النظام ومجموعة مسلحة يُعلنون الحرب على الإعلام
تقع سورية ضمن أسوأ دول العالم في مجال حرية الإعلام، حتى ما قبل الثورة التي انطلقت في آذار/مارس 2011، فقد احتلت سورية المركز (173) من (178) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود” في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2010.
وقد ازداد أوضاع الحريات الإعلامية سوءً في سورية مع انطلاق الثورة، حيث شهدت سورية موجةً كبيرةً من الاعتقالات والاعتداء بالقتل على الصحفيين المحليين، بينما تمّ منع وسائل الإعلام الأجنبية من الدخول، ثمّ فُتح المجال بشكل ضيق ومقيّد.
ومع تصاعد الأحداث واستمرارها، شهدت الانتهاكات الموجّهة نحو الإعلاميين المحليين والدوليين تصاعداً ملحوظاً في عامي 2012 و2013، حيث سَجّلت لجنةُ حماية الصحفيين، وهي منظمةٌ دوليةٌ تُعنى بمتابعة الانتهاكات التي تَستهدف الصحفيين حول العالم، حالتي قتلٍ بين الصحفيين في سورية في عام 2011، مقابل (28) حالة في عام 2012، بينما يتوقع أن يصل الرقم في عام 2013 إلى أكثر من ضعف هذا الرقم.
وبالتوازي مع أعمال القتل والاعتقال التي كانت حكراً على قوات الأمن التابعة للحكومة السورية في كل الفترات السابقة، فإنّ أعمال خطف الصحفيين في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة شهدت في الأشهر الماضية، وتحديداً من شهر تموز/يوليو 2013 تصاعداً ملحوظاً بلغ ذروته في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، والذي كان بمثابة شهر أسود لعمل الإعلام في سورية.
وقد بدأت عمليات خطف الإعلاميين مع صعود التنظيم الذي يُعرف باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، والذي يُشار له بأصابع الاتهام في كل أعمال الخطف والاعتداء على الإعلاميين وعلى النشطاء الآخرين، بعد ثبوت اختطاف عدد من الإعلاميين على حواجز تابعة لهذا التنظيم، وقيام دوريات تابعة له باعتقال نشطاء من مراكز عملهم أو بيوتهم، وشهادات من داخل معتقلات هذا التنظيم تفيد بوجود النشطاء المختطفين فيها.
وفي شهادة قدّمها قائد لكتيبة تابعة للواء أحرار سوريا تم الإفراج عنه من سجن تنظيم الدولة “المقر الرئيسي في حلب” وردت يوم 29/11/2013 أفاد الشاهد بأنه شاهد هناك الإعلامي عبد الوهاب ملا وصديقه الذي اختُطف معه، واستطاع وصفهم بدقة.

عبد الوهاب ملا، في آخر الحلقات التي صورها من برنامجه الشهير “ثورة ثلاث نجوم” عن الدولة المدنية والخلافة الإسلامية
الانتهاكات المسجلة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر
شهد شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013 عشر حالات اختطاف لإعلاميين، ومقتل تسعة إعلاميين، وإصابة خمسة صحفيين بجروح. وقد كانت أعمال القتل والجرح جميعاً على يد قوات تابعة للنظام السوري، بينما تمّت أعمال الخطف في المناطق التابعة للمعارضة، وتم توثيق ثلاثة منها على أنها من عمل تنظيم داعش.
وفيما يلي الانتهاكات الموثّقة في هذا الشهر، مرتّبة حسب تسلسلها الزمني.
1/11/2013: اختطاف الناطق باسم وكالة إدلب برس الإعلامية محمد الإدلبي، حيث اختطف في قرية الناجية في جسر الشغور في محافظة إدلب على يد ملثمين، عندما كان في طريقه لدركوش.
01/11/2013: اختطاف مراسل أورينت مؤيد سلّوم، والذي اختطف في حلب على مفرق كاستيلو، والذي يُسيطر عليه تنظيم داعش.
05/11/2013: إصابة المراسل الإعلامي هادي العبد الله، حيث أصيب بشظية بالرأس أثناء تغطيته للاشتباكات في ريف حمص.
5/11/2013: مقتل المصور قاسم مصباح الحزوري، وقد قتل في منطقة مهين بريف حمص أثناء تغطيته للاشتباكات. والمصور هو مؤسس صفحة عدسة شاب تلكلخ .
6/11/2013: استشهاد المصوّر الإعلامي دياب حسين البطران، وقد قتل أثناء تغطيته لاقتحام المحطة الحرارية في حلب
7/11/2013: اختطاف عبد الوهاب ملا من بيته، بعد أن جاءه أربعة أشخاص بسيارة جيب سوداء، واقتحموا منزله في حي مساكن هنانو في حلب، وخطفوه مع أحد ضيوفه. ويذكر أن عبد الوهاب ملا كان من أوائل الإعلاميين في الثورة السورية، وقدّم العديد من البرامج التي لقيت رواجاً واسعاً بين السوريين، أهمها: “هذا كل شي صار” و”ثورة ثلاث نجوم”.
09/11/2013: العثور على جثة سميرة الكيالي في مزرعة في حلب، بعد أربعين يوماً من اختطافها على يد مجهولين أثناء توجهها من بلدة كفر حمرة إلى الحدود التركية.
