شهِدت مدينةُ النبك عَدداً من المجازر خلال الأيام الماضية، مع الحملة التي تشنّها قواتُ الجيش السوري وميليشيا أبو الفضل العباس ولواء ذو الفقار العراقية وقوات حزب الله اللبنانية على المدينة، حيث بدأت هذه القوات بشنّ هجومها على مدينة النبك في ريف دمشق يوم 19/11/2013، وسط حصار شامل فُرض على المدينة التي يتواجد فيها حوالي 90 ألف نسمة.
ومنذ بدء الهجوم، تتعرّض المدينة لقصف متواصل بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة، مما أدّى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، حيث يزيد عدد الضحايا حتى الآن عن 250 شخصاً؛ ممن عُرفت أسماؤهم.
لكن القوات الحكومية والميليشيات الأجنبية المساندة لها لم تكتف بعمليات القصف العشوائي والمركّز، بل قامت بأعمال إعدام مباشرة، استهدفت في غالبيتها أطفالاً ونساءً، وقامت بالتنكيل بجثثهم وبحرقها، في محاولة لدفع بقية السكان لمغادرة المدينة قبل وصول قوات الحكومة والميليشيات الأجنبية المساندة لها.
وسنعرض هنا إلى أهم المجازر التي شهدتها المدينة خلال الفترة الماضية بالأسلحة البيضاء والصغيرة، رغم أن أعمال القتل الجماعي بالأسلحة الثقيلة والقناصة لم تتوقف منذ بدء الهجوم:
في يوم 7/12/2013 اكتُشفت حوالي 40 جثة في حي الفتاح شمال المدينة، والقريب من دير عطية، حيث تم إحراق الجثث والتمثيل بها، وأغلب الضحايا من عائلة مستو، وهم 22 طفلاً و10 نساء و3 شيوخ وخمسة شباب.
وفي يوم 8/12/2013، وفي حي الفتّاح أيضاً، اكتُشفت حوالي 40 جثة أخرى، وجميعها تعرضت للذبح والتمثيل والحرق.
وفي يوم 8/12/2013 تمّ قتلُ سبعة أطفال وأمهم الحامل في المنطقة الصناعية، عندما كانوا في طريقهم لمغادرة النبك باتجاه يبرود، وتم إرسالهم من قبل قاتليهم بسيارة إلى النبك، ولم تُعرف ظروف مقتلهم حتى الآن.
وفي صباح اليوم 10/12/2013 وردت أنباءٌ من النبك عن مجزرة مروعة قُدّر العددُ الأولي لضحاياها بمائة ضحية، وقعت في طريق النبك-حمص، وذلك بعد سيطرة القوات الحكومة والميليشيات الأجنبية المساندة لها على معظم أجزاء المدينة، مما سيجعل عملية توثيق هذه المجزرة ووصول التوثيق إلى العالم الخارجي أمراً صعباً، مقارنة مع المجازر في اليومين الماضيين.
توثيق الجرائم من قبل الجناة
رغم أنّ النشطاء الحقوقيين والمنظمات السورية الحقوقية لا يستطيعون التأكد من هوية مرتكبي الجرائم التي تمّت في مدينة النبك كما في معظم الجرائم التي ارتُكبت في كل المناطق السورية منذ انطلاق الثورة في مارس/آذار 2013، إلاّ أن الجرائم التي ارتُكبت في مدينة النبك خلال الأيام الماضية ومشاركة الميليشيات الأجنبية تم توثيقها بعدسات الجناة أنفسهم، مع أسمائهم الكاملة، ووجوههم الواضحة، وهو أمر لا يتكرر كثيراً في بقية الجرائم.
فمنذ بدء الهجوم على المدينة في 19/11/2013 قامت صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للنظام السوري وتلك المؤيدة للميليشيات الأجنبية المشاركة في الهجوم معه، بتوثيق صور الجناة وأفلامهم وهو يقومون بإطلاق النار على المدنيين، أو يقومون بتعذيبهم، أو وهم يُدلون بتصريحات يتفاخرون فيها بمشاركتهم في أعمال القتل في مدينة النبك، ويُتفاخرون برسم الشعارات الطائفية على جدران المدينة، أو الهتاف بها.
وعلى سبيل المثال قام المدعو أبو شهد الجبوري، عراقي الجنسية، وهو قائد ميليشيا ذو الفقار، بنشر صورٍ له وهو يقود مسنّاً خمسينياً مُكبّلاً بحبل، عُرف لاحقاً أنه المواطن منير عبد الحي، وصورٍ له وهو يقوم بضربه بعد قتله.
كما قامت هذه الصفحات بتوثيق مشاركة أطفال يُعتقد بأنهم عراقيون ضمن هذه الميليشيات، ومشاركة مرتزقة أفارقة وآسيويين في هذه هذه الميليشيات التي تُشارك في قتل السوريين.
جريمة إبادة دولية بحق السوريين
إن أعمال القتل التي تقوم بها الميليشيات العراقية واللبنانية جنباً إلى جنب مع قوات الحكومة السورية في النبك هي جريمة حرب معلنة ضد السوريين، لم يكن لها أن تتم لولا تشجيع المجتمع الدولي، والذي لم يُظهِر خلال الأعوام السابقة أيَّ ردودَ فعلٍ تتناسب مع حجم الجريمة التي يجري ارتكابها في سورية، كما لم يُبد حتى الآن أي ردود فعل تُذكر على مشاركة القوات الأجنبية من إيران والعراق ولبنان ودول أخرى إلى جانب قوات النظام، وهو ما يعني بالضرورة تشجيعاً ضمنياً لهذه المشاركة.
إن الحكومة اللبنانية والحكومة العراقية والحكومة الإيرانية تُشارك في تحمّل مسؤولية الجرائم التي يتم ارتكابها في سورية، وهي مسؤولة جنباً إلى جنب مع الحكومة السورية، وينبغي أن تكون موضعاً للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لقد قامت الحكومة السورية وحلفاؤها باستخدام الخطاب الطائفي كشعار لعملية الإبادة الجماعية التي يتم تنفيذها على السوريين، وهو الخطاب الذي لن يترك آثاره في المدن السورية التي يتم فيها تنفيذ الجرائم فحسب، بل سيترك آثاره على المنطقة بأسرها، وينقل المواجهة التي تقوم بها الحكومة وحلفاؤها الأجانب إلى خارج الحدود السورية بكل تأكيد.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تُناشد كل المنظمات الدولية إيلاء المجازر اليومية التي يتم ارتكابها في سورية على يد القوات السورية والقوات الأجنبية اهتماماً يتناسب مع حجم الجريمة، كما تناشد المنظمات الإنسانية بذل الجهد للوصول إلى مدينة النبك، والتي يُتوقع أن تشهد المزيد من المجازر بعد سيطرة القوات الحكومية والميليشيات الأجنبية المساندة لها على المدينة.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
10/12/2013