول العالم ما عُرف بمبادئ حقوق الإنسان، وهي المبادئ التي انتهت هذه اللقاءات إلى أنّها الضامنة لروح الإعلان، فبدونها لا تتحوّلُ نصوصُ الإعلان إلى مواد قانونية متفرّقة، قد تضيع في المتاهات السياسية للدبلوماسية الدولية.
وقد كان من أبرز هذه المبادئ مبدأ عالمية حقوق الإنسان، ومبدأ عدم قابلية الحقوق للتجزئة، ومبدأ تعزيز سيادة حقوق الإنسان بمقابل مبدأ السيادة الوطنية الذي كان سائداً في مرحلة ما قبل الإعلان العالمي وما تلاه.
وقد أكّد المجتمع الدولي في عدد من المرات على أهمية تعزيز تفعيل هذه المبادئ ضمن ما اصطلح على تسميته “التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان” باعتباره من أهم مقاصد الأمم المتحدة، وأن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حقوق يكتسبها جميع البشر بالولادة، وإن حمايتها وتعزيزها هما المسؤولية الأولى الملقاة على عاتق الحكومات، مع التأكيد على عالميتها وترابطها وعدم قابليتها للتجزئة، وفقاً لما تمّ التأكيد عليه في إعلان عمل فينا للمؤتمر الدولي لحقوق الإنسان لعام 1993، وهو الإعلان الذي يُعدّ وثيقة مرجعية للعمل الحقوقي حول العالم.
وقد ترافق العمل التشريعي الذي قامت به المنظمات الدولية والمحلية من أجل تفعيل حقوق الإنسان مع جهود مكثفة حول العالم لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز هذه القيم والمبادئ لدى الإنسان العادي، من أجل بناء منظومة متكاملة تساعد في استدامه الحقوق وتفاعلها.
لكن هذا البناء الذي استغرق الخبراء والنشطاء حول العالم عقوداً طويلة تعرّض لهزات سياسية عنيفة، هزّت مصداقيته بشدة، وأضعفت من قدرة أي جهة على تسويق منظومة حقوق الإنسان كمنظومة بديلة لانتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب ودعم الأنظمة القمعية، إلى غيرها من الظروف التي أعطت المبرر لإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما جاء في دباجته.
لقد شكّل تعامل المجتمع الدولي مع قضية انتهاكات حقوق الإنسان في سورية نموذجاً صارخاً لضعف المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، والتي لم تستطع العمل على المستوى الحكومي، وحتى على مستوى المنظمات والنشطاء. فقد عمل المجتمع الدولي عبر قادته السياسيين وعبر المبعوث الدولي للأمم المتحدة كل ما في وسعه من أجل تكريس مبدأ إفلات المجرم من العقاب، والدفع باتجاه إعادة تأهيله بدلاً من عقابه، وعمِل على تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة، وغير المسبوقة من حيث التوثيق، كما تجاهل بشكل غير مسبوق الدور الذي تقوم به ميليشيات أجنبية من عدة دول على الأراضي السورية، وأظهر بشكلٍ جلي أن حقوق الإنسان لا يُمكن يحال من الأحوال الوصول إلى مستوى المصالح السياسية والاقتصادية من حيث الأهمية والتأثير في السياسة الدولية.
ولم يقتصر التعامل السلبي مع انتهاكات حقوق الإنسان على الجهات الحكومية الدولية، بل تعدّاه إلى العديد من المنظمات غير الحكومية الحقوقية حول العالم، وخاصة في المنطقة العربية، والتي تجاهلت الانتهاكات الخطيرة التي تجري في سورية، ولم يقم بعضها ولا حتّى بإدانة أي جريمة من جرائم الإبادة الجماعية التي جرت في سورية، أو حاول بعضها التعاطي بشكل حيادي أمام هذه الجرائم.
ومما لا شكّ فيه أن تعاطي المجتمع الدولي الخجول والمخزي مع ملف الانتهاكات الخطيرة التي تجري في سورية بصورة علنية ومعلنة قد ترك أثره على الجيل الحالي من السوريين بشكل خاص، وكل المهتمين في المنطقة، وسيترك آثاراً أكثر عمقاً على الأجيال القادمة، والتي لن تكون قادرة على الإيمان بمصداقية القانون الدولي لحقوق الإنسان وفعاليته، ولن تتمكّن بذلك من دعم أي جهود لإعادة نشر ثقافة حقوق الإنسان في سورية والمنطقة.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذا تذكّر بأن سورية التي كانت دولة مؤسسة في الأمم المتحدة ودولة مشاركة في إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنّها تدعو المنظمات الدولية للقيام بواجبتها للضغط على الحكومات من أجل إعادة روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والحفاظ على ما تبقى من منظومة حقوق الإنسان التي بُنيت خلال خمسة وخمسين عاماً.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
10/12/2013