وكانت سميرة البالغة من العمر 20 عاماً من أوائل النشطاء في الحراك السلمي، وعملت في المجال الطبي والإغاثي كما أعدت عدة تقارير إعلامية لوسائل إعلام مختلفة.
16/11/2013: اختطاف الإعلامي أحمد بريمو من منطقة الزبدية، وقد قام الخاطفون أيضاً بإطلاق النار على عناصر من كتيبة عسكرية موجودة في الحي بعد أن قاموا بملاحقة الخاطفين، ما أدى إلى جرح بعض العناصر، وقد لاحقوا الخاطفين إلى أن وصلوا إلى مقر تنظيم داعش، وتم اللقاء بين قيادة هذه الكتيبة وقيادي من التنظيم، والذي وعد في التحقيق بالإصابات التي وقعت لعناصر الكتيبة، لكنه أكّد أن داعش ستُبقي على احتجاز الإعلامي أحمد بريمو، وفقاً للتصريح الإعلامي الذي سجّله تنظيم (فاستقم كما أمرت)
16/11/2013: قصف مركز حلب الإعلامي، مما أدّى إلى إحداث أضرار كبيرة فيه، وأصيب أربعة من أعضائه.
18/11/2013: عُرض مازن درويش وحسين غرير وهاني الزيتاني أمام محكمة الإرهاب في دمشق، ويذكر أنهم اعتقلوا بتاريخ 16/2/2012 عندما تم اقتحام المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في دمشق، والذي يرأسه مازن درويش. وفي 27/2/2013 وجّهت للمعتقلين تهمة “الدعاية لأعمال إرهابية” بموجب المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرّ في عام 2012.
20/11/2013 اختطاف ياسر الصطوف (أبو أحمد الديرحافري)، مراسل وكالة شهبا برس، حيث قامت سيارة سوداء بخطفه من أمام مستشفى بلدة دير حافر في الريف الشرقي لمحافطة حلب.
23/11/2013 اختطاف الصحافي المستقل ماغنوس فالكيهيد (يسار) والمصور نيكلاس هامارستروم (سويديي الجنسية)، بينما كانا في طريقهما لمغادرة سورية.
23/11/2013 مقتل خمسة إعلاميين في الغوطة الشرقية أثناء تغطيتهم للمعارك هناك، والإعلاميون الخمسة هم عمار طباجو (محمد السعيد)، حسن هارون (محمد الطيب)، محمد شاهر النجار، وأكرم السليك (صالح عبد الرحمن)، وياسين هارون (أبو بشير).
24/11/2013 استشهاد الناشط الإعلامي محمد يامن نداف، مراسل وكالة شهبا برس، والذي قتل أثناء تغطيته للمعارك التي يخوضها الثوار في حي الشيخ سعيد في حلب.
29/11/2013 اختطاف سيارة اسعاف، كان فيها اثنان من الإعلاميين في حلب في طريقهم لتغطية القصف الذي حصل يوم 28/11 في دوار قاضي عسكر، ولم يرهم أحد بعد ذلك، وقد كان في السيارة كل من الناشط الإعلامي كرم كرم، والناشط “لؤي أبو الجود” مراسل قناة العربية سابقاً. والناشطين كرم وأبو الجود من إعلاميي حي بستان القصر في حلب.
30/11/2013 اختطاف الإعلامي عمر ربيع حسن في حي بعيدين في حلب خلال تغطيته للمعارك
النتائج والتوصيات
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تُدين تصاعدَ الانتهاكات ضد السوريين بشكل عام، نتيجة لسياسة المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات، وإذ تُنبّه إلى خطورة استهداف الإعلاميين على وجه الخصوص، وخاصة الإعلاميين المواطنيين، والذين تعتمد عليهم وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية في كل العالم لمعرفة الحقيقة فيما يجري على الأرض السورية، والذين لم يكن من الممكن بدونهم توثيق كل الانتهاكات التي حصلت في سورية منذ مارس/آذار 2011 وحتى الآن، فإن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تؤكد على ما يلي:
- إن استهداف الإعلاميين سواء من قبل قوات النظام السوري أو من قبل ميليشيا الدولة الإسلامية في العراق والشام يؤكّد على حيوية الدور الذي يقوم به هؤلاء الإعلاميون، ومدى الخطورة التي تشكلها تقاريرهم وصورهم في فضح الانتهاكات التي تقوم بها هاتان الجهتان، وهو ما يَستدعي تفعيلاً لآليات الحماية الدولية لهؤلاء الإعلاميين، وتسليط الضوءِ عليها وبشكل مستمر حتى تتوقف أعمال استهدافهم، ويتم الإفراج عن الصحفيين المختطفين.
- ضرورة قيام كل المؤسسات الحقوقية والإعلامية في سورية والعالم بدورها في التضامن مع الإعلاميين المستهدفين في سورية، سواء على يد النظام السوري أو على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو التضامن الذي تفرضه مواثيق الشرف الإعلامية والمواثيق الدولية ذات الصلة.
- أهمية قيام كل التيارات والتنظيمات السياسية والعسكرية في المعارضة السورية ببذل كل الجهود للكشف عن مصير الصحفيين السوريين المختطفين في الأراضي التي لا تخضع لسيطرة النظام السوري، وأن سكوت هذه التيارات عن إدانة هذه التصرفات بشكل واضح يجعلها مشاركة في استهداف الصحفيين وفي تشجيع مختطفيهم على مزيد من هذه الأعمال.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
1/12/2